100 يوم على حرب غزة… صدمة ومخاطر متزايدة

1

غزة (أ ف ب)

بعد مرور مئة يوم على تسلل مسلحي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من قطاع غزة لشن هجوم هو الأكثر دموية في تاريخ إسرائيل، قتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين وبات القطاع مدمرا والشرق الأوسط ينزلق باتجاه صراع أكبر عصي على التنبؤ.
وبالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين، شكلت الحرب فاجعة وصدمة من المرجح أن تستمر لسنوات وهو ما أدى إلى زيادة العداء وحالة انعدام الثقة التي تحول دون التوصل إلى السلام منذ أكثر من 75 عاما.
وقالت ريبيكا برينزا المتحدثة باسم عائلات 240 إسرائيليا وأجنبيا احتجزوا رهائن خلال هجوم، شكل بداية الحرب، على تجمعات سكانية في غلاف قطاع غزة في السابع من أكتوبر تشرين الأول “لن ينتصر أحد”. باغت الهجوم الذي وقع في ساعات الصباح الباكر الجيش الإسرائيلي وأجهزة الأمن المتباهية بنفسها وأخذهم على حين غرة تماما وهو ما أفضى إلى حالة من الخوف وعدم اليقين على مدى أيام في وقت تكشفت فيه تفاصيل المذبحة التي ارتكبها المسلحون الذين هاجموا جنوب إسرائيل.
وأدى الهجوم إلى مقتل أكثر من 1200 وهي أكبر خسارة في الأرواح في يوم واحد منذ قيام دولة إسرائيل في عام 1948. وتفاقمت الصدمة بسبب روايات متعددة عن عمليات اغتصاب وعنف الجنسي في الأسابيع التالية للهجوم.
وجاء الرد الإسرائيلي سريعا وبلا هوادة، بدءا من قصف جوي متكرر ومكثف وبشكل منهجي أعقبه اجتياح بري وهما جانبان من الحملة العسكرية أسفرا عن تدمير مساحات واسعة من قطاع غزة وإجبار ما يقرب من مليوني شخص على الفرار من منازلهم. وتقول السلطات الصحية في قطاع غزة إن قرابة 24 ألف فلسطيني قتلوا وأصيب 60 ألفا آخرين في الحملة العسكرية الإسرائيلية حتى الآن. وهذه هي أكبر خسارة في أرواح الفلسطينيين في الحروب والصراع الممتد على مدى عقود مع إسرائيل منذ عام 1948.
وبعد مرور ثلاثة أشهر، لا تزال القوات الإسرائيلية تقاتل مسلحي حركة حماس وسط أنقاض قطاع غزة وتطارد من دبروا هجوم تشرين الأول (أكتوبر) مثل يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة وقائد كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري للحركة محمد الضيف. لحق الدمار بمعظم مستشفيات القطاع وصار الجوع خطرا متفاقما وتنذر أزمة إنسانية متردية بالتسبب في إزهاق أرواح عدد أكبر من سكان قطاع غزة ممن قتلوا بسبب الحملة العسكرية الإسرائيلية.
واتهمت وزارة الخارجية الفلسطينية، في بيان صدر بالتزامن مع مرور مئة يوم على الحرب، إسرائيل بالتسبب “في دائرة موت محقق بأشكال مختلفة تهدد حياة المواطنين في قطاع غزة”.
ويقول مسؤولون إسرائيليون إنهم يبذلون ما في وسعهم لتجنب سقوط ضحايا من المدنيين ويتهمون حماس بإخفاء شبكة أنفاقها وبنيتها التحتية العسكرية في مناطق السكان المدنيين في القطاع وتعريضهم عمدا للخطر.
لكن هذا لا يمنح عشرات الآلاف الذين فقدوا ذويهم وأقاربهم بسبب القصف أي مواساة تذكر.
وقال خالد أبو عويضة، الذي فقد 22 فردا من عائلته في ضربة جوية ولا يزال يبحث عبثا بين تلال أنقاض منزل عائلته عن أي مؤشرات على وجود ثلاثة أطفال مدفونين تحتها “كل يوم باجي باتحسر عليهم.. نطلعهم مش عارفين.. مفيش إمكانيات لتطليعهم”. 

