أحيا العديد من المؤسسات الثقافية والحقوقية العربية والغربية مؤخراً ذكرى مرور ١٠٠ عام على (وعد بلفور)، الذي صدر في الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر) ١٩١٧ ويعدّه كثيرٌ من المحللين الخطوة الأولى لتأسيس دولة إسرائيل.
اختلفت مشاعر إحياء الذكرى بين الاحتفاء والامتنان من لدن فئة، أو الامتعاض والاستياء من لدن فئة أخرى أكثر من الأولى أو ربما أعلى صوتاً فقط بسبب أن نبرة الاحتجاج تعلو دوماً على نبرة التأييد.
كان يمكن، قبل عامين أو ثلاثة، فرز الأصوات المحتفلة من المحتقنة بالإحالة إلى الغرب والعرب على التوالي، لكن خريطة المواقف من فلسطين وإسرائيل اختلفت الآن وامتلأت بالكثير من التعرجات والخطوط المتداخلة، ففي الوقت الذي رأينا بعض المؤسسات الغربية تطالب بريطانيا بالاعتذار عن الوعد المشؤوم جرّاء الانتهاكات الإنسانية التي خلّفها، سمعنا من بعض العرب من يدافع عن وعد بلفور بوصفه قد أسس لحقٍّ مشروع.
وعد بلفور لم يكن في الحقيقة الخطوة الأولى لقيام دولة إسرائيل، إذ سبقته خطوات إجرائية متعددة منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، سبقت حتى مؤتمر الحركة الصهيونية الأول في بازل، ربما أمكن وصف وعد بلفور بأنه الخطوة السياسية الأولى.
كما من المهم الإشارة إلى أن رسالة وزير الخارجية البريطاني أرثر بلفور لم تكن موجهة إلى حاخام يهودي بل إلى ثري صهيوني (روتشيلد)، ما يؤكد أن إسرائيل لم تقم على أساس ديني بل نفعي انتهازي، وإن بدا شعارها دينياً!
على رغم اقتضاب وعمومية نص وعد بلفور، إلا أن حقوقيين يرون أن الشرط الوحيد الذي ورد فيه لم يتم تحقيقه من لدن إسرائيل، إذ تؤكد الرسالة البلفورية وعد إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، شرط عدم القيام بأي شيء يمكن أن يمسّ الحقوق المدنية والدينية للجماعات الأخرى غير اليهودية التي تعيش في فلسطين.
والآن، هل التزمت إسرائيل بذلك الشرط؟!
هل التهويد الذي يُجرى في مدينة القدس، من بعد 1967، وتخريب أماكن العبادة الإسلامية والمسيحية في المدينة العتيقة وتحويرها تنسجم مع شرط عدم المسّ بالحقوق الدينية للجماعات الأخرى؟!
وهل هدم منازل الفلسطينيين في مختلف المدن الفلسطينية بغرض بناء مستوطنات للمهاجرين اليهود هو التزامٌ بعدم المسّ بالحقوق المدنية للجماعات الأخرى؟!
إذاً، فقد تم تنفيذ الوعد من دون تنفيذ شرطه!
يجب تنفيذ وعد بلفور كاملاً!
زياد الدريس
التعليقات معطلة.