مقالات

《الأثر الدولي لقرار المحكمة الاتحادية العليا الخاص ببطلان تصديق أتفاقية خور عبدالله 》

حجي مراد


على الرغم من أن قرار المحكمة الاتحادية العليا الأخير كان يتضمن فقط بطلان قانون التصديق على الاتفاقية المبرمة بين العراق والكويت والخاصة بتنظيم الملاحة المشتركة بين الدولتين في خور عبد الله ، إلا أن وسائل أعلام كثيرة ومنها مهمة روجت وذكرت على أن هذا القرار يقضي بالغاء أتفاقيات ترسيم الحدود الموقعة بين الدولتين في منطقة خور عبدالله ، وهذا الشيء مخالف للحقيقة ولا يمت للواقع بصلة ، إذ أن الحدود بين العراق والكويت سبق وأن رسمتها وثبتتها لجنة الامم المتحدة المكلفة باعادة ترسيم الحدود بين العراق والكويت ، ولا صحة لما روج له في الأعلام بأن خور عبدالله أصبح بموجب قرار المحكمة الاتحادية العليا الأخير ملكاً خالصاً للعراق وحده .

الواقع أن قرار المحكمة الاتحادية العليا الأخير غير معني أصلاً بالحدود الفاصلة بين جمهورية العراق ودولة الكويت لا في خور عبدالله ولا في أي منطقة حدودية أخرى ، حيث أن الحدود بين العراق والكويت قد تم رسمها وتحديدها من قبل لجنة دولية مشكلة بالأستناد لقرار صادر من مجلس الأمن الدولي في العام ١٩٩٣ ، وقد أنجزت هذه اللجنة أعمالها في العام ١٩٩٤ ، ولا يعني أبطال قانون تصديق أتفاقية تنظيم الملاحة المشتركة في خور عبدالله بأبطال أعتراف العراق بأتفاقيات ترسيم الحدود الموقعة بين الدولتين سابقاً ، حيث أن ترسيم الحدود بين الجارتين قد تم تحت مظلة وأشراف الشرعية الدولية لمجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة في عهد النظام السابق ، وقد أعلن العراق رسمياً في ذلك الحين أعترافه وأحترامه لتلك الحدود وبما في ذلك حدود الدولتين في منطقة خور عبدالله ، حيث أنه بموجب تلك الترسيمات تم الأتفاق بين الدولتين في ذلك الحين على تقسيم خور عبدالله الى نصفين بين العراق والكويت ، ونتيجة لتلك الأتفاقات صادقت الامم المتحدة على الخرائط الرسمية الكاملة والخاصة بالحدود الغاصلة بين العراق والكويت وسلمتها لكلا الدولتين في ذلك الوقت ، وبذلك أصبح الوصف القانوني الدولي لخور عبدالله بأنه منفذاً بحرياً مشتركاً بين جمهورية العراق ودولة الكويت ، وأن هذا الوصف قد أصبح حقيقة قانونية دولية معترف بها وموثقة أصوليا منذ ذلك الحين .

وحيث أن خور عبدالله قد أصبح منفذاً بحرياً مشتركاً بين العراق والكويت ، فقد عمدت حكومتا كلتا الدولتان الى أبرام أتفاقية لتنظيم الحركة الملاحية فيه ، وهذة الأتفاقية وقانون التصديق عليها من قبل حكومة العراق هو بالضبط ما تم أبطاله بموجب قرار المحكمة الاتحادية العليا الاخير ، وأن هذا القرار يتضمن فقط بطلان تصديق هذه الأتفاقية ولا يشمل بطلان أتفاقيات ترسيم الحدود التي صادقتها الامم المتحدة سابقا في العام ١٩٩٤ ، فأتفاقية ترسيم الحدود المبرمة بين العراق والكويت باقية والعراق ملتزم بكل ما ورد فيها بموجب قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم ٢٠٠ لسنة ١٩٩٤ ، وأن المحكمة الاتحادية العليا بموجب قرارها الأخير لم تلغي أتفاقية ترسيم الحدود بين العراق والكويت ولم تمس الأتفاق على حدود خور عبدالله بأي شيء ، والمحكمة حريصة كل الحرص على الزام السلطات العراقية كافة بأحترام التزامات العراق الدولية وفقاً لأحكام الدستور .

