1

الطيبة والغيرة ليست حكرا علينا!

علاء كرم الله

يرى الكثير من العراقيين بأننا الشعب الأكثر طيبة وغيرة من بقية شعوب العالم! ، وطالما تباهينا وتفاخرنا بذلك ، وفي الحقيقة أرى أن هذه النظرة ضيقة وفيها شيء من المبالغة ، لأنك تسمع المصريين يقولون ذلك عن انفسهم وكذلك السوريين واللبنانيين والسودانيين وبقية الشعوب العربية ، بل نجد الطيبة والغيرة حتى لدى الشعب الأسرائيلي يعني لدى اليهود ، ولم لا ؟! ، ولربما نراهم في مواقف وأحايين أكثر منا طيبة ورحمة فيما بينهم وأكثر غيرة على أنفسهم ووطنهم! ، فهؤلاء اليهود الذين تجمعوا من كل بقاع العالم ومن جنسيات مختلفة ، لو لم يكونوا طيبين ومتسامحين مع بعضهم وغيورين على بقعة الأرض التي أستوطنوها والحقيقة الأرض التي ( أستولوا عليها)! ، لما قامت دولة أسرائيل وأصبحت بالصورة التي هي عليها الآن! 0 نعود الى صلب المقال ، في الحقيقة هو أننا كعراقيين مبالغين في تصرفاتنا الى حد التطرف والتناقض بنفس الوقت! ، فبقدر ما نكره نحب وبقدر ما نسامح تجد فينا من يريد الأنتقام ، وبقدر ما تجد من ينسى الأساءة ويقابلها بالأحسان هناك من يضمر الحقد الدفين! فمثل هذه الصفات نسبية بين شخص وآخر ولا يمكن تعميمها على الشعب ككل! 0 ولأن النفس البشرية أمارة بالسوء ألا مارحم ربي ، لذا نرى الكثير من العراقيين يحبون ويميلون الى الفوضى وعدم الأستقرار ويكرهون النظام كره العمى! ليس بسبب ، العقود الأربعة الأخيرة التي مرت عليهم وما حملته من مرارة كبيرة أثرت فيهم كثيرا ، لذا فشل الكثير من العراقيين في أول أختبار لهم للحفاظ على المباديء والقيم والشرف والنزاهة! ، أثناء فترة الحصار الظالم الذي فرضته أمريكا ومجلس الأمن على العراق عام 1991 0 وأذا كنا نرى في أنفسنا بأننا شعب طيب ومتسامح ويحب العفو والعيش بسلام ، فماذا نقول عن شعب ( جنوب أفريقيا) ، الذي قدم أعظم الدروس للعالم في الطيبة والتسامح وحب الوطن والغيرة عليه ، هم وزعيمهم الراحل الخالد الذكر( نيلسون مانديلا) ، رغم سنوات وعقود الذل والمرارة والخوف والموت والأرهاب التي عاشها المواطنين السود الذين يشكلون أغلبية السكان على يد المواطنين البيض الذين يمثلون الأقلية! ، حيث أعاد هذا الزعيم الطيب المحب لشعبه ووطنه ، بناء جنوب أفريقيا على مبدأ التسامح والعفو ، عندما عفى وتسامح ذوي المقتول مع قاتل أبنهم أو أبيهم أو الذي أغتصب أبنائهم وبناتهم وسرقهم! ، فأية طيبة هذه وأية تسامح وأي شعب يمكن أن يقوم بما قام به شعب جنوب أفريقيا! ، الموضوع المهم هو أنهم أقتنعوا بالتسامح

