مقالات

《دموية الحداثة الأمريكية ووحشيتها》

حجي مراد

في يوم من الايام كان ﺍلأﺏ ﻳﺤﺎﻭﻝ أﻥ ﻳﻘﺮأ موضوع ما وﻟﻜﻦ ﺍﺑﻨﻪ الصغير ﻟﻢ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻋﻦ ﻣﻀﺎﻳﻘﺘﻪ ، ﻭﺣﻴﻦ ﺗﻌﺐ الأﺏ ﻣﻦ ﺍﺑﻨﻪ ﻗﺎﻡ بإخراج ورقة من ﺼﺤﻴﻔﺔ ﻛﺎﻧﺖ في جواره حيث كانت هذه الورقة ﺗﺤﺘﻮﻱ على ﺧﺮﻳﻄﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ فمزقها الأب ﺍﻟﻰ أﺟﺰﺍﺀ ﺻﻐﻴﺮه ﻭﻗﺪﻣﻬﺎ إﻟﻰ ﺍﺑﻨﻪ ﻭﻃﻠﺐ ﻣﻨﻪ إﻋﺎﺩﺓ ﺗﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﺨﺮﻳﻄﺔ ، ﺛﻢ ﻋﺎﺩ الأب ﻟﻘﺮﺍئة الموضوع الذي كان يقرئه من قبل ، ضن الأب أﻧﻪ سيبقى ﺍﻟﻄﻔﻞ ﻣﺸﻐﻮلاً ﺑﻘﻴﺔ ﺍﻟﻴﻮﻡ بتجميع الخارطة من جديد ولكن ﻟﻢ ﺗﻤﺮ إلا ﺧﻤﺲ ﻋﺸﺮ ﺩﻗﻴﻘﺔ ﺣﺘﻰ ﻋﺎﺩ ﺍﻟﻄﻔﻞ إلى أبيه ﻭﻗﺪ أﻋﺎﺩ ﺗﺮﺗﻴﺐ ﺍﻟﺨﺮﻳﻄﺔ ، وعندها سأل الأب أبنه فيما لو ﻛﺎﻧﺖ أمه تعلمه ﺍﻟﺠﻐﺮﺍﻓﻴﺎ ، لكن ﺍﻟﻄﻔﻞ قال لأبيه أنه ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎﻙ ﺻﻮﺭﺓ إﻧﺴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍلآﺧﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺭﻗﺔ الممزقة ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ أعاد الولد ﺑﻨﺎﺀ ﺍﻻﻧﺴﺎﻥ تم أعادة ﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ أيضاً ، كانت عبارة الولد عفوية ، ولكنها كانت العبارة الأجمل والأدق على مر العصور .

عندما أعاد الولد بناء الانسان أعاد بناء العالم أيضاً ،،،

أين الحداثة الأمريكية التي يروج لها على أنها خلاصة الحضارات الأنسانية من قول هذا الطفل البريء الذي لم يتأثر بعد بوحشية هذه الحداثة ودمارها ، أين بناء الأنسان في مفهوم الولايات المتحدة والتي تعمل مع أسرائيل على دمار غزة ومن فيها ، ففي غزة أنكشف زيف الأدعاءات الأمريكية وزيف من أتخذ من فلسطين وقضيتها شعار له ، أين السلام المنشود في كل هذه الحروب والتي نشبت في ظل خطابات الكراهية الصادرة من الأدارات الأمريكية المتعاقبة على البيت الأبيض ، أليس الأنسان وسلامته هو غاية الحضارات على مر العصور ووسيلتها ، أليس الأنسان في الغرب هو ذات الأنسان في الشرق .؟ أم لا ، نحن نفهم أنه ومن خلال التعايش السلمي العادل يتحقق الأستقرار والنمو ، أم أن ذلك يختلف أذا كنا نتكلم عن أسرائيل ، هل يوجد أستقرار بغياب العدل وهل يوجد عمار من دون سلام .

تُعرف الثقافة وفق المنهج الأسلامي على أنها ادراك الشخص ووعيه للقيم والمفاهيم الصحيحة في المجتمع وتصرفه الموضوعي على أساس ذلك الوعي والراك ، ونحن نفهم كذلك أن الثقافة المجتمعية هي ثقافة معيارية لمجموع ثقافات أبناء المجتمع الواحد ، لذلك فأن ثقافة الدم والقتل تُعد ثقافة رائجة في حداثة المجتمع الأمريكي ورائجة كذلك في مجتمعات الحداثة الغربية الأخرى ، والافلام والقصص والمطبوعات الأمريكية والغربية كلها شواهد شاخصة تبين لنا نهج هذه الحضارة ودمويتها في التعامل مع الأخر ونظرتها الدنيئة للأنسان بصورة عامة .

في المنهج الأسلامي نقول أن الأفكار والثقافات والأديان والقيم بحد ذاتها لا يمكن لها أن تتصارع ، ولكنها تتناقش وتتحاور في أذهان أولي الألباب ، حيث أن الصراع ووفق المنظور الأسلامي يكمن فقط بالمنتمين لتلك المُثل والقائلين بها عن جهل ، فقد قال سبحانه وتعالى لنبيه الكريم سيد الوعي الأنساني والحضاري محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ( ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ ) ، فهذه الأية الكريمة خير دليل على أهمية الحوار وتغليبه على الصراع بشكل عام ، فهذا هو منهج الصالحين المصلحين في الأرض ، وهذا هو المنهج الأسلامي بشكل عام .