الصدر يسحب أنصاره من محيط مجلس القضاء متمسكا بمطلب حل البرلمان
فائق زيدان يبلغ قائد فرقة المنطقة الخضراء بضرورة حماية المؤسسات الدستورية
بغداد- عبد الحسين غزال
بدأ مناصرو الزعيم الشيعي مقتدى الصدر بالانسحاب من أمام مبنى مجلس القضاء الأعلى في بغداد بعد ساعات من اعتصام باشروه صباح الثلاثاء، على أثر حثّ الصدر لهم بالمغادرة، على وقع أزمة سياسية خانقة يعيشها العراق.
و قطع مصطفى الكاظمي رئيس الحكومة زيارته الى مصر وعاد ليتابع تطورات الوضع السياسي داعيا الى اطلاق الحوار الوطني بحسب بين مكتبه.
صباح الثلاثاء، أعلن المئات من مناصري التيار الصدري من أمام مبنى مجلس القضاء الأعلى مباشرة تنظيم اعتصام لتحقيق عدة مطالب أبرزها «حلّ البرلمان»، في خطوة قوبلت بقلق وبردود فعل منددة من خصومه ودفعت مجلس القضاء الأعلى إلى تعليق عمله. ونصب المعتصمون الخيم أمام مبنى أعلى سلطة قضائية في البلاد، ، وسط انتشار أمني كثيف.
وبعد ساعات، نصح الصدر مناصريه بالانسحاب. وما جاء في تغريدة كتبها مقرّب منه أن «للحفاظ على سمعة الثوّار الأحبة ولعدم تضرر الشعب... أنصح بالانسحاب»، لكن مع «الإبقاء على الخيم». وطلب في الوقت نفسه مواصلة الاعتصام أمام البرلمان «إن شئتم ذلك فالقرار قرار الشعب». على الإثر، بدأ المعتصمون بمغادرة الموقع في المنطقة الخضراء المحصنة في وسط بغداد فيما اكد رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق، فائق زيدان، للفريق الركن حامد الزهيري، قائد الفرقة الخاصة المكلفة بحماية المنطقة الخضراء وسط بغداد، يوم الثلاثاء، أن التظاهر السلمي حق مكفول شرط عدم الاعتداء على مؤسسات الدولة. جاء ذلك، خلال استقبال زيدان للزهيري، في بغداد، وفقاً لبيان صادر عن مجلس القضاء الأعلى، ، شهد بحث «إجراءات قوات الأمن المكلفة بحماية المنطقة الخضراء، ومؤسسات الدولة». وأكد رئيس مجلس القضاء الأعلى «احترام حق التظاهر السلمي المكفول بموجب الدستور، لكن بشرط عدم الاعتداء على أبنية مؤسسات الدولة، ومنتسبيها». وكان قد وسّع مناصرو التيار الصدري اعتصامهم الثلاثاء ليمتد من البرلمان إلى أمام مبنى مجلس القضاء الأعلى في المنطقة الخضراء في بغداد، في خطوة تصعيدية لاقت ردود فعل مضادة من قوى مختلفة في وسط الأزمة السياسية المتواصلة منذ أكثر من 10 أشهر. وعلى أثر هذا الاعتصام، أعلن مجلس القضاء الأعلى في بيان تعليق عمله وعمل المحكمة الاتحادية العليا والمحاكم التابعة له.
ويعيش العراق منذ الانتخابات البرلمانية في تشرين الأول/أكتوبر 2021، في شلل سياسي تام مع العجز عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، في ظل خلافات سياسية متواصلة.
وارتفع مستوى التصعيد بين التيار الصدري وخصومه في الإطار التنسيقي، في 30 تموز/يوليو عندما اقتحم مناصرو الصدر مبنى البرلمان العراقي في المنطقة الخضراء المحصنة في وسط بغداد، مطالبين بحلّ البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة. ويريد خصوم الصدر في الإطار التنسيقي الذي يضمّ كتلة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وكتلة الفتح الممثلة للحشد الشعبي، من جهتهم تشكيل حكومة قبل الذهاب إلى انتخابات مبكرة. ويقيم مناصرو الإطار التنسيقي أيضاً اعتصاماً أمام المنطقة الخضراء التي تضمّ مؤسسات حكومية ومقرات دبلوماسية غربية منذ 12 آب/أغسطس. وتقوم فصائل الحشد بتمويل الاعتصام وتوفير وجبات الطعام لعناصرها الذين يرتدون الزي المدني. وفي 10 آب/أغسطس، طالب مقتدى الصدر القضاء بحلّ البرلمان لكن القضاء اعتبر أنه لا يملك هذه الصلاحية. والثلاثاء، توجّه المئات من مناصري التيار الصدري إلى أمام مبنى مجلس القضاء الأعلى، معلنين البدء باعتصام «حتى تحقيق» لائحة مطالب أبرزها «حلّ البرلمان»، وفق بيان لإعلام التيار الصدري. ونصب المعتصمون، الذين ارتدى غالبيتهم الأسود بمناسبة شهر محرّم، الخيم أمام مبنى أعلى سلطة قضائية في البلاد، كما شاهد مراسل فرانس برس، فيما كان آخرون لا يزالون يقومون بتحضير خيمهم، وسط انتشار أمني كثيف. ورفع البعض الأعلام العراقية وآخرون صور مقتدى الصدر. بالإضافة إلى ذلك، وصلت شاحنات محمّلة بقدور طعام كبيرة إلى المكان. قال أبو كرار العلياوي، أحد المعتصمين، متحدثا عند مجلس القضاء الأعلى لفرانس برس «مطالبنا القضاء على الفساد»، مضيفاً « نعتقد أن القضاء مهدد بالخوف …أو أنه مرتشٍ».
