بقلم : معن حمية
أنّ يقرّر رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب نقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة ويعلن المدينة الفلسطينية عاصمة لكيان الاحتلال الصهيوني، فهذا لا يعني انّ القدس تأسرلت، لكنه يكشف الحقيقة الكاملة بأنّ هناك استراتيجية أميركية – «إسرائيلية» واحدة، وأنّ سياسات الدولة الأميركية العظمى تجاه المسألة الفلسطينية هي سياسات عدوانية في المراحل كلّها. فأسلاف ترامب تعهّدوا بالأمر ذاته، والإدارات الأميركية المتعاقبة لم تحِد قيد أنملة عن ممارسة سياسة ازدواجية المعايير، كما لم تتأخر يوماً عن دفع وتسديد تكاليف وميزانيات الاحتلال اليهودي لفلسطين. ما يعني أنّ أميركا مسؤولة عن توفير كلّ مقوّمات استمرار الاحتلال «الإسرائيلي»، وما نتج عن هذا الاحتلال من استيطان وتهويد وجرائم قتل وتشريد وتهجير طالت مئات آلاف الفلسطينيين.
الفعل الأميركي الشائن ليس محصوراً فقط بقرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس، بل يتجسّد بالسياسات الأميركية التي تلتزم دعم «إسرائيل» وحماية أمنها، ومؤازرتها في حروبها ضدّ الفلسطينيين وضدّ لبنان والشام وكلّ مَن يقف في صفّ مقاومة الاحتلال.
الإعلان الأميركي باعتبار القدس عاصمة لكيان الاحتلال الصهيوني، غيض من فيض انحياز أميركي لصالح العدو. فأميركا كانت على الدوام، ولا تزال، أحرص على «إسرائيل» من الصهاينة أنفسهم. شاركتها في كلّ حروبها، وحملت عنها عبء التكاليف، ونأت بها عن قرارات الإدانة الدولية، حتى أنّها لم تدّخر وسعاً لإلغاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379 الذي يساوي الصهيونية بالعنصرية!
الولايات المتحدة فعلت أموراً كثيرة قبيحة لتكريس الاحتلال اليهودي لفلسطين، لكنها بإعلان القدس عاصمة لـ «إسرائيل» تعلن سقوطها نهائياً من عالم الإنسانية وتعلن نفسها دولة راعية للإرهاب والاحتلال.
أميركا بعد القرار المشؤوم، لن تكون كما كانت قبله، فهي وقّعت صكّ خروجها على القوانين والمواثيق الدولية، والعالم أجمع مطالب بخطوات جادة ومسؤولة لوضع حدّ للغطرسة الأميركية التي تطبّق شريعة الغاب والإرهاب.
ما فعلته الولايات المتحدة هو ترجمة لمسار طويل من سياسات تمكين الاحتلال الصهيوني، مسار شكلت بعض الأنظمة العربية جزءاً أساسياً منه، نتيجة تآمرها على فلسطين، بما بات يُعرف بصفقة العصر!
صفقة العصر هذه، عرّت أنظمة التطبيع العربي وأسقطت كلّ مَن راهن على مسارات التسوية والمفاوضات المذلة وحلّ الدولتين. وهذه الصفقة على خطورتها ووحشيتها لن تكون لها أية مفاعيل، لأنّ الفلسطينيين سيتوحّدون على خيار المقاومة، والشعوب العربية لا بدّ أن تتحرّك وتملأ الساحات تنديداً بسياسات الأنظمة المطبّعة مع العدو، والمشاركة في مخطط تصفية المسألة الفلسطينية.
ما هو مؤكد وحقيقي أنّ القدس لن تكون عاصمة لـ «إسرائيل»، ما دام هناك شعبٌ يقاوم الاحتلال ويبذل الدماء والتضحيات حتى تبقى القدس زهرة المدائن وعاصمة فلسطين المحرّرة من النهر إلى البحر…