ما الذي دفع التيار الصدري إلى تأجيل تظاهرته “المليونية”؟
البعض يعتبر أنها محاولة لإغلاق الأبواب أمام الأطراف التي تحاول جره إلى الصدام
أحمد السهيل الجمعة 19 أغسطس 2022 10:22
تصاعد الحديث في العراق عن ملامح تهدئة بعد إلغاء تظاهرات التيار الصدري (أ ف ب)
يستمر تصاعد الاحتقان في العراق بين التيار الصدري و”الإطار التنسيقي” للقوى الشيعية، في الوقت الذي يتزايد فيه تواتر مصطلح “صراع شيعي-شيعي”، ووصول الأزمة السياسية إلى أقصى درجات الانسداد السياسي، وتمسك جميع الأطراف بمواقفهم.
ولعل تأجيل زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، التظاهرات الكبرى التي دعا إليها يوم السبت المقبل، زاد من تساؤلات الشارع العراقي وعزز مشهد الغموض حيال الفترة المقبلة.
وتطرق باحثون إلى سيناريوهات عدة تقف خلف تأجيل التيار الصدري تظاهراته، من بينها منع احتمالات حدوث احتكاك مسلح، فيما يذهب آخرون إلى تفسيره بأنه خطوة لإحراج حلفاء طهران، وإظهار خطواتهم على أنها لا تتجاوز حدود ردود الفعل ومحاولة مجاراة خطوات التيار الصدري.
في المقابل يعتقد طيف آخر أن تحركات رئيس “تحالف الفتح” المنضوي ضمن الإطار التنسيقي هادي العامري نحو التهدئة والحديث عن لقاء مرتقب قد يجمعه بالصدر، يمثل السبب الرئيس خلف تأجيل الصدر تظاهراته المقبلة.
تسوية مستبعدة
ولعل ما يعزز تفسير خطوة التيار الأخيرة على أنها محاولة لإغلاق الأبواب أمام الأطراف التي تحاول جره إلى الصدام، هو حديث الصدر في بيان تأجيل التظاهرة، الذي قال فيه “إن كنتم تراهنون على حرب أهلية فأنا أراهن على الحفاظ على السلم الأهلي… أعلن تأجيل موعد تظاهرة يوم السبت إلى إشعار آخر، لكي أفشل مخططاتكم الخبيثة”.
ولا تلوح في الأفق أي احتمالات للتسوية بين الصدر وحلفاء إيران، خصوصاً مع تمسك التيار بشروطه، وعدم اشتراكه في الاجتماع الذي دعا إليه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.
وكان مكتب الكاظمي، أعلن في 17 أغسطس (آب)، نتائج اجتماع “الحوار الوطني” بين الرئاسات وقادة القوى السياسية وبحضور ممثلة البعثة الأممية جنين بلاسخارت، والذي غاب عنه التيار الصدري.
وتضمنت النتائج اتفاق الأطراف على “إيجاد حل لكل الأزمات من خلال الحوار”، إضافة إلى دعوتهم التيار إلى الانخراط في “الحوار” والدعوة إلى “إيقاف كل أشكال التصعيد”.
في المقابل، علق صالح محمد العراقي، المعروف بـ”وزير الصدر”، على مخرجات “الحوار” بوصفها “لا تسمن ولا تغني من جوع”، مردفاً “جلستكم السرية هذه لا تهمنا بشيء”.
إصرار على الشروط
يستمر حديث أطراف الإطار التنسيقي عن اشتراطات مقابل مطالب التيار الصدري، على رأسها عقد جلسة البرلمان لتمرير رئيسي الجمهورية والوزراء وتشكيل الحكومة قبل التوجه إلى انتخابات مبكرة.
ويرى مراقبون أن التيار الصدري لن يوافق على تلك الشروط خصوصاً كونها ستتيح للإطار إمكانية تغيير قانون ومفوضية الانتخابات.
في السياق، قال القيادي في التيار الصدري، حيدر الحداد، في مساحة صوتية على “تويتر”، 18 أغسطس، “حتى لو وافقت بقية الأطراف السياسية على إجراء الانتخابات المبكرة، فإن ذلك لا يعد كافياً بالنسبة إلى التيار الصدري، ويجب تحقيق اشتراطاته في ما يتعلق بعدم تكرار المشهد ذاته الذي تلا الانتخابات الأخيرة”.
وأضاف أن التيار الصدري “متمسك بتحقيق اشتراطاته الإصلاحية قبل حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة، كما أشار الصدر في بيانه”. وتابع “سيتم طرح مطالب مفصلة من قبل التيار خلال الفترة المقبلة”.
اقرأ المزيد
- كيف يرى المحللون اجتماع الساسة العراقيين من دون الصدر؟
- تخوف من العنف المسلح في العراق
- التيار الصدري يرسم ملامح المرحلة المقبلة بعملية “ثورية ديمقراطية”
في المقابل، كان النائب عن ائتلاف “دولة القانون” محمد الشمري قد أكد أن “تشكيل الحكومة هدف أساسي لن يتم التنازل عنه في المرحلة المقبلة”.
وأضاف أن مطالب التيار الصدري “لا تمثل أغلبية الشعب، وهناك جماهير لدى الإطار تطالب بضرورة تشكيل الحكومة ومحاربة الفساد وتوفير فرص العمل وإقرار الموازنة، فضلاً عن إجراء انتخابات وتعديل قانونها وحيادية القضاء، لكن كل ذلك يجب أن يجري ضمن إطار الدستور والقانون، وليس بطريقة الانقلاب على الشرعية واقتحام مؤسسات الدولة”.