ولابد من الأشارة هنا الى أن الأصل في قرارات المحكمة الاتحادية العليا أن يكون لها صفة الألزام والتأثير داخل العراق فقط ، أذ أن نطاق سريان قرارات المحكمة الاتحادية العليا يكون داخل العراق فقط ، وإن قراراتها ملزمة وباته لجميع السلطات العراقية فقط ، وأنه لايوجد ألزام لأي جهة خارجية في قرارات هذه المحكمة ، لكن وفي حال تم الطعن من قبل حكومة العراق بهذة الأتفاقية موضوع القرار الصادر من قبل المحكمة الأتحادية العليا الأخير لدى المحكمة الدولية وذلك بالأستناد الى بطلان قانون التصديق على تلك الأتفاقية بموجب قرار المحكمة الاتحادية العليا في العراق ، فعند ذلك ستنظر المحكمة الدولية بالموضوع ككل وستصدر القرار المناسب بشأنه ، ومن المؤكد سيكون قرار المحكمة الدولية مؤيداً لقرار المحكمة الاتحادية العليا في العراق وسيبطل أتفاقية تنظيم الملاحة البحرية المشتركة في خور عبدالله الموقعة بين العراق والكويت لعدم صحة تصديقها من قبل حكومة العراق ، وعند ذلك فأن الحديث سيكون مختلف تماماً ، حيث أننا سنكون أمام قرار صادر من محكمة دولية مختصة ، وقرارات هذه المحكمة ستكون ملزمة للدولتين .

وهنا لابد من الأشارة أيضاً الى واقعة دولية مشابهة لهذه الواقعة ، حيث أنه سبق وأن تم الطعن باتفاقية ترسيم الحدود الموقعة بين حكومتي كوستاريكا ونيكاراغوا ، والتي لم تراعى الإجراءات الدستورية الصحيحة في تصديقها من قبل الحكومة القديمة في نيكاراغوا ، ولما طعنت حكومة نيكاراغوا الجديدة ببطلان أجراءات التصديق على تلك المعاهدة من قبل الحكومة السابقة وعرضت النزاع على المحكمة الدولية ، نجد أن المحكمة الدولية قررت أبطال تلك الأتفاقية بأعتبار أن صحة المعاهدة من الناحية الدولية تتوقف على صحة اعتمادها داخلياً .

وبما أن الدستور العراقي يشير الى أن قرارات المحكمة الاتحادية العليا باته وملزمة للسلطات العراقية كافة ، فأنه وبموجب قرار المحكمة الاتحادية العليا الأخير يتوجب على الحكومة العراقية ممثلة بمجلس الوزراء مفاتحة دولة الكويت من خلال وزارة الخارجية وأعلامهم ببطلان أجراءات التصديق على أتفاقية التشغيل المشترك لخور عبدالله ، وكذلك ألزام وزارة النقل والشركة العامة للموانئ العراقية بعدم العمل مع الجانب الكويتي بموجب بنود هذ الأتفاقية ، وفي حال عدم مراعات الجانب الكويتي لأثار هذا البطلان فعلى مجلس الوزراء ومن خلال وزارتي العدل والخارجية أتخاذ كافة الأجراءات القانونية اللازمة أمام المحكمة الدولية المختصة لأبطال هذه الأتفاقية ، وإلا فأن رئيس مجلس الوزراء العراقي والوزراء المعنيين سيعرضون أنفسهم للمسائلة القانونية جراء عدم تنفيذهم لقرار قضائي بات وملزم صادر من محكمة عراقية مختصة ، وتقع على السيد رئيس الأدعاء العام المحترم وهيئة النزاهة مسؤولية متابعة ذلك .