والعفو عن قاتليهم ليس من فرط حبهم لزعيمهم (مانديلا) والطاعة له ولثقتهم بأنه يريد لهم وللوطن الخير فحسب ، ولكن بسبب غيرتهم على وطنهم ومن أجل أن يعيدوا بناء جنوب أفريقيا التي دمرتها التفرقة العنصرية والأثنية لعقود طويلة من الزمن ، وكذلك لأنهم يحملون جينات الطيبة والمحبة في دواخلهم بشكل حقيقي وصادق0 وهنا لابد من أن نذكر أنه ( وأثناء الحرب الطائفية الأهلية التي مرت على العراق (2005 – 2006 ) نصح الزعيم الخالد الذكر (نيلسون مانديلا) العراقين وقادة الحرب الأهلية بالتسامح مذكرا أياهم بقول الرسول العظيم محمد ص (أذهبوا فأنتم الطلقاء)! 0 ونسأل أيضا: هل المواطن العراقي أكثر طيبة وغيرة من المواطن الياباني والأنكليزي والسويسري والنمساوي و و و ؟، الجواب كلا وألف كلا! ، فيكفي هذه الشعوب أنها لم تسرق أوطانها وتدمر بلدانها من أجل الغير، ولم تتعاون مع أجنبي ضد مصالح وطنها وشعبها!0 فهذه الشعوب طيبة ومتسامحة الى حدود كبيرة لا يتصورها العقل ، فكم من مرة نقلت لنا وسائل الأعلام عن أستنفار الحكومة لكل طواقم الدفاع المدني من أجل أنقاذ قطة أو كلب أو حيوان بري حوصر في مكان ما بسبب السيول او بسبب الحرائق التي تحدث بالغابات ، أو بسبب الزلازل ، أليست هذه فيها الكثير من الطيبة والغيرة؟ ، وهل صادف أن قمنا بمثل هذا العمل وتصرفنا برفق ورحمة مع الأنسان قبل الحيوان؟؟0 فالغيرة لدى العراقي ليست لها علاقة بالوطن! ومع الأسف ، فالغيرة عندنا تحدث نتيجة موقف أجتماعي أو أنساني عابر ، وردة الفعل على ذلك تكون متباينة بين شخص وآخر!؟ هذا كل ما في الأمر، والغيرة لدى العراقي في حقيقتها ، تحمل مفهوم الغيرة الشخصية على بيته وأبناءه وعائلته وحرصه عليهم ولكن ما أن يخرج من البيت يعتبر نفسه شخص ومواطن غريب! ويكون شعاره مع نفسه ( (آني شعليه) فهنا تشوه معنى الغيرة وتجزأ! ولم تعد للغيرة من معنى يمكننا أن نتباهى ونفتخر به! ، فنحن نهتم بنظافة بيوتنا وترتيبها وأصلاح كل شيء يعطل وبالسرعة وما الى ذلك ، ولكن لا نهتم بالشارع ونظافته ولا بأزقتنا ولا نهتم بأماكن عملنا ، ولا في المتنزهات والحدائق العامة التي نذهب أليها ، فكل شيء ملك للدولة والحكومة ليذهب الى خراب والى الجحيم ، مادام ليس ملكنا! ، فأين الغيرة والطيبة في هذه الصور؟ 0((طبعا لا بد من ان أستثني هنا ثوار تشرين الأبطال الذين ضحوا بأنفسهم من أجل العراق فغيرتهم تجاه وطنهم هي التي دفعتهم ليستشهدوا من اجل العراق)) ، ولكن السؤال كم كان عددهم ؟ وهل مددنا عددهم وساندناهم؟ فبالوقت الذي كانوا يسقطون ويستشهدون وهم رافعي العلم العراقي ، كانت ملاهي ومراقص الكرادة وباراتها ومواخيرها الليلية ومطاعم المنصور وزيونه والمسبح تضج بالناس!! 0 أقول : لماذا نذكر الطيبة والغيرة العراقية ونتباها بها ونبالغ فيها

فقط! ، وننسى بأن فينا الكثير من النفاق والكذب والغدر والخيانة والرياء وعدم النزاهة ! ، حتى وكأنك تشعر بأن كل سور وآيات القرآن التي خصها الله بالمنافقين ، تشعر وكأنها نزلت على العرب عموما وعلى العراقيين تحديدا!؟ ، ثم كيف تتوائم الطيبة والغيرة مع الكثير من الصفات السيئة التي فينا وعلى رأسها النفاق؟ ألا ترون في ذلك تناقضا؟ 0 أن مسألة الطيبة والغيرة هي مسألة نسبية وليس مطلقة ولا يمكن تعميمها ، وهي موجودة في النفس البشرية التي خلقها الله ، والتي لم يخص بها العراقيين فقط!0 أخيرا نقول : كفانا مبالغة بأننا أطيب شعب بالعالم وأكثر الشعوب غيرة وما الى ذلك من صفات نموذجية ننسبها الى أنفسنا ، فلو كنا كذلك فعلا ، لما سّلط الله علينا من الحكام من لا يرحموننا!، وصدق من قال : كيفما تكونوا يولى عليكم!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط

التعليقات معطلة.