وبعيد بدء الاعتصام، أعرب الإطار التنسيقي في بيان عن «إدانته الكاملة للتجاوز الخطير على المؤسسة القضائية». وأعلن الإطار «رفضه استقبال أي رسالة من التيار الصدري أو أية دعوة للحوار المباشر الا بعد ان يعلن عن تراجعه عن احتلال مؤسسات الدولة الدستورية». ودعا «الشعب العراقي بكامل شرائحه الى الاستعداد العالي والجهوزية التامة للخطوة المقبلة التي يجب أن يقول الشعب فيها قوله ضد مختطفي الدولة لاستعادة هيبتها وسلطانها».
تزامناً، أصدرت اللجنة المنظمة لتظاهرات الإطار التنسيقي بياناً دعت فيه «إلى المشاركة الجماهيرية الفاعلة والمؤثرة في حماية الدولة ومؤسساتها والوقوف مع القضاء العراقي».
وفي أعقاب الاعتصام، أصدر مجلس القضاء الأعلى بياناً أعلن فيه عقد اجتماع «على اثر الاعتصام المفتوح لمتظاهري التيار الصدري امام مجلس القضاء الاعلى للمطالبة بحل مجلس النواب عبر الضغط على المحكمة الاتحادية العليا لاصدار القرار بالأمر الولائي بحل مجلس النواب وارسال رسائل تهديد عبر الهاتف للضغط على المحكمة». وقرّر وفق البيان «تعليق عمل مجلس القضاء الأعلى والمحاكم التابعة له والمحكمة الاتحادية العليا»، وذلك «احتجاجاً على هذه التصرفات غير الدستورية والمخالفة للقانون». واعتبر مجلس القضاء في بيان صدر في 14 آب/أغسطس أن «مهام مجلس القضاء… بمجملها تتعلق بادارة القضاء فقط وليس من بينها اي صلاحية تجيز للقضاء التدخل بامور السلطتين التشريعية أو التنفيذية». وينصّ الدستور العراقي في المادة 64 منه على أن حلّ مجلس النواب يتمّ «بالأغلبية المطلقة لعدد اعضائه، بناءً على طلبٍ من ثلث اعضائه، أو طلبٍ من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية».
وحذّر رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي في بيان الثلاثاء من «الأزمة الخانقة» التي «تتجه نحو غياب الشرعية وقد تؤدي إلى عدم اعتراف دولي بكامل العملية السياسية». وأعلن من جهته رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في بيان الثلاثاء قطع زيارته إلى مصر والعودة إلى بغداد على أثر التطورات.
وذكر البيان أن الكاظمي «عاد إلى بغداد» بهدف «المتابعة المباشرة لأداء واجبات القوات الأمنية في حماية مؤسسات القضاء والدولة»، داعياً إلى «اجتماع فوري لقيادات القوى السياسية من أجل تفعيل إجراءات الحوار الوطني، ونزع فتيل الأزمة».
وعلّقت بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) على الأحداث في تغريدة بالقول إن «الحق في الاحتجاج السلمي عنصر أساسي من عناصر الديمقراطية»، لكن «لا يقل أهمية عن ذلك التأكيد على الامتثال الدستوري واحترام مؤسسات الدولة».
ولم تفضِ محاولات الحوار بين الطرفين إلى نتيجة بعد. وعقد قادة الكتل السياسية العراقية في قصر الحكومة في بغداد الأسبوع الماضي اجتماعاً، قاطعه التيار الصدري، وكان دعا إليه الكاظمي في محاولة لإيجاد مخرج للأزمة.
وشارك قياديون في الإطار التنسيقي، لا سيما رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، ورئيس كتلة الفتح هادي العامري، في هذا الحوار الذي حضره بالإضافة إلى الكاظمي، رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان، ومبعوثة الأمم المتحدة جنين بلاسخارت.
وكرّر التيار الصدري أكثر من مرّة رفضه للحوار. وقال الصدر في تغريدة قبل يومين إنه قدّم «مقترحاً للأمم المتحدة لجلسة حوار علنية…فلم نرَ جواباً ملموساً».
وأضاف «لا يتوقعوا منّا حواراً سرياً جديداً بعد ذلك»، مضيفاً «لقد تنازلت كثيراً من أجل الشعب والسلم الأهلي. وننتظر ماذا في جعبتهم من إصلاح ما فسد لإنقاذ العراق».