يواصل الاقتصاد السعودي جني ثمار خطواته الناجحة وخططه الطموحة التى ارتكزت محاورها على تنويع مصادر الدخل ودعم القطاعات غير النفطية، بهدف تحقيق التنمية المستدامة والتحول إلى مركز جاذب لمقار الشركات العالمية والاستثمارات الأجنبية. ثمار تلك الخطة الطموحة انعكست على استمرار انتعاش النشاط التجاري غير النفطي في السعودية بصورة قوية للشهر الـ41 على التوالي، إذ قفز مؤشر مديري المشتريات لبنك الرياض السعودي المعدل موسمياً من 55.4 نقطة في كانون الثاني (يناير) إلى 57.2 نقطة في شباط (فبراير). كما ارتفع المؤشر الفرعي للإنتاج إلى 61.5 نقطة، وهي أسرع وتيرة نمو منذ أيلول (سبتمبر)، وهو ما يعكس نمو معدلات الطلب والتصدير، بالإضافة إلى ارتفاع المؤشر الفرعي للطلبات الجديدة إلى 62.2 نقطة الشهر الماضي من 60.5 نقطة في كانون الثاني. ووفقاً لوزير المالية السعودي محمد الجدعان، من المتوقع تجاوز النمو غير النفطي في المملكة 5% على المدى المتوسط، وهو أقل قليلاً من المعدل المتوقع سابقاً البالغ ستة في المئة. وأكد خبراء واقتصاديون لـ”النهار العربي” النتائج الإيجابية لخطط المملكة ونموذجها المميز نحو التنويع في مصادر الدخل ورفع مساهمة القطاعات غير النفطية. وأوضح الخبراء أن المملكة تتمتع بعوامل دعم قوية لتحقيق تنمية مستدامة مستمرة في العديد من القطاعات، في مقدمتها تغيير السياسات بما يضاعف من جاذبيتها للمستثمرين، وقوانين الاستثمار بنسبة 100% لغير السعوديين، وحق إنشاء الشركات والإقامة والعمل في مجالات مختلفة. ورصد الخبراء عدداً من القطاعات الواعدة والداعمة نحو استمرارية نمو القطاع غير النفطي، في مقدمتها 4 قطاعات هي الإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات، والخطط الطموحة في قطاع السياحة والترفيه، والرياضة. مسار يدعم استمرارية النمويرى كبير الاقتصاديين في شركة ACY في أستراليا الدكتور نضال الشعار، في تصريحات خاصة إلى “النهار العربي”، أن المملكة العربية السعودية اتّبعت نموذجاً مختلفاً عن نماذج التنمية التي اتبعتها الدول الناشئة في الغقدين الماضي والحالي، اعتمدت خلاله على التنويع في مصادر الدخل والمستهلكين والصناعة. وقال إن القدرة المالية التي تتميز بها السعودية بسبب موارد النفط وقدرتها على الادخار في الأعوام الماضية، دعمت توجهاتها نحو تحقيق هذا التنوع على صعيد مصادر الدخل والمجالات المختلفة، مثل التنوع في الصناعة والزراعة والاستعداد حالياً لدخول مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والسياحة والترفيه. وأشار إلى أن هذا التنوع وثقل القدرة المالية أديا إلى ظهور تلك النتائج الإيجابية ونمو القطاع غير النفطي، عبر نموذج مميز اختلف عن نماذج أخرى مثل دول شرق آسيا كماليزيا وسنغافورة اللتين اتبعتا نهجاً يرتكز على صناعات محددة، ومن ثم الانطلاق نحو التنويع. وأوضح أن السعودية تشهد تنوعاً على صعيد الدول المستوردة منها، وهو ما يدعم معدلات نموّها المتوقعة خلال المرحلة المقبلة في ضوء مسار صحيح يعتمد على التنوع. القطاعات الواعدةويؤكد الباحث والمحلل الاقتصادي مهدي عفيفي لـ”النهار العربي” أن المملكة اهتمت بالقطاعات غير النفطية منذ أعوام عديدة، وانتهجت خطة لعدم الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي في نمو الدخل القومي.ويوضح أن المملكة حرصت على تغيير الكثير من القوانين التي تدعم الاستثمار داخل المملكة، ومنها قوانين الاستثمار بنسبة 100% لغير السعوديين، وحق إنشاء الشركات والإقامة والعمل في مجالات مختلفة، ما أدى إلى نمو الاستثمارات داخل المملكة من بلدان عديدة. وأوضح أن ذلك التغيير في السياسات أبرز نتائج مميزة على صعيد نمو القطاع غير النفطي، الأمر الذي سينعكس على معدل النمو القومي داخل المملكة. واستعرض أبرز تلك المجالات الواعدة للمملكة في المرحلة المقبلة لدعم استمرارية النمو في تكنولوجيا المعلومات عبر فتح المجال أمام الشركات النامية، إضافة إلى المجالات التقليدية الأخرى مثل البناء والتشييد والصناعات، عبر وجود مناطق صناعية توفر كل الخدمات التي تؤهل هذه المناطق لإنشاء المصانع الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر. وأوضح أن سياسة المملكة تدعم قدرتها على استقطاب استثمارات خارجية، وهو ما نراه حالياً عبر معدلات النمو المحققة، وأكثر جاذبية لاستقطاب مجالات مثل تكنولوجيا المعلومات والإلكترونيات. جاذبية أكبر للاستثمارات الأجنبيةويؤكد الخبير الاقتصادي الدكتور علي الإدريسي لـ”النهار العربي” أن الاقتصاد السعودي يشهد تحولاً من الاعتماد على النفط إلى اقتصاد قوي تنافسي على صعيد كل القطاعات مثل الصناعة، السياحة، التشييد، الخدمات، وهو ما ينعكس على معدل نمو القطاع غير النفطي خلال 2023. ويضيف أن السعودية تشهد نجاحات كبيرة خلال الفترة الماضية، نتيجة التحول الكبير في سياسات الاستثمار والتنوع بين القطاعات كافة، لا سيما القطاعات الصناعية، التشييد، الخدمات والسياحة ومستهدفاتها لمضاعفة المعدلات الحالية والمقدرة بنحو 30 مليون سائح وفقاً لرؤية 2030، بالإضافة إلى دخول مجالات جديدة مثل تصنيع السيارات الكهربائية، والتحول الكبير في مجالات الرياضة والفن والترفيه، وهو ما يعكس تمتع الاقتصاد بقابلية وجاذبية بصورة أكثر للاستثمارات الأجنبية المباشرة.