عبدالله الأيوبي
صراع المصالح يحرق العراق
مضى ما يقارب عشرة أشهر على إجراء الانتخابات التشريعية المبكرة في العراق والتي كان يفترض أن تشكل جسرا للعبور من الوضع السياسي المأزوم الذي يمر به البلد في تلك الفترة إلا أن النتيجة جاءت عكس ذلك، فنتائج الانتخابات وصعود أسهم قوى سياسية وهبوط أسهم قوى أخرى، ساهم في رفع وتيرة الاحتقان السياسي والخلافات بين مختلف القوى السياسية، خاصة قوى البيت الشيعي حيث يشهد هذا البيت صراعا مكشوفا طرفاه الرئيسيان «التيار الصدري» و«الاطار التنسيقي»، فعلى مدى الأشهر العشرة التي أعقبت الانتخابات المبكرة، تعيش البلاد حالة من الشلل شبه التام مع العجز عن انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة، إلى ان تفجرت الأوضاع بعد اقتحام أنصار مقتدى الصدر البرلمان والاعتصام بداخله الأمر الذي دفع برئيسه محمد الحلبوسي إلى تعليق عقد جلسات المجلس حتى إشعار آخر.
جميع القوى العراقية ترى في الأحداث الجارية حاليا تحولا خطيرا في المشهد السياسي والأمني أيضا وخاصة ان جميع هذه القوى تقريبا تمتلك أذرعا عسكرية، وأن اية صدامات يمكن أن تؤدي إلى اندلاع حرب أهلية من الصعب التكهن بشكل رقعة انتشارها والأطراف التي يمكن أن تنجر إليها، فالوضع الداخلي في العراق هش جدا ويفتقر إلى أي شكل من اشكال الوئام الوطني، سواء داخل البيت العرقي أو الديني أو المذهبي الواحد، أو بين مختلف مكونات الشعب العراقي الذي عانى تشطيرا عموديا خطيرا تفاقم بعد جريمة الغزو الأمريكي لهذا البلد عام 2003.
جميع القوى «السياسية» العراقية، سواء تلك التي تتصدر مشهد الصراع الحالي أو تلك المشاركة في العملية السياسية التي خرجت من رحم الغزو الأمريكي، جميع هذه القوى لا تحمل برنامجا وطنيا جامعا وشاملا قادرا على احتضان مصالح جميع مكونات الشعب العراقي، فوجود هذا البرنامج لا يتحقق من خلال رفع الشعارات والتشدق بالمصطلحات الوطنية والسياسية، إنما من خلال القدرة الحقيقية على احتضان مختلف مكونات المجتمع العراقي تحت مظلة الخيمة السياسية لهذا الفصيل أو ذاك، وهذا ما لا تستطيع أي من القوى «السياسية» العراقية الفاعلة على الساحة، أن تترجمه على ارض الواقع كونها غير مؤهلة لمثل ذلك.
فالتشطير العمودي الذي ضرب المجتمع العراقي وخاصة بعد جريمة الغزو، جعل من الأحزاب والقوى ذات التوجهات الضيقة تتحكم في دفة المركب السياسي والاجتماعي وتسيرها وفقا لتوجهاتها الضيقة ومصالحها الحزبية أو الطائفية والعرقية أيضا، وبالتالي، من حيث الأمر الواقع ليس هناك أرضية مشتركة تقف عليها هذه القوى والأحزاب، فمصلحة الشعب العراقي بجميع مكوناته لا تحتل صدارة اهتمام هذه القوى وإنما هذه المصالح للاستهلاك السياسي لا غير.
هذه القوى إن تهيأت لها الظروف لمواصلة النهج الذي تسير عليه منذ أن مكنتها قوى الاحتلال الأمريكي من السيطرة على المسرح العراقي، فإنها ستقود العراق إلى أوضاع أسوأ بكثير من تلك التي يمر بها الآن، فهذه المناكفات السياسية وصراع المصالح الفئوية الضيقة، من المحتمل جدا أن لا تتوقف عند هذه الصورة من الصراع، عندها ستكون الطامة الكبرى، فهذه القوى لا تنظر إلى ما يمكن أن تقود إليه وتسببه مناكفاتها الصبيانية من أخطار حقيقية على أبناء العراق، فالهدف بالنسبة لها هو القدرة على التسلط السياسي والديني وتأمين مصالحها الضيقة.
فمجريات الأحداث وتطورها على الساحة العراقية لا تشير إلى قرب الخروج من المأزق الذي دخلته البلاد نتيجة صراع المصالح الفئوية، عرقية كانت أم دينية ومذهبية، وما مناشدة رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي الكتل السياسية إلى ما أسماه «لقاء وطني عاجل لإنجاز حوار وطني فاعل ومسؤول تكون مخرجاته من أجل الوطن»، إلا محاولة لتبرئة الذات من هذا المأزق الذي تتحمل جميع القوى مسئوليته حدوثه وتفاقمه، بعد أن قبلت بالمشروع الأمريكي الذي كان هدفه الرئيسي تشطير العراق عموديا وتفتيت نسيجه الوطني، وما يحدث الآن هو النتيجة الحتمية لأهداف هذا المشروع.
فالعراق يحتاج إلى معجزة تمكن أبناءه من ترميم نسيجهم الوطني والتحرر من سطوة الأحزاب والقوى التي هي جزء من المشكلة ولا يمكن أن تكون مساهما ومشاركا في حلها، وبالتالي فإن الخروج من المأزق والخطر الذي يهدد ما تبقى من ترابط بين خيوط هذا النسيج، مرتبط بمدى قدرة واستطاعت أبناء العراق التخلص من سيطرة هذه القوى والأحزاب وإدراك أن الوطن لا يمكن حمايته وصون حقوق جميع أبنائه إلا من خلال العمل على تأطير تجمع وطني حقيقي لا يمثل فئة أو طائفة وإنما إطار قادر على احتضان جميع أبناء الوطن.