1

العراق.. “حوار وطني” لا ينتج حلا

إياد العنبر11 سبتمبر 2022

القوى المختلفة تبحث عن حل للأزمة السياسية. أرشيفية

جلستان للحوار الوطني في القصر الحكومي، جمعت الفرقاء السياسيين على طاولة مستديرة، ولكن الغائب عنها ممثل عن التيار الصدري وبقاء كرسيه شاغرا. وبالنتيجة كانت مخرجات الحوار الوطني تكرار عبارات رنانة: (أكد المجتمعون، قرر المجتمعون، جدد المجتمعون، وشدد المجتمعون)، ورغم ذلك لا تزال الحلول الحقيقية غائبة.  

الأطراف السياسية التي جلست على طاولة الحوار تجمعها غايات ومصالح متناقضة، وهي لم تجلس حتى تطرح تلك التناقضات. فرئيس الوزراء الكاظمي غايته أن يكون طرفا في الحوار حتى يسوق نفسه أمام المجتمع الدولي والإقليمي على أنه قادرٌ على أن يكون نقطة التقاء بين الخصوم السياسيين. وزعامات قوى الإطار التنسيقي كانت تريد إيصال رسالة بأنها لا ترفض الحوار مع مقتدى الصدر ومستعدة لتلبية أي دعوة يمكنها أن تعيد الاعتبار للتوافق في تشكيل الحكومة.  

زعامات الإطار التنسيقي التي حضرت جلسة الحوار، لم تكن متفقة بشأن الخطوات القادمة لحل الأزمة، فالمالكي والحكيم طالبا رئيس مجلس النواب بالإسراع في عقد جلسة البرلمان، لاسيما بعد تقديم طلب من 180 نائبا لعقدها. في حين كان حديث حيدر العبادي محذرا من عقد الجلسة، وما زال سكان المنطقة الخضراء يستنشقون رائحة بارود الصدام المسلح على أسوارها، وآثار دماء ضحايا العنف حاضرة على أرصفتها! في حين لم يناقش المجتمعون الخطوات العملية التي يمكن الانطلاق منها لحل الأزمة، وتحديد تفاصيل الحلول؛ لذلك من الطبيعي أن تكون مخرجات جلسة الحوار عبارة عن كلمات إنشائية لا أكثر ولا أقل.  

في العراق لم تتفق الطبقة السياسية مع الجمهور إلا بشأن فشل النظام السياسي وعجزه عن الاستجابة لمتطلبات الجمهور، لكنهما يختلفان بشأن حلّ هذه المشكلة. الجمهور يبحث عن نظام سياسي يكون قادرا على توفير أولوياته المعيشية، بشكل يضمن له الحماية والأمان والعيش بكرامة. أما الطبقة السياسية فتعتقد أنّ أي تغيير في منظومة الحكم التي أصبحت هي الحاكمة والمسؤولة عن سوء الإدارة والفساد، يعني تهديدا لمصالحها ومكاسبها التي تكون مهددة بالخسارة والضياع إذا تم تغيير هذا النظام ومنظومة حكمه.  

وهناك مشكلتان لا تريد القوى السياسية الاعتراف بها، ومن ثم التحاور بشأنها: الأولى، فقدان الشرعية والمشروعية للنظام السياسي. والثانية، انعدام الثقة بين كل الفرقاء السياسيين.  

كانت أحاديث السياسيين والمراقبين عن أزمة الشرعية السياسية لنظام الحكم في العراق هي مجرد تشخيص، لكن قرار المحكمة الاتحادية الأخير على الرغم من أنه ردّ دعوى حل البرلمان لعدم اختصاصها، لكنه يعد بمثابة شهادة وفاة لهذا النظام السياسي، إذ أقرت “أنّ استقرار العملية السياسية في العراق يفرض على الجميع الالتزام بأحكام الدستور وعدم تجاوزه، ولا يجوز لأي سلطة الاستمرار في تجاوز المدد الدستورية إلى ما لا نهاية، لأن ذلك مخالفةٌ للدستور وهدمٌ للعملية السياسية بالكامل وتهديدٌ لأمن البلد والمواطنين..”. 