ميليشيات “الكتائب” تصعد
وعلى الرغم من دعوات التهدئة أصدرت ميليشيات “كتائب حزب الله” بياناً أعلنت فيه دخولها على خط الأزمة من خلال ما قالت إنه “قرارات ميدانية تهدف إلى حماية السلم المجتمعي”.
وجاء بيان “الكتائب”، يوم 16 أغسطس، على بعد ساعات من تأجيل التيار الصدري تظاهراته، حيث قالت إنه “في الوقت الذي تؤكد فيه كتائب حزب الله عدم مشاركتها في أي من الحكومات، فإنها ستبقى مدافعة عن النظام العام، وعن المقدسات، وحفظ الدماء والأعراض”.
“تخويف لا أكثر”
ومع عدم التوصل إلى حلول بين الأطراف المختلفة، يستمر تردد مصطلح “الحرب الشيعية-الشيعية”، والذي لا يرتبط بالأحداث الجارية فحسب، إذ لطالما استخدمت الأطراف الموالية لإيران هذا المصطلح خلال السنوات الماضية لتقويض أي حراك يحاول استبعادها، أو الدفع باتجاه محاسبة عناصر مسلحة تتهم بجرائم قتل أو فساد.
وعلى الرغم من كل تلك التحذيرات يرى الكاتب والصحافي محمد عزيز أن الوضع العراقي “لا يقترب من نزاع شيعي-شيعي”، واصفاً الحديث عنها من قبل الإطار التنسيقي بأنه “يستهدف التخويف لا أكثر”.
ويضيف أن “النزاع الشيعي-الشيعي المفترضة، لا يمكن أن تحصل في الأقل خلال المدى المنظور”، مبيناً أن “معظم الأطراف لديها مصالح مشتركة لا تريد تقويضها حتى وإن كانت تتراشق حالياً”.
ويتابع، “حتى وإن حصل اشتباك مسلح ميداني، فمن الصعب وصفه جزءاً من الصراع”.
ملامح تهدئة
“ويبدو أن تمسك حلفاء إيران باستخدام هذا المصطلح يرتبط بمحاولات تخويف المجتمع العراقي والأطراف السياسية الأخرى من فوضى وفتنة في حال استهداف عناصر ميليشيات متهمة بجرائم”، كما يعبر عزيز الذي يشير إلى أن “عديداً من الأحداث المماثلة حصلت في السنوات السابقة، ولم يتم وصفها بصراع شيعي-شيعي”.
ويرجح عزيز أن تستمر خطوات التيار الصدري التصعيدية والتي ربما لا تقابل بتصعيد مضاد من قبل الإطار، مبيناً أن قوى الإطار “تعيش أقصى درجات الضعف حالياً وتشعر بأن التصعيد لا يصب في صالحها، فيما يعتقد الصدر أن أي تصعيد من قبله سيخدم حراكه وقد يشجع مزيداً من العراقيين للانضمام إليه”.
ويؤكد أن أي تصعيد من قبل حلفاء إيران سيزيد حراك التيار الصدري قوة، لأنه “سيستفز مشاعر العراقيين وقد يدفع الصدر إلى خطوات أكثر قوة”.
ومع إلغاء تظاهرات التيار الصدري تصاعد الحديث خلال الأيام الأخيرة في الكواليس عن ملامح تهدئة ومحاولات لإجراء محادثات بين الأطراف المختلفة، والتي ربما تدفع إلى اشتراك ممثل عن الصدر فيها، إلا أنها بحسب مراقبين لا يمكن وصفها بالتسوية أو الاتفاق.
اصطفاف جديد يزيد التوتر
لا تبدو ملامح الاتفاق حاضرة بين التيار والإطار، على الرغم من التسريبات المستمرة عن احتمالية حصول ذلك، خصوصاً بعد بيان وزير الصدر الأخير الذي صعد من لهجته إزاء الاجتماع الأخير الذي جمع أطراف الإطار التنسيقي ورئيس الوزراء العراقي.
ويشير رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، إلى أسباب عدة دفعت الصدر إلى تأجيل تظاهراته المقبلة، من بينها “وجود محاولات لجره إلى احتكاك ربما يؤدي إلى صدام مفتوح، بالتالي تتحول تظاهراته إلى فوضى مما سيدفعه إلى إلغائها”، مبيناً أن هذا الأمر ربما يمثل السبب الرئيس لتأجيل تظاهراته المقبلة.
ويرتبط الأمر الآخر، بحسب الشمري، بمساعي الصدر “إفراغ تظاهرة الإطار التنسيقي من فعلها السياسي، وإظهار خطواتهم على أنها مجرد ردود فعل وليست خطوات مدروسة”.
ويستبعد الشمري ارتباط تأجيل تظاهرات التيار الصدري بفرضية التسوية المحتملة مع الإطار، لافتاً إلى أنه “لو كان التيار الصدري يسعى إلى تسوية لتفاعل مع دعوة الكاظمي للحوار”.
ولعل ما سيدفع إلى مزيد من التوتر، وفق الشمري، هو “الاصطفافات الجديدة خصوصاً بعد بيان (كتائب حزب الله) والذي يشير إلى دخول الفصائل المسلحة بشكل مباشر على خط الأزمة”، مبيناً أن “بيان الكتائب اعتبره التيار الصدري بالضد منه”.
ويتابع أن المخاوف تتزايد في شأن إمكانية حصول “احتكاك مسلح محدود في عدد من الجغرافيات المشتركة بين الطرفين”، مستبعداً إمكانية تطور الأمور إلى حدود الحرب الشيعية-الشيعية، وما يجري يرتبط فقط بـ”محاولات إظهار القوة”.