محمد عبد الصادق
التعديلات الدستورية التي تقدم بها 155 من أعضاء مجلس النواب مؤخرا، تحوز اهتمام المصريين دون حماسة زائدة أو انفعال، فالفريقان المؤيد والمعارض متفقان على أن مصر ذاهبة إلى خيار التهدئة والاستقرار السياسي، وأن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السيئة ستزداد سوءا، في حال حدوث تغيير أو قلاقل، وما زالت الذكريات السيئة التي صاحبت ثورة 25 يناير من انفلات أمني وفقدان الوظائف وغلاء الأسعار ضاغطة على مشاعر شرائح واسعة من الشعب المصري، الذي أصبح تأمين الاحتياجات المعيشية لأبنائهم هو شغلهم الشاغل، واقتصر اهتمامهم بالشأن العام والأمور السياسية على تعليقات ومشاركات حذرة على مواقع التواصل الاجتماعي، والجميع متفق أن ليس هناك بديل سياسي يمكن الوثوق فيه خلال المرحلة الراهنة.
ورغم انتقادات بعض المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية للتعديلات المقترحة وتحريضها الولايات المتحدة والدول الغربية للتصدي لما اعتبرته خطوة لتعزيز الحكم السلطوي في مصر، إلا أن الأوضاع الداخلية والتحديات الدولية والإقليمية التي تمر بها المنطقة تصب جميعها في صالح استقرار واستمرار النظام في مصر الذي نجح في اكتساب ثقة الأطراف الفاعلة، وإقامة علاقات متينة بالقوى المهيمنة على العالم التي يرى معظمها أن هدوء الأوضاع في المنطقة مرهون باستقرار الأمور في مصر، وأن النظام الحالي يمتلك القوة اللازمة التي تمكنه من السيطرة على الأمور داخل مصر ومحيطها الإقليمي.
والتعديلات الدستورية المطروحة للنقاش الآن في مجلس النواب من شأنها السماح للرئيس عبدالفتاح السيسي بالترشح لفترتين أخريين بعد انتهاء ولايته عام 2022م، إضافة إلى تمديد الولاية الرئاسية من 4 سنوات إلى 6 سنوات، وتم وضع هذه المادة ضمن 17 مادة يناقش مجلس النواب تعديلها حاليا، ليسهل تسويقها سياسيا وشعبيا، بحيث لا يبدو الغرض من التعديلات تمديد فترات ومدد الرئاسة فحسب.
وتشمل هذه التعديلات مواد متعلقة بالسلطة القضائية وتنظيم الإعلام؛ بحيث يعود منصب وزير الإعلام الذي تم إلغاؤه في دستور 2014م، واستبداله بهيئة تنظيم الإعلام.
وتباينت الآراء السياسية والقانونية حول هذه التعديلات التي يراها البعض تكريسا للسلطة في يد رئيس الجمهورية الذي يحق له بموجبها مراقبة السلطة القضائية والسيطرة على الإعلام والتضييق على الحريات العامة، كما تعيد له سلطة تعيين وزير الدفاع الذي قيدها الدستور الأخير، وإن كان السيسي غير وزير الدفاع دون الحاجة لهذه التعديلات.
كما أن هذه التعديلات ستمنح الرئيس الحالي استثناء غير مسبوق؛ بحيث يتولى فترتين رئاسيتين إضافيتين؛ مدة كل منهما ست سنوات؛ بينما الرئيس الذي سيأتي بعد ذلك سيحكم مصر فترتين فقط وهذا الاستثناء ـ حسبما يرون ـ منافيا لكل الأعراف الدستورية، كما أنه يجعل الرئيس يتولى الحكم لمدة عشرين عاما, في عودة لعهد مبارك الذي قامت ثورة 25 يناير ضد احتكاره للسلطة والحكم.
بينما يرى الفريق المؤيد للتعديلات أنها لا تمس نظام الحكم شبه الرئاسي في مصر؛ حيث لن تمس المواد المتعلقة بسلطة البرلمان في تعيين وإقالة الحكومة، وكذلك المواد المتعلقة بالاستفتاءات على حل مجلس النواب، ويرى أن تعديل فترة حكم الرئيس من أربع سنوات إلى ست لا يمس نظام الحكم ولا التوازن بين السلطات.
وتتضمن التعديلات إعادة مجلس الشيوخ الذي كان يطلق عليه مجلس الشورى في عهد مبارك والذي لم تكن له صلاحيات تشريعية، ولكن كانت تعود إليه ملكية الصحف القومية، وهو الأمر المرجح تمريره في التعديلات الحالية، وإلغاء الهيئة الوطنية للصحافة بعد فشلها في إدارة الصحف والمجلات القومية التي تعاني من ترهل إداري وتدهور أحوالها الاقتصادية.
كما يرى مؤيدو التعديلات أن المواد التي تعطي مجلس النواب سلطة محاسبة الرئيس وسحب الثقة منه وإجراء انتخابات مبكرة، بعد موافقة ثلثي أعضاء المجلس لن تمس، كما سيتم الإبقاء على الصلاحيات الواسعة لرئيس الوزراء في إدارة الحكومة والسلطة التنفيذية.
ويؤكدون أن هدف التعديلات هو تأمين المزيد من الاستقرار للدولة، وتمكين المرأة والشباب بزيادة نسب تمثيلهم في البرلمان، وأن دستور 2014 جاء في فترة صعبة كانت تمر بها مصر، وأنه بعد حالة الاستقرار التي تعيشها البلاد، يتحتم إجراء بعض التعديلات الدستورية التي تعيد للدولة هيبتها وتعيد الاعتبار لمنصب رئيس الجمهورية حتى يقطع الطريق على عودة الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية التي نجح النظام في محاصرتها، وأوشك على القضاء عليها.
هناك جهود حثيثة من الحكومة هذه الأيام لتحسين الأداء وتطوير الخدمات التي تقدمها للمواطنين بإدخال الميكنة في مجال المعاملات الحكومية للقضاء على الفساد، وتخفيف المعاناة التي يتكبدها المصريون في الانتظار لساعات طويلة أمام الدوائر الحكومية، وزيادة دعم السلع التموينية بعد تنقية بطاقات التموين، واستبعاد غير المستحقين للدعم، والتوسع في معاشات تكافل وكرامة؛ بحيث تشمل كافة الفئات الأولى بالرعاية وفقا لقاعدة البيانات، ونسب الفقر الواردة في التعداد السكاني الأخير.
كما يرى البعض أن الزيادة الأخيرة في قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي جاءت نتيجة السياسات الاقتصادية الناجحة للحكومة في محاولة لكبح جماح التضخم وخفض الأسعار؛ في محاولة لتحسن صورتها أمام المواطن المصري، وتشجيعه على المشاركة في الاستفتاء القادم على التعديلات الدستورية الذي يتوقع إجراؤه منتصف العام الحالي.