القاهرة-أحمد علي حسن
أعاد تمرير مجلس النواب الليبي موازنة جديدة لمصلحة حكومته المسيطرة على شرق البلاد، الصراع على الثروة، والجدال بشأن آلية توزعها، إلى الواجهة مجدداً، بعد فترة من الهدوء أعقبت تشكيل رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي لجنة مالية عليا يترأسها، لإدارة موارد البلاد وآلية توزيعها، فيما عُدت الخطوة النيابية رسالة ضغط إلى المجتمع الدولي، لوضع أزمة الحكومتين المحتدمة منذ آذار (مارس) عام 2022، في بؤرة الأحداث والنقاش. وأعلن الناطق باسم مجلس النواب عبد الله بليحق، أن الجلسة التي عُقدت الثلثاء، خلصت إلى إقرار الغالبية النيابية موازنة عامة للدولة للعام الجاري، بلغت قيمتها 89 مليار دينار، مقدمة من رئيس الحكومة المكلفة من قبل النواب، أسامة حماد. وإذ اعتبر بيان مجلس النواب أن “أوجه صرف الموازنة ستكون موحدة على مستوى الدولة في ظل توحيد المصرف المركزي”، لفت إلى أن “أي أوجه للصرف بمعرفة أي لجان موازية سيُعد تجاوزاً للقانون المالي للدولة، وأمراً مخالفاً لمبدأ الفصل بين السلطات والتشريعات والقوانين النافذة”، في إشارة إلى اللجنة العليا برئاسة المنفي. هذه الخطوة ترافقت مع حديث متصاعد عن ضرورة إنهاء صراع الحكومتين في ليبيا، وتوحيد السلطة التنفيذية، ما أثار تساؤلات بشأن دلالات التوقيت الذي ترافق مع إعلان اللجنة المالية برئاسة المنفي، الأحد، اعتماد “الأسس والمعايير المقترحة للموازنة الموحدة لسنة 2024″، وتكليف “فريق للعمل إعداد أسس ومعايير الموازنة الموحدة في صورتها النهائية، على أن تكفل جودة الإنفاق العام وعدالة التوزيع وتحسين الخدمات”.
جدال بشأن صلاحيات اللجنة
وكان المنفي قد استغرب عقب الاجتماع الخامس للجنته الأحد في مدينة سرت (جنوب ليبيا)، الانتقادات التي توجه إلى اللجنة وصلاحيتها، مؤكداً أن لجنته “تحظى بشرعية وطنية وفق قرار المجلس الرئاسي بإنشائها وتوافق كل الأطراف الوطنية، ما يمثل إجماعاً وطنياً عليها، مدعوماً بإجماع مجلس الأمن”، متعهداً “التزام اللجنة النأي بأعمالها عن التجاذبات السياسية والاستقطابات”. وبعد ساعات قليلة من قرار مجلس النواب، كشف مصرف ليبيا المركزي، في بيان تفصيلي، عن النفقات التي بلغت 68.3 مليار دينار، والإيرادات بقيمة 78.2 مليار دينار، خلال الفترة من مطلع كانون الثاني (يناير) إلى نهاية آب (أغسطس) الماضي. وأظهرت بيانات المركزي أن إيرادات مبيعات النفط بلغت 59.8 مليار دينار، فيما بلغت عوائد الضرائب 371 مليون دينار، والجمارك 163 مليون دينار. وكان لافتاً كشف المركزي عن إنفاق مجلس النواب نحو 1.1 مليار دينار، فيما أنفقت حكومة “الوحدة الوطنية” 1.9 مليار دينار، والمجلس الرئاسي 505.7 ملايين دينار، والمجلس الأعلى للدولة 59 مليون دينار. وجاء ذلك بعد أقل من ثلاثة أسابيع على إعلان توحيد المصرف المركزي الليبي، بعد اجتماع جمع محافظ المصرف الصديق الكبير ونائبه، أنهى 9 سنوات من الانقسام.
إشكاليات في آليات الإنفاق
المحلل السياسي الليبي السنوسي إسماعيل أكد أنه “لا شك في أن صلاحيات مجلس النواب يُفترض أن تكون الأساس في كل ما يتعلق بتمرير الموازنات وتحديد أوجه صرفها والرقابة على الحكومة والمؤسسات، ومحاولة فرض اللجنة المالية العليا برئاسة المنفي، لتكون بديلاً تشريعياً للنواب، فكرة لن تنجح في إنجاز استحقاق العدالة في توزيع الثروة”، مشيراً إلى أن “إقرار مجلس النواب الموازنة يأتي في الإطار المتبع طيلة السنوات الماضية، إذ إنه لا يعترف إلا بالحكومة التي يمنحها الثقة. وهذا الإجراء سيُحدث إشكالية في عملية الإنفاق، لأن إيرادات النفط والغاز تُسيطر عليها الحكومة المركزية في طرابلس”. وأضاف إسماعيل في حديث إلى “النهار العربي”: “لا تخفى على أحد المعضلات الكبيرة التي تواجه عملية توحيد الموازنة في ظل صراع الحكومتين، فالتضارب لا بد من أن يحدث في ظل أن كل حكومة تعتقد أنها صاحبة الحق في الإنفاق داخل مناطق نفوذها. لكن ما سيفصل في هذا الشأن هو مركزية الدولة الليبية كون غالبية المؤسسات في العاصمة طرابلس، فمثلاً لو تحدثنا عن الموازنة التي تُمنح للبلديات، فمن الذي سيصرفها وزارة الحكم المحلي في طرابلس أم في بنغازي؟ هذا تحد”. لكن إسماعيل لفت إلى أنه “إذا كانت هناك جدية في عملية توحيد المصرف المركزي فقد تُحل هذه المشكلة، وإن كان سقف التفاؤل منخفضاً، فرغم إعلان توحيد المصرف لم نلمس جدية في الإجراءات، إذ إن إنجاز عمليات المقاصة بين مصارف الشرق والغرب في ما يتعلق بالديون، وكذلك توحيد سعر الصرف، يمثلان اختباراً لصدقية التوحيد”. وقال: “أعتقد أن الذهاب إلى تشكيل حكومة واحدة أصبح ضرورة ملحة لليبيا، ليس فقط في ما يتعلق بإنجاز ملف الانتخابات، بل لتفكيك التداخلات والتضارب في السلطة التنفيذية اللذين يفتحان الباب واسعاً للفساد ومن يريد نهب أموال الدولة. إن لم يكن لدينا تسوية سياسية شاملة فإن هذه المشكلات ستظل بل ستتفاقم، وقد يصل الأمر إلى انهيار الدولة. ليبيا باتت على حافة الانهيار الاقتصادي وعلى المجتمع الدولي الانتباه إلى هذا الخطر”. أما المحلل السياسي إلياس الباروني، فرأى أن استعجال مجلس النواب تمرير الموازنة من دون انتظار مخرجات لجنة المنفي “رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي بضرورة تشكيل حكومة جديدة، في إطار صراع فرض الإرادات”، مضيفاً لـ”النهار العربي” أن “الأنظار الآن ستتطلع نحو المصرف المركزي وموقفه حيال تلك الموازنة المعتمدة، وما إن كان سيعتمدها أساساً للإنفاق أم لا”، متوقعاً أن تلقي خطوة النواب بظلالها على مسألة توحيد المصرف المركزي.