اقتصادي

​أثرياء الجزائر لا يدفعون الضرائب… غياب الإحصاءات يساعد في التحايل

مبنى المديرية العامة للضرائب في الجزائر.

عاد الجدل بشأن ضريبة الثروة في الجزائر إلى دائرة الضوء مجدداً، بعد نشر التقرير السنوي لمجلس المحاسبة الذي تضمن أرقاماً تكشف عائدات الضريبة على الثروة التي حصلتها مصالح الضرائب.  وتكشف الأرقام الواردة ضمن التقرير الذي اطلع “النهار العربي” عليه حصيلة ضعيفة جداً لعائدات الضريبة على الأثرياء داخل البلاد، فهي لم تتجاوز سقف الـ260 مليون دينار جزائري، أي ما يعادل 1.930 مليون دولار خلال عام 2021، ولو حاولنا إجراء مقارنة بسيطة بين الضريبة على الدخل والضريبة على الثروة فسنجد الأولى مرتفعة جداً، إذ تتجاوز عتبة 850 مليار دينار أي ما يعادل 6.000 مليار دولار.   تحصيلات ضعيفة وفق ما ورد في التقرير التقييمي لمجلس المحاسبة الخاص بمشروع قانون تسوية الموازنة لعام 2021، الموجود حالياً على طاولة البرلمان الجزائري، فإن ما تم تحصيله من الأغنياء رقم ضعيف جداً بلغ 162,197 مليون دينار خلال عام 2021، مسجلاً بذلك انخفاضاً ملحوظاً مقارنة بـ2020، إذ تم تحصيل 248,288 مليون دينار.  ويجمع خبراء في الشأن الاقتصادي على أن “ضريبة الثروة مجرد حبر على ورق”. ويشرح أستاذ العلوم الاقتصادية الدكتور الهواري تيغرسي، الإشكالية التي تواجه تحصيل الضريبة على الأغنياء فعلياً، رغم الترسانة القانونية التي تتمتع بها البلاد في هذا المجال، ويقول إن “الأمر مرتبط حالياً بالرقمنة وإحصاء الأملاك الوطنية، فثمة نقص كبير في إحصاء كل الممتلكات، والمطلوب القيام بمسح شامل لكل العقارات والأموال المودعة على مستوى المؤسسات المصرفية الرسمية أو غير الرسمية”، وهنا يشير إلى “الأموال المكتنزة في السوق الموازية”. 

 ويتابع أن “ثمة صنفين، الصنف الأول يسدد كل الرسوم والحقوق التي تفرض عليه، أما الصنف الآخر فأمواله مكتنزة في السوق الموازية، غير ملتزم بدفع الضرائب والرسوم، ولذلك لا يمكن إطلاقاً تقييم الممتلكات والأموال”.  ويوافقه في الرأي الخبير الاقتصادي وأستاذ العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير في جامعة الخروبة عبد القادر مشدال الذي يقول لـ”النهار العربي”: “قبل فرض الضريبة على الثروة يجب تحديد الممتلكات وقيمتها، فالجزائر بحسب تقارير دولية تعتبر من بين الدول التي لا تحصى فيها الممتلكات بسبب عدم تسوية أوراق الملكية”. ثروات هائلة غير محصورةوحسبما أدلى به عبد القادر مشدال سابقاً لـ”النهار العربي”، فإن “أباطرة المال في البلاد مجهولون لأن ملكياتهم غير محصاة في الهيئات الرسمية لأسباب عدة، منها البيروقراطية وأيضاً عدم تشجيع الناس على التصريح بالممتلكات بسبب تخوفهم من نسبة الضرائب المفروضة عليهم، وأيضاً عدم عصرنة قطاع الضرائب بإدخال الرقمنة”.  وهذا الأمر أوصى به تقرير رسمي أعدته السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد (هيئة مستجدة تعنى بالشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته)، سلط الضوء على واقع التصريح بالممتلكات لدى المسؤولين المحليين. وسجل التقرير نسباً ضعيفة جداً للتصريح بالممتلكات لدى المسؤولين المحليين. وخلال العهدة الحالية الممتدة من 2021 وإلى غاية 2026، أحصت الهيئة في تقريرها 23166 منتخباً لم يصرحوا بممتلكاتهم من إجمالي 27241 منتخباً أي بنسبة 14.95 في المئة فقط.  وتظهر أرقام السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد وجود 50 محافظة (ولاية) بصفر تصريح من أصل 58 محافظة (ولاية)، بالنسبة إلى المنتخبين في المجالس البلدية أو الولائية، وذكر على سبيل المثال محافظة الجزائر العاصمة ووهران وقسنطينة وغيرها، بينما تمكنت ولايات أخرى من تحقيق نسبة 100 في المئة من التصريح مثل محافظة ورقلة.  ويقول الأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة ورقلة سليمان ناصر لـ”النهار العربي”: “نحن شجعنا فرض هذه الضريبة، رغم صعوبة تطبيقها فنياً في الميدان، ورغم توقعات الحكومة بحصيلة ضعيفة لها، لكن الضريبة لها رمزية ودلالة كبيرة، كما أن الحصيلة ستتطور مع نضج التجربة من خلال الممارسة ومعالجة صعوباتها في حالة البدء في فرضها”. كيفية تقصّي الثرواتويشير إلى “عدم توافر الإمكانات المطلوبة لإحصاء الأثرياء، إضافة إلى عدم تصريحهم بالقيمة الحقيقية للأملاك، لا سيما أولئك الذين لا يودعون أموالهم في القنوات الرسمية، ناهيك بتلك المودعة حالياً في بنوك أجنبية، والمطلوب اليوم وضع قاعدة إحصائية خاصة بالمنظومة المصرفية يمكن معها تعقب أموال الأغنياء، سواء تلك الموجودة في الداخل أم الخارج”.  وسبق أن وجه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تعليمات تقضي بضرورة “العمل بالضريبة على الثروة وإعادة تعريفها (تحديد شروطها)”، وكانت موازنة 2021 قد تضمنت فرض ضريبة على الثروة بالنسبة إلى الأملاك (عقارات) والأموال، لكن تطبيقها واجه صعوبات في ظل عدم وجود إحصاءات بعدد الأثرياء المعنيين كما يقول المسؤولون، لكن التقديرات تشير إلى أن نحو 4 ملايين جزائري مستهدفون بهذا الإجراء، وحددت الضريبة تاريخها بواقع 15 في المئة على كل من يملك أموالاً تراوح ما بين 100 مليون دولار و150 مليوناً (بين 728 ألف دولار و1.1 مليون دولار)، وترتفع كلما ارتفعت قيمة الثورة المملوكة.