يوسف أيوب

1

 
 
قبل ثلاثة أعوام تقريبا، وحينما كانت تخصص صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية افتتاحياتها للهجوم على مصر، وتحريض الإدارة الأمريكية لقطع المساعدات الاقتصادية والعسكرية عن مصر، وربطها بعودة جماعة الإخوان الإرهابية إلى الحكم مرة أخرى، تحدثت مع خبيرة أمريكية تراقب أداء إعلام بلدها، فقدمت شرحا وافيا لسياسات الصحف الكبرى هناك، وعلى رأسها نيويورك تايمز بطبيعة الحال، وقالت: إنها فى البداية كانت تستغرب أن تميل الصحيفة المعروف عنها مناهضتها لكل الأفكار الأصولية، إلى جماعة الإخوان وتدافع عنها، بل سبق أن فتحت صفحات الرأى بها لعدد من قياداتها لكى يبثوا سمومهم، لكن حينما اطلعت على تفاصيل العلاقة «القذرة»، وهو الوصف الذى قالته هذه الخبيرة، بين الصحيفة والإخوان، عبر وساطة الأموال القطرية، فإن استغرابها توارى تماما، لأنها تيقنت أن ما تقوم به نيويورك تايمز ضد مصر ما هى إلا سياسة ممنهجة ومدفوعة الأجر، وما أكد ذلك أيضا أنه بعد ثورة 30 يونيو، حاول أحد رجال الأعمال المصريين نشر إعلان فى الصحيفة عن الثورة المصرية، لكن وقتها رفضت الصحيفة، وقالت: إن الإعلان مخالف لتوجهاتها، وبعدها بيوم فتحت الصحيفة الباب لإعلان إخوانى مدفوع الأجر.
أقول كل ذلك بمناسبة ما نشرته الصحيفة الأمريكية قبل أيام لمراسلها الدولى «ديفيد كيركباتريك»، الذى تضمن ما قالت إنها تسريبات لتسجيلات فى حوزته لضابط مخابرات مصرى مزعوم يدعى أشرف الخولى، يقدم فيها توجيهات إلى عدد من مقدمى البرامج التليفزيونية فى مصر بشأن تناول موضوع «القدس» فى الإعلام المصرى، فلم أكن أنتظر هذه الفبركة الجديدة من الصحيفة لأقف على سياستها أو توجهاتها ضد مصر والمصريين بشكل عام، لكن ما لفت نظرى أنها للمرة الأولى تكشف عن وجهها القبيح، وأيضاً عن العلاقة القذرة التى تربطها بالجماعة الإرهابية، من خلال هذه الفبركة التى اعتدنا عليها من الإعلام الإخوانى الممول من المخابرات القطرية والتركية، لكن لم نتوقع أن يصل المدى بصحيفة مثل نيويورك تايمز إلى درجة أن تتخلى عن تاريخها، وتروج للفبركة، لا لشىء إلا لأن ممولى الإخوان وعدوهم بزيادة المقابل المالى المخصص لها سنويا.
كنت أتوقع أن تخرج الصحيفة بقصة مختلقة،تحاول من خلالها تمرير الفبركة التى يحلم أردوغان وتميم بتمريرها من خلال الإعلام الأمريكى بإظهار مصر على أنها تخلت عن دعم القدس والقضية الفلسطينية، للتغطية على حلف أردوغان وتميم مع إسرائيل، لكن لم أتوقع أن يهبط مستوى الصحيفة الأمريكية إلى هذه الدرجة غير المسبوقة من الكذب والتضليل والفبركة التى لم ولن تنطلى على أحد، حتى المتعاطفين مع الإخوان لم يصدقوا هذه التسريبات المزعومة، لأنها تتناقض تماما مع الموقف المصرى الواضح والصريح، الذى أعلنته وتبنته الأيام الماضية ضد قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، الذى اعترف خلالها بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال، ونقل السفارة الأمريكية فى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس المحتلة، فالموقف والتحركات المصرية المناهضة لهذا القرار كانت واضحة واستحقت الثناء من الجميع، فكيف لمحايد أن يصدق هذه الأكاذيب التى جاءت بها الصحيفة الأمريكية، هذا بخلاف ما كشفته الهيئة العامة للاستعلامات من فضائح تستحق أن تعلن نيويورك تايمز اعتذارا رسميا لكل الشعب المصرى والاستغناء عن هذا المراسل الذى كشف باليقين أنه كاذب ومزور.
الهيئة العامة للاستعلامات ردت على أكاذيب نيويورك تايمز ببيان تستحق عليه الهيئة الشكر، لأنها ردت بنقاط أعتقد أنها أحرجت الصحيفة ومن يقفون خلفها، خاصة حينما أشارت إلى أن الخبر تضمن ذكر أربع شخصيات اعتبرهم من مقدمى «البرامج الحوارية المؤثرة» فى مصر، وهم الصحفى مفيد فوزى، وهو فى الحقيقة صحفى لا يقدم أى برامج تليفزيونية منذ سنوات، على عكس مازعمه التقرير، والاسم الثانى هو الإعلامى سعيد حساسين، وهو قد توقف عن تقديم برنامجه منذ ما قبل إثارة موضوع القدس بأسابيع ولا يقدم أية برامج حالياً، أما الاسم الثالث الذى أوردته الصحيفة كمقدم برامج سياسية مؤثرة فى مصر فهو للفنانة الكبيرة يسرا، التى من المفترض أن يكون الصحفى «ديفيد كيركباتريك»- بحكم إقامته الطويلة فى مصر سابقاً- يعلم أنها من أشهر نجمات التمثيل والسينما فى مصر والعالم العربى، ولا علاقة لها بأية برامج تليفزيونية من أى نوع، فيما كان الاسم الأخير للأستاذ عزمى مجاهد، الذى نفى معرفته بأى شخص يدعى أشرف الخولى.
كل ذلك يؤكد أننا أمام جريمة مكتملة الأركان تستحق عقاب المسؤولين عنها، ونصيحتى لكل من وردت أسماؤهم فى هذه التسريبات المزعومة إلا يقاضوا الصحيفة هنا فى مصر، بل فى عقر دارها، فى الولايات المتحدة الأمريكية حتى نكشف للجميع حجم الأكاذيب التى تعرضنا ولا نزال نتعرض لها من هذه الصحيفة المأجورة وغيرها من الصحف التى اختارت أن تحيد عن المهنية لكى تجنى أموالا حرام.

التعليقات معطلة.