《العرب والمسلمين بين أمجاد الماضي وذل الحاضر والصراع المسلح في غزة 》

1

حجي مراد

قد يتسأل البعض منا وما من أحد يجيبه ، هل أن القيم والأخلاق التي نعيشها اليوم نحن العرب والمسلمون والمواقف التي نتخذها بصدد ما يفعله المجرمون اليهود فينا هي عين مراد الله وتنسجم مع منطق الحكمة وفيها مراعات لمصلحة الأمة والأنسانية جمعاء ، أم أننا كنا نراعي في ذلك قواعد موضوعة ومبتدعة من قبل القائمين على الدين والسلطة والتي هدفها مراعات مصالح النخبة والحكام ، وجواب ذلك كله هو أن كل تلك القيم والأخلاق والمواقف هي وليدت البدع والأفتراء ، وأنها قد فرضت علينا من قبل الحكام أنفسهم ووعاضهم ، ولا تمت لقواعد الشرع الحنيف بأي صلة ولا تمت لقواعد المنطق والحكمة بأي صلة أيضاً ، ومن المؤكد أننا سندفع ثمن ضعفنا وسكوتنا عنها وعدم رفضنا لها وعدم مواجهتنا لهذا الواقع المرير والمبادرة بتغيره .

فأين نحن اليوم سواء كنا شعوبً أو حكامً أو حكماءً من حقيقة القول بأن رأس الحكمة هي مخافة الله ، فما قيمت الحكمة من دون الأنتفاع منها والعمل بها ، فقد أنَكَرَ الله سبحانه وتعالى علينا فعل ذلك ، وقد شبه الله سبحانه وتعالى من يفعل ذلك منا بالحمار الذي يحمل أسفاراً ولاينتفع بها .

كل المسلمون ينظرون اليوم الى ماضي الأمة الجميل بأجلال وتقدير ، ولكنهم يعتقدون وهم واهمين بأن تلك الأمجاد قد تحققت للأجداد دون أن يبذل هؤلاء الأجداد الجهد ودون أن يعطوا التضخيات ، وهذا الأعتقاد ما هو إلا خرافة رسخت في أذهان العرب والمسلمين نتيجة الخوف والجبن من خوض غمار التحديات ، وربما هذا الخوف لا تمت للواقع بصلة .

صلاح الدين الأيوبي قائد المسلمين ومحرر القدس لما قادة المعركة لم يكن ذلك سهلاً عليه أبداً ، ولكن أرادة النصر والعزم على تحقيقه وقوة الأيمان والثقة بالله وحسن التوكل عليه كل ذلك كان كفيلاً بأحرازه لذلك النصر العظيم .

أما قادة اليوم فنجدهم يعظمون بخرافاتهم قدرة العدو ويجعلون منها قدرة خارقة لاتهزم ، ويرسخون في أذهان الشعوب فاعلية الأجهزة الاستخبارية التابعة للكيان الصهيوني وعدم القدرة على أختراقها ، ويعظمون في العقول أستحالة الحرب مع العدو ويجعلون من التطبيع السبيل الوحيد للتنمية المنطقة واستقرار العيش فيها ، فكل تلك الأكاذيب وغيرها يختلقها ويروج لها الصهاينة واعوانهم من زعماء العرب والمسلمين وذلك لقتل طموح الشعب العربي المسلم وأرادته بالتحرر من ذل الأحتلال والتبعية .

فقد أنكشف زيف تلك الأكاذيب على أيادي ابطال غزة حين أدخلوا الألاف من الصواريخ والاسلحة الى القطاع ودون ان تشعر الأجهزة الأستخباراية الأسرائيلية بذلك ، بل ولم تشعر حتى الأجهزة الأسخبارية الحليفة للأحتلال والتابعة للأردن ومصر ، ربما شرف المحاولة قد سبق شرف النصر لهؤلاء الأبطال من فرسان غزة ، نسأل الله العظيم لهم الثبات والعزة والنصر .

منظمة العفو الدولية ومنطمة الصحة العالمية ومنظمات دولية وأقليمية أخرى وأحرار العالم كلهم يصرخون بأن الحصار على غزة وقصف مستشفياتها وقصف المجمعات السكنية فيها يُعد جريمة حرب ، إلا أن مصر والاردن يشددان فرض الحصار على سكان غزة ، ويختلقون الأعذار تلو الأعذار في سبيل فرض ذلك الحصار اللعين وإحكامه ، ونجد كذلك أن البحرين والامارات ودول عربية أخرى تندد بالقصف الصاروخي الذي يطلقه المجاهدون من غزة ، ويرسلون فتات خجول من المساعدات الى سكان القطاع ، والأغرب من ذلك كله نجد أن الرئيس الفلسطيني نفسه يُصرح ويقول بأن مقاتلي غزة لايمثلون أرادة الشعب الفلسطيني وانه هو فقط من يمثل أرادة هذا الشعب ، فأي أرادة تمثلها أنت يا رئيس الذل والأحتلال .

