《فن تجهيل الشعوب》

2

حجي مراد

ربما جهل الناس هو أقوی سلاح يستطيع عدوهم أن يستخدمه ضدهم ،،،
ليس في الضحك علی ذقونهم فقط ، وإنما في إذلالهم وأخضاعهم والسيطرة عليهم وسرقت كل ممتلكاتهم ،،،

ففي العصر الذهبي للأسلام كتب الفيلسوف الأسلامي الأندلسي ابن رشد ، أن التجارة بالأديان هي التجارة الرائجة في المُجتمعات التي ينتشر فيها الجهل ، فإن أردت أن تتحكم في شعب ما ، فما عليك إلا أن تُجَهّله ، وأن تُغلف له كل باطل تريد أن تسوقه له بغلاف ديني .

وفي الحقيقة لم يكن أبن رشد بذلك الطرح يقصد أن الدين جهل ، بالعكس ، فأن أبن رشد هو أبن الأسلام أصلاً وهو من المؤمنين به ، فهو يؤمن ويعتقد أن الدين أهم وأعلى وأجل من العلم ، فالعلم هو المعرفة بما هو ظاهر من الأمور وفي بعض الوقت يكون العلم محاولة لفهم البعض من الغيب ، أما الدين فهو علم ومعرفة ويقين بحقيقة الظاهر وألية التعامل السليم معه وكذلك هو تأكيد ومعرفة وتيقن لحقائق الغيب وكشف وأظهار لها ، ولكن أبن رشد كان يعلم جيداً أن الدين مهيمن بطبيعته على الناس ومؤثر فيهم ، وكان يعي تمام الوعي أن المتسلطين على رقاب الناس بأسم الدين هم شياطين بصور دراويش وأنهم يجيدون اللعب على أوتار سايكلوجية الشعوب ويجيدون فن نشر العدوة الفكرية الضارة بين صفوف الناس .

ففي التاريخ الحديث وتطبيقاً لما كتبه أبن رشد ، عَلِمَ مسكتشف العالم الجديد والرحالة الأيطالي كريستوفر كولمبس أن الشعب الأصلي للقارة الامريكية الجديدة والمستكشفة والذين هم من الهنود الحمر يعبدون القمر ، وأنهم يتخذون من القمر آله مقدس لهم ، فما أن علم الماكر كولمبس عنهم ذلك حتى هددهم بأنه سيسرق منهم الإله الذي يعبدونه أن لم يمنحوه الطعام والتموين الذي يكفيه ويكفي طاقمه ، فلم يصدق السكان المساكين من الهنود الحمر ذلك ، ولم يعلموا في حينها ان هذا القرصان الماكر قادر على تنفيذ تهديده لهم ، فهم لم يكونوا يعلموا بأنه عالم فلك ورياضيات وأنه عالم في العلوم الطبيعية ولديه من الدهاء والمكر والحنكة السياسية ما يكفي للضحك عليهم وأستغلالهم ، وأنه من المحترفين لفن تجهيل الشعوب وأستعبادهم ، وأنه سيتمكن من سرقة القمر ولو على سبيل الأيهام كما فعل هو ذلك بالفعل .

فبالأضافة لكون أن كولمبس هو أصلاً عالم بالفلك والرياضيات ، فقد كان يرافقه في الرحلة مجموعة من أمهر الفلكيون في ذلك الحين ، وكلهم كانوا على علم من ان خسوفاً كاملا سيحصل للقمر بعد ايام قليلة ، ولما حصل ذلك الخسوف وغاب القمر بالفعل ، جاء الهنود الحمر المساكين يتوسلون كولمبس لإعادة الإله اليهم بعد ان نفذوا له جميع اوامره حرفيا وأعطوه كل ما يريد منهم وربما أكثر .

وبعد ما حصل كولمبس بمكره ودهائه على كل ما كان يريده من السكان المساكين ، أعاد لهم القمر كاملاً مكتملا كما كان بالسابق ، فأوهم كولمبس المساكين بأنه أعاد لهم الإله وبكل قدرة وتواضع .!!

فمن كتابات أبن رشد تلك وحادثة كولمبس هذه مع الهنود الحمر ، نجد أن الهنود الحمر قد ربحوا طقوسهم الاحتفالية بالقمر ، ولكنهم خسروا قارة كاملة بثرواتها المهولة وبمساحاتها العملاقة ، ومع الأسف لم نفهم نحن جُهَّال القرن الواحد والعشرين ولم نَعتَّبِر بأي شيء لا بكتابات أبن رشد ولا بمكر كولمبس ، على الرغم من أنه قد أصبحت تلك الدروس والعبر مكتوبة ومتاحة لكل الناس ولم تعد من دروس الخفاء والباطنية ، فالسياسيون سراق ومستعبدون لشعوبهم ، يستعينون برجال التدين الكذب في كل وقت ، وهم حلفائهم وأن أختلفوا أحيانناً ، وهم خبثاء يُسخرون كل شيء لمصلحتهم ، فمع كل الأسف مازال اتباع كولمبس يعيشون كساسة بيننا ولكن ليس في القارة الامريكية وأنما في العراق ، وكذلك لازال يوجد هناك بيننا هنود حمر ولكنهم عراقيون .!!!!!!!

التعليقات معطلة.