مقالات

محميد المحميد

حينما تحول البرلمان العراقي إلى «مردويسة»

في‭ ‬قاموس‭ ‬اللهجة‭ ‬الخليجية‭ ‬فإن‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬مردويسة‮»‬‭ ‬تعني‭ ‬تحول‭ ‬المكان‭ ‬إلى‭ ‬فوضى‭ ‬ودمار،‭ ‬واختلاط‭ ‬للأمور‭ ‬ببعضها‭ ‬البعض،‭ ‬وخاصة‭ ‬حينما‭ ‬يتسبب‭ ‬بذلك‭ ‬الأطفال‭ ‬أو‭ ‬الغوغاء،‭ ‬وصغار‭ ‬العقول‭ ‬والحكمة‭.. ‬وهذا‭ ‬بالتمام‭ ‬هو‭ ‬الوصف‭ ‬المناسب‭ ‬لما‭ ‬يحصل‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬العراقي‭ ‬الآن،‭ ‬وللأسف‭ ‬الشديد‭.‬

فمن‭ ‬كان‭ ‬يتصور‭ ‬أو‭ ‬يخطر‭ ‬في‭ ‬باله‭ ‬ذات‭ ‬يوم،‭ ‬أن‭ ‬يشاهد‭ ‬بائع‭ ‬الآيسكريم‭ ‬يتجول‭ ‬في‭ ‬حرم‭ ‬البرلمان،‭ ‬أي‭ ‬برلمان‭.. ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬شابا‭ ‬يشرب‭ ‬‮«‬الشيشة‮»‬‭ ‬تحت‭ ‬قبة‭ ‬المجلس،‭ ‬وآخر‭ ‬يأتي‭ ‬بالغنم‭ ‬والبقر‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬المجلس،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الصور‭ ‬واللقطات‭ ‬المضحكة‭ ‬المبكية‭.‬

‮«‬مردويسة‮»‬‭ ‬البرلمان‭ ‬العراقي‭ ‬الحاصلة‭ ‬اليوم،‭ ‬هي‭ ‬نتيجة‭ ‬حتمية‭ ‬لـ‮«‬مردويسة‭ ‬سياسية‮»‬‭ ‬أكبر،‭ ‬عصفت‭ ‬بالعراق‭ ‬العظيم،‭ ‬إثر‭ ‬تحولات‭ ‬كبرى،‭ ‬وتدخلات‭ ‬فاحشة،‭ ‬وصراعات‭ ‬بين‭ ‬أجنحة‭ ‬وقوى،‭ ‬واقتتال‭ ‬وحروب،‭ ‬وتفرقة‭ ‬واصطفاف،‭ ‬وتحزب‭ ‬واستقواء‭ ‬بالأجنبي،‭ ‬وطائفية‭ ‬مقيتة،‭ ‬وديمقراطية‭ ‬زائفة،‭ ‬وهدر‭ ‬ضخم‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الأمور‭.‬

‮«‬مردويسة‮»‬‭ ‬البرلمان‭ ‬العراقي،‭ ‬سبقتها‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬‮«‬المردويسات‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تسببت‭ ‬بها‭ ‬الأحزاب‭ ‬والشخصيات،‭ ‬والكتل‭ ‬والجماعات،‭ ‬وغياب‭ ‬للقانون،‭ ‬وسيطرة‭ ‬لقانون‭ ‬الغاب،‭ ‬وأرض‭ ‬لصراعات‭ ‬بين‭ ‬أجنحة‭ ‬أجنبية‭ ‬وتصفية‭ ‬للحسابات،‭ ‬وأصبح‭ ‬ضحيتها‭ ‬المواطن‭ ‬العراقي‭ ‬البسيط،‭ ‬وتاريخ‭ ‬العراق‭ ‬العظيم‭.‬

ما‭ ‬يحصل‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬العراقي،‭ ‬يحصل‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬كذلك،‭ ‬وفي‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬المنطقة،‭ ‬وإن‭ ‬اختلفت‭ ‬الأساليب‭ ‬والأشكال‭ ‬والصور،‭ ‬ولكن‭ ‬النتيجة‭ ‬واحدة،‭ ‬وهي‭ ‬التعطيل‭ ‬والجمود،‭ ‬وتشويه‭ ‬المسيرة‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬والاستغلال‭ ‬الفاحش‭ ‬لها،‭ ‬وتغليب‭ ‬المصالح‭ ‬الحزبية‭ ‬والشخصية‭ ‬على‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬العامة‭ ‬والعليا‭.‬