 وبلغة السياسية، يكون نظام الحكم في العراق قد فقد ثالوث الشرعيّة الذي يتحدد، بالعنصر الدستوري الذي يُحدّد شرعية السلطة وفقا لمبادئ البلاد الدستورية، أوَّلا. وعنصر التمثيل، الذي تعمل الشرعيةُ عن طريقه على اقتناع المحكومين بأنَّ الذين في السلطة يمثّلونهم، ثانياً. والإنجاز، أيْ أن الشرعية تقوى مِن خلال الإنجازات الكبيرة التي تمَّت للمجتمع على يد مَن هم السلطة، ثالثا. لذلك بلغت أعلى مراحل العجز في هذا النظام بسبب تزايد الفجوة بين الأصول الدستورية التي تمنح الشَّرعية للسلطات الحاكمة، والتمثيل السياسي الذي يُحدّد كيفية الوصول إلى السلطة، وماذا تقدّم المنظومة السياسية الحاكمة من منجزات للمواطن. 

إذا، يمكن الحكم على الحوار الوطني بالفشل مسبقا، كونه لا يطرح على طاولته نقاشاته الخلل في المعيار السياسي لِلشَّرعية، والذي يتحدد بمعايير نجاح النخب الحاكمة بإقناع الجمهور بشرعية سلطتهم، ومستوى التوافق بين أداء النظام السياسي والمبررات النظريّة التي يستند إليها ذلك النظام. كما أنه لا يناقش ما تبقى من مشروعية عمل البرلمان والحكومة القادمة على أساس المطابقة بين الفعل السياسي ونصوص القانون، ومدى الالتزام بمعيار اختبار صدقية المبادئ والأسس القانونية التي يتأسس عليها النظام السياسي. إذا بغياب الأسس العامة للشرعية والمشروعية اللذين يمثلان الركائز الرئيسة للتكامل الوظيفي في أداء النظام السياسي، والذي ينعكس على الاستقرار السياسي. 

مشكلة الدعوة إلى الحوار الوطني، لا تريد أن تبحث في المساحات البديلة خارج اختلافات الرؤى وتقاطع المصالح، ولا تبحث في أسّ الأزمة الدولة والنظام السياسي وعلاقتهما بالجمهور، ولا تريد أن تستحضر أولويات المواطن العراقي، وإنما تريد أن تبحث عن تهدئة أو هدنة مؤقتة لصراع الإرادات بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، وبين الفرقاء السياسيين المتنافسين على زعامة التمثيل السياسي السني، وبين الحزبين الكرديين الرئيسين اللذين ن يتصارعان على منصب رئيس الجمهورية.  

الحوار السياسي الذي نحتاج إليه يجب أن يفكر في حلّ أزمة فقدان شرعية النظام السياسي ومؤسسات الدولة، وأن يبتعد عن طروحات كسر إرادات الخصوم السياسيين. لذلك يجب يكون على ثلاثة مستويات: الأول الاعتراف بالمشكلة، والثاني طرح الحلول من قبل لجان مصغّرة بعيدة عن مصالح الأطراف المتصارعة والتي لديها أزمة ثقة وتتخوف من خسارة مكاسبها وتعتقد بوجود تهديد لمصالحها ونفوذها، تشكل لغاية تحديد نقاط الخلاف ومن ثم البحث عن نقاط الالتقاء التي يمكن أن تدور حولها جلسات الحوار. وأخيرا مناقشة الجهات الضامنة التي يمكن أن تُعزّز الثقة بمخرجات الحوار وضمان تنفيذها. 

إياد العنبر

إياد العنبر

التعليقات معطلة.