حالة صدمةانتابت الرأي العام في العالم حالة من الصدمة أيضا وانعكست مرارة الصراع في خروج مظاهرات غاضبة في شوارع مدن أوروبية وجامعات أميركية ألقت بظلالها على الانتخابات الرئاسية الأميركية.
وفي أنحاء العالم العربي، تسببت عمليات القتل والتدمير وصور انتشرت على نطاق واسع لسجناء فلسطينيين بملابسهم الداخلية في شيوع حالة من الغضب العارم.
وحتى واشنطن، أقرب حلفاء لإسرائيل، حثتها على التحلي بضبط النفس. ورفعت جنوب أفريقيا دعوى أمام محكمة العدل الدولية تتهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين وهي تهمة رفضتها إسرائيل ووصفتها بأنها تشويه سافر مناف للحقيقة. ولم تفلح حتى الآن جهود التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار ولا يزال مستقبل قطاع غزة، القابع تحت الحصار الإسرائيلي منذ أكثر من 15 عاما، مجهولا بينما يتصاعد العنف في مدن بالضفة الغربية المحتلة إلى مستويات لو حدثت في توقيت آخر لتسببت في قلق بالغ. ودعت الولايات المتحدة وقوى أخرى لإحياء عملية إقامة دولة فلسطينية مستقلة بعد انتهاء الحرب لكن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليمينية لم تستجب حتى الآن لهذه الدعوات.
ووجهت إيران، التي تدعم حماس، انتقادات لاذعة لإسرائيل لكنها أحجمت حتى الآن عن اتخاذ أي إجراء مباشر. ويتوخى حزب الله، حليف إيران في لبنان، الحذر لتجنب الدخول في مواجهة شاملة. ومع ذلك، تسبب الحوثيون المتحالفون مع إيران في اليمن في اضطرابات متزايدة بشن هجمات على سفن في البحر الأحمر مما يهدد بنشوب صراع أوسع نطاقا يمكن أن يجتذب قوى خارجية ويزيد من زعزعة استقرار النظام العالمي. يرى الإسرائيليون أن حماس تشكل تهديدا وجوديا وأظهرت استطلاعات رأي أنهم يدعمون الحملة التي تهدف إلى القضاء على الحركة رغم أن معظمهم يلقون على عاتق نتنياهو بمسؤولية الإخفاقات الأمنية التي سمحت أصلا بوقوع هجوم السابع من أكتوبر تشرين الأول. تحمل الجدران ومحطات الحافلات في أنحاء إسرائيل ملصقات بصور الرهائن وخرجت مظاهرات حاشدة اليوم الأحد تطالب بإعادة ما يزيد على 130 ما زالوا محتجزين في قطاع غزة إثر تبادل حوالي نصف العدد الإجمالي للمحتجزين مقابل سجناء فلسطينيين في سجون إسرائيلية خلال هدنة في نوفمبر تشرين الثاني.
وقالت موران ستيلا ياناي التي احتجزت خلال حضورها مهرجان نوفا الموسيقي وعادت في صفقة التبادل “المجتمع الإسرائيلي يعاني من صدمة نفسية عميقة ولا يمكننا التعافي دون عودة جميع الرهائن”. وقتل المئات من حضور المهرجان في صباح السابع من أكتوبر تشرين الأول.
كما يشكل استمرار الحرب ضغوطا متزايدة على الاقتصاد وبدأ الجيش في تسريح بعض جنود الاحتياط من بين عشرات الآلاف استدعاهم للخدمة لمحاربة حماس وحراسة الحدود الشمالية ليعودوا لوظائفهم. لكن نتنياهو، الذي يعتمد مستقبله السياسي على نتيجة الحرب، أظهر عدم اكتراثه بالدعوات المتزايدة لوضع حد للقتال. وقال أمس السبت في مؤتمر صحفي بالتزامن مع مرور مئة يوم على الحرب “سنواصل الحرب حتى النهاية.. لحين النصر التام”.

التعليقات معطلة.