الجزء الثاني
حجي مراد
ما دخلت السياسة شيء إلا أفسدته ، فهذه القاعدة أصبحت متأصلة في المجتمعات ونابعة عن تجارب عدة ومجمع عليها في الفكر السياسي العالمي الحديث ، فليست الصحافة وقنوات التعبير عن الرأي بمنأى عن تأثيرات السياسة والسياسين ، فأغلب تلك الصحف والمحطات التلفزيونية ممولة من قبل هذا الحزب أو ذاك ، بل وحتى مواقع التواصل الاجتماعي لم تعد بمعزل عن التأثيرات السلبية للسياسة وللسياسين .
ولما كان الأعلام هو عين المجتمع وسلطته الرقابية المبسوطة على عمل الحكومة وباقي تشكيلات وهيئات الدولة الأخرى ، الأمر الذي يجعل من منحه مساحة واسعة من الحرية وأفراد نصوص دستورية خاصة تصون له خصوصية عمله ضرورة لا يمكن الأستغناء عنها ولا يستقيم توازن عمل المؤسسات الوطنية الديمقراطية من دونها .
أن دخول الأحزاب السياسية وأمتلاكها لمؤسسات أعلامية تكون مؤدلجة بشكل مسبق لتنسجم وسياسات تلك الأحزاب وبما يضمن لتلك الأحزاب أستفادتها من المكانة الدستورية المرموقة للأعلام وحرية الصحافة قد أساء بشكل واضح للأعلام وأساء بشكل كبير لمفهوم حرية الصحافة ، فلقد أستخدمت الأحزاب السياسية البارغماتية الأعلام كأداة للتسقيط القذر ذات المغزى السياسي القذر ، فأسائت الأحزاب بذلك الى الأعلام ومكانته الدستورية والشعبية وحرفته عن مساره القويم في العمل على أبراز الحقائق الى الناس بغية تصويب الأخطاء والأنحرافات في عمل المؤسسات وتصحيح الأفكار والمفاهيم المتداولة بين أفراد المجتمع .
ولم تكتفي الأحزاب السياسية بهذا القدر من الأسائة بل عمدت على ترويج سياساتها واهدافها الدنيئة من خلال أستخدام أدوات أعلامية مهينة وقذرة وذلك من خلال استخدام ما يعرف اليوم بالفاشينستات والبلوكرات من اللواتي لا يملكن أي خبرة أعلامية سوى أمتلاكهم لأشكال متلاعب بها طبياً وأرتدائهم لملابس فاضحة ويتحدثون بأسلوب منحط ويتناولون مساحات أعلامية قذرة تخدم الأهداف السياسية القذرة لتلك الأحزاب .
أزمة -مردوخ- التي ظهرت في السنوات الأخيرة وما نتج عنها من ظمهور مصطلح الصحافة الهابطة في الغرب ، كشفت عن شيء جديد في مسيرة الحضارة الغربية وتراجعها ، فقد أصبحت تلك الأزمة تمثل الانحدار الأخلاقي الأهم والأخطر في المسيرة الحضارية لدول الغرب الحديث ، وقد تجلت خطورة هذا الانحدار في الأزمة المالية العالمية التي برزت قبل سنوات والتي بدت خطيرة وعصية على الحل الفني التقليدي لأنها كانت ثمرة خلل وفساد أخلاقي في أداء المؤسسات الأعلامية التي تعد وكما أسلفت ضرورة لا يمكن الأستغناء عنها ولا يستقيم توازن عمل المؤسسات الوطنية الديمقراطية من دونها .
أغلب الأبتزازات في العراق تمارس اليوم بأسم الصحافة وحرية الأعلام ، وأغلب الأهداف السياسية المسمومة يروج لها اليوم وتدعم بأستخدام الأعلام ومفهوم حرية الصحافة ، والسلطات الرقابية المختصة لا تمارس رقابتها أو ربما تعطل صلاحياتها تبعً بذلك للمصالح الخاصة لتلك الأحزاب .
فكم من موردوخ لدينا اليوم وكم أزمة كأزمة موردوخ مرت بنا وستمر بنا مالم نصحح المسار الأعلامي في العراق ، أننا اليوم نحتاج من السلطة التشريعة الأهتمام بالتشريعات التي من شأنها الحفاظ على عمل المؤسسات الأعلامية وأبعاد المسيئين عنها وتحديد معايير سلوكية واضحة من شئنها ضبط أيقاع المستوى الأعلامي وبما يخدم أهدافه النبيلة .