د. حكمت نبيل المصري*
بعد عامين من الحرب، تقنع إسرائيل نفسها بأنها أنجزت ما أرادت في قطاع غزة. ترفع شعار “تحقيق الردع:، وتستعرض دمار المدن كدليل على القوة. وفي الجهة المقابلة، تسوق حركة حماس روايتها الخاصة بأنها أفشلت المخططات الإسرائيلية وصمدت في وجه آلة الحرب، وأن “الطوفان” كان لحظة تحول في الصراع.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه: من سيصدق كل هذه الروايات؟
هل سيصدقها المواطن الغزي الذي يعيش على أنقاض بيته بلا كهرباء ولا ماء ولا أفق؟ أم الإسرائيلي الذي يدرك أن أمنه لم يتحقق، وأن الحرب لم تجلب له سلاما ولا نصرا؟
في الواقع، يبدو أن حماس ومن خلفها منظومة الإخوان المسلمين في الغرف المغلقة يدركون تماما حجم الفشل. يدركون أن “عملية الطوفان” كانت مغامرة كبرى، تحولت إلى ورطة سياسية وإنسانية، جرّت على القطاع ويلات ستظل تتردد أصداؤها لسنوات. ومع ذلك، قيل لهم – من بعض الأصدقاء القلائل، إن هذا “أفضل الممكن”، وإن البقاء ولو فوق الركام خير من الزوال الكامل، لعل الأيام تحمل متغيرات تخدم مصالحهم في المستقبل.
أما عن الإخراج الإعلامي، فلا خوف عليه؛ فثمة من يتولى تسويق الهزيمة على أنها انتصار، وجيش من الأبواق وباعة الوهم جاهزون لتجميل الخراب وتسويغ الألم. وسيجد هؤلاء دائما من يصفق لهم، ومن يبرر لهم، ومن يختبئ خلف رواية “الانتصار الرمزي” ليغطي عجزه أو تقصيره.
هكذا يُعاد إنتاج المشهد ذاته:
وهمٌ يُروى، وجمهورٌ يُخدَّر، وواقعٌ يزداد قسوة.
————–
* صحفي وكاتب مختص في الشؤون الدولية، وباحث في قضايا العدالة والنزاعات المسلحة