لقد‭ ‬مضت‭ ‬تسعة‭ ‬أشهر‭ ‬والعراق‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬حكومة‭ ‬جديدة،‭ ‬وكذلك‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬لبنان‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬حكومة،‭ ‬رغم‭ ‬مضي‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشهر‭ ‬تقريبا،‭ ‬والأمور‭ ‬قابلة‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬التعقيد‭ ‬والتصعيد،‭ ‬والفراغ‭ ‬والضياع،‭ ‬والفوضى‭ ‬و«المردويسة‮»‬‭..!!‬

استقرار‭ ‬العراق،‭ ‬واستقرار‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬بالمنطقة،‭ ‬هو‭ ‬محل‭ ‬اهتمام‭ ‬خليجي‭ ‬وعربي،‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬يشكل‭ ‬أولوية‭ ‬الاهتمام‭ ‬عند‭ ‬المواطن‭ ‬العراقي‭ ‬والمواطن‭ ‬اللبناني‭ ‬وغيرهما‭.. ‬والجميع‭ ‬يتطلع‭ ‬إلى‭ ‬عراق‭ ‬مستقر،‭ ‬ولبنان‭ ‬مزدهر،‭ ‬ودول‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬حل‭ ‬أمورها‭ ‬الداخلية،‭ ‬بالحكمة‭ ‬والدبلوماسية،‭ ‬والتوافق‭ ‬الوطني‭ ‬العادل‭.‬

‮«‬مردويسة‮»‬‭ ‬البرلمان‭ ‬العراقي،‭ ‬و«لقلاقة‮»‬‭ ‬البرلمان‭ ‬اللبناني،‭ ‬وغيرهما‭.. ‬تجعل‭ ‬المواطن‭ ‬الخليجي‭ ‬يفكر‭ ‬ألف‭ ‬مرة‭ ‬بالشعارات‭ ‬الرنانة،‭ ‬والخدع‭ ‬والاحتيال،‭ ‬والأفكار‭ ‬المسمومة،‭ ‬التي‭ ‬أطلت‭ ‬على‭ ‬المنطقة،‭ ‬تحت‭ ‬عباءة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والحقوق،‭ ‬والتوازنات‭ ‬والمحاصصة‭.. ‬فكانت‭ ‬النتيجة‭ ‬المؤلمة‭ ‬والمؤسفة‭ ‬معا،‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬الآن‭.‬

ما‭ ‬يحصل‭ ‬اليوم‭ ‬هناك،‭ ‬يجعلنا‭ ‬نتشبث‭ ‬بما‭ ‬لدينا،‭ ‬ونعتز‭ ‬ونفتخر‭ ‬به،‭ ‬وندافع‭ ‬ونضحي‭ ‬من‭ ‬أجله،‭ ‬لأن‭ ‬في‭ ‬ضمان‭ ‬بقائه‭ ‬وتطوره،‭ ‬هو‭ ‬ضمان‭ ‬لمستقبل‭ ‬أبنائنا‭ ‬وأجيالنا،‭ ‬كما‭ ‬يجعلنا‭ ‬نتوخى‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الحيطة‭ ‬والحذر،‭ ‬من‭ ‬بيانات‭ ‬وتحركات،‭ ‬وتصريحات‭ ‬وتغريدات‭ ‬من‭ ‬أصوات‭ ‬نشاز،‭ ‬ودعوات‭ ‬من‭ ‬جهات‭ ‬مغرضة،‭ ‬دأبت‭ ‬على‭ ‬التحريض‭ ‬والفتنة،‭ ‬عبر‭ ‬مسميات‭ ‬وشعارات‭ ‬عديدة،‭ ‬تعلن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والحقوق،‭ ‬فيما‭ ‬تخفي‭ ‬وراءها‭ ‬الدمار‭ ‬والخراب‭. ‬

لذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬احترام‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدستورية‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬ودعم‭ ‬استمرارية‭ ‬عملها،‭ ‬وزيادة‭ ‬ومضاعفة‭ ‬المشاركة‭ ‬فيها،‭ ‬والالتزام‭ ‬بالممارسات‭ ‬القانونية‭ ‬والحضارية،‭ ‬وإعلاء‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية،‭ ‬والالتزام‭ ‬بالعقد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والدستور‭ ‬الوطني،‭ ‬هو‭ ‬الضمان‭ ‬لأمن‭ ‬واستقرار‭ ‬أي‭ ‬مجتمع‭.. ‬ومن‭ ‬دونها‭ ‬تصبح‭ ‬الأمور‭ ‬‮«‬مردويسة‮»‬‭.‬