قال الله سبحانه وتعالى ” أنا عند حسن ظن عبدي بي ” ،،،

فمن حسن الظن بالله سبحانه وتعالى نُدرك أن في تأمل النصر والتحرر والعمل على مقاومة المحتل وطرده عن الأرض المقدسة عبادة دينية مبناها الثقة به سبحانه وتعالى ، فما علينا في سبيل تحقيق ذلك إلا أن نهجر تلك القيم الباطلة والأخلاق الزائفة والأنصراف عن مواقف الذل والجبن ونبذ كل الأباطيل التي رسخها ويرسخها في أذهاننا سلاطين الأحتلال ووعاض الباطل .

فبالعمل وفق المنهج القويم السليم سيتحقق النصر أن شاء الله وسوف لن يجرئ جيش الاحتلال على أجتياح قطاع غزة وأقتلاعه ، وأن حاول جيش الاحتلال الدخول في اراضي غزة فسيكون دخوله دخول محدود ومؤقت ، وليس كما يدعون ويروجون له هؤلاء المجرمون وأعوانهم ، فالحشد الجماهيري الكبير الذي يعم أرجاء البلاد والضغط الأعلامي المهول وملف الرهائن وفتح حزب الله اللبناني وأيران لجبهة مساندة من جهة لبنان كل هذه المعطيات تدعوا الى القول بعدم ضخامة أجتياح الجيش الأسرائيلي للقطاع ، وبالفعل فقد أعلن بايدن مؤخراً عن أن وقف أطلاق النار في غزة مرهون بأطلاق الرهائن الموجودين لدى حماس ولم يتطرق الى أي شرط أخر ، ومع ذلك فأن هذه الحرب ستطول وستتسع جبهاتها ولن تكون سهلة لكافة أطرافها .

فبأندلاع الحرب الأوكرانية والحرب في غزة وتعارض المصالح والسياسات بين دول تحالف الشرق القائم بين روسيا والصين وبعض الدول الأخرى مع المصالح والسياسات الأمريكية والغربية ، نكون أمام أندلاع حرب عالمية ثالثة ، ومن خلال معطيات أسباب هذه الحرب -وأقصد الحرب العالمية الثالثة- فأن هذه الحرب سوف لاتنتهي إلا بحدوث تغيرات جوهرية في المنطقة والعالم ، وستكون هذه التغيرات على مستوى الأرض والبحر وما تحتهما وكذلك على مستوى الفضاء الواقعي والأفتراضي ، وربما لاتنتهي هذه الحرب إلابحدوث تغيرات على مستوى الفكر والمنهج والمال والغلات في العالم كله ، فزعماء معسكر الشرق يؤكدون على ضرورة حدوث تلك التغيرات ، أما زعماء معسكر الغرب فيرغبون بالمزيد من الإحكام لقواعد الوضع السابق وأبقائه دون تغير ، فمن هذا المنطلق ومن هذه المعطيات أقول أن الحرب في غزة هي صفحة من صفحات الحرب العالمية الثالثة ، وأن أرض غزة وجوارها ستكون جبهة من جبهات هذه الحرب .

ربما كانت شرارة أندلاع الحرب في غزة قد أطلقها مقاتلي حماس ، إلا أن وقف هذه الحرب وأنهائها سوف لن يكون بمحض أرادتهم ، وربما لايكون ذلك بمحض أرادة قوات الأحتلال الأسرائيلي ، فمصالح وغايات جهتي الصراع العالمي قد تقابلت وتقاطعت على جبهة الأرضي المحتلة في فلسطين كما تقابلت وتقاطعت من قبل على جبهة الأراضي الأوكرانية ، فحرب غزة ستطول وستتسع وليس للعرب ولا للمسلمين الخيار في ذلك ، فالعرب والمسلمون هم من أرادوا لأنفسهم الذل والتبعية في هذه القضية ومنذ أن تخاذلوا عنها في العام ١٩٣٦ ، ففلسطين لم تعد جزء من الصراع العربي الأسرائيلي فحسب ، بل أصبحت جزء من أدوات الصراع العالمي ، وهذه حقيقة على الجميع أستيعابها والتعامل معها عند بحث الصراع القائم في غزة .

التعليقات معطلة.