الانقسام في ليبيا نحو “دولتين” و”شعبين”… والقضاء محوره الجديد
17-09-2022 | 06:20 المصدر: النهار العربي
جلسة لمجلس النواب الليبي.
A+A-رفع مجلس النواب الليبي سقف المواجهة السياسية وصعّد موقفه ضد المؤسسات الحاكمة في غرب البلاد وعاصمتها طرابلس، ما يفاقم أزمة الانسداد السياسي الذي تعيشه ليبيا، ويعطل التسوية قبل تسلم الموفد الأممي الجديد عبدالله باثيلي مهماته رسمياً. وعلم “النهار العربي” أن اقتراحاً يجري تداوله في كواليس اللقاءات الدولية والمحلية، يقضي باستبعاد المواد المتعلقة بشروط الترشح لمقعد الرئاسة من مشروع المسودة الدستورية، كمخرج للخلاف بشأنها بين مجلسي النواب والأعلى للدولة. واذ يهدف هذا الاقتراح الذي بدأ يلقى قبولاً في أروقة المجلسين، إلى الإسراع في عملية إقرارها، إلا أنه في المقابل سيرحل الخلافات إلى حين مناقشة القوانين المنظمة للاستحقاق الرئاسي، ولا يشكل حلاً للمعضلة من الأساس. وصوّب مجلس النواب خلال جلسة عُقدت أمس الخميس في مدينة بنغازي (شرق ليبيا) سهامه تجاه المؤسسات الرسمية في الغرب الليبي، خصوصاً المحكمة العليا والمؤسسة الوطنية للنفط. فبينما صوت الحاضرون بالإجماع على تكليف المستشار عبدالله أبو رزيزة، ليترأس المحكمة العليا، بعد إطاحة رئيسها الحالي محمد الحافي الذي يعدّ مقرّباً من رئيس حكومة “الوحدة الوطنية” عبدالحميد الدبيبة، في خطوة يُرجح أن يرفضها المجلس الأعلى للدولة، يترقب الجميع موقف الجمعية العمومية للمحكمة منها، وسط مخاوف من أن يرفض الحافي ترك رئاسة أعلى سلطة قضائية في البلاد، وبالتالي تكرار سيناريو صراع الحكومتين.
وتأتي تلك الخطوة بعد نحو أسبوعين على إعلان الحافي قراراً أصدرته الجمعية العمومية للمحكمة العليا، يقضي بإعادة تفعيل الدائرة الدستورية بعد تجميدها لمدة 6 سنوات. والقاضي أبو رزيزة هو عضو دائرة بالمحكمة العليا منذ العام 2017، وهو ولد في العاصمة طرابلس، لكن أصوله تعود إلى المنطقة الجنوبية، وحاز على إجازة في القانون من جامعة بنغازي. تهديدات مجلس النواب كما صوت مجلس النواب في جلسة الخميس الماضي، على قرار آخر يقضي بتكليف لجنة من الخبراء إعداد خطة لتوزيع عائدات النفط والغاز، وإيجاد آلية عادلة للاستفادة منها لجميع الليبيين، علماً أن عائدات النفط تتحكم بها المؤسسة الوطنية للنفط ومصرف ليبيا المركزي ومقرهما العاصمة الليبية، في حين لوح رئيس مجلس النواب عقيلة صالح باطاحة رؤساء المصرف المركزي وديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية، وإحالتهم على التحقيق، بعدما اتهمهم بـ”فقدان الصفة القانونية”، وهم “لم يلتزموا بقرارات المجلس وأصبحوا يتلقون الأوامر من الحكومة المنتهية ولايتها”. وفي قرار تصعيدي آخر، هدد مجلس النواب بإسقاط عضوية النواب المنشقين في حال استمر غيابهم عن حضور الجلسات.
ولم يكتفِ صالح بهذا، بل شن هجوماً عنيفاً ضد المجلس الرئاسي الليبي برئاسة محمد المنفي، متهماً إياه بـ”الانحياز” إلى حكومة الدبيبة، “على عكس قوله إنه يقف على مسافة واحدة من الجميع”. وقال في كلمته أمام جلسة مجلس النواب إنه لا يمكن للمجلس الرئاسي أن يلمّح ويهدد بوضع قاعدة دستورية، داعياً إياه إلى “الاطلاع على اختصاصاته جيداً”. في المقابل، ناقش المنفي، في اجتماع عقده الخميس الماضي، مع رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري “سُبل التسريع بإجراء الانتخابات وتذليل الصعوبات والعراقيل”. كما تطرق الاجتماع وفقاً لبيان رسمي إلى “تطورات المشهد السياسي والأمني داخل البلاد، والإسراع في إكمال القاعدة الدستورية”. كما ناقش المنفي خلال اجتماع آخر مع السفير الألماني لدى ليبيا ميخائيل أونماخت “مساعِي إيجاد توافق بين مجلسي النواب والدولة، حول القاعدة الدستورية، والذهاب إلى الاستحقاقات الانتخابية التي يتطلع إليها الشعب الليبي، من خلال توفير عوامل نجاحها والقبول بنتائجها من كل الأطراف”. تحذيرات غوتيريشوأمام هذا المشهد، حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن وقف إطلاق النار في ليبيا “لن يستمر وفق ما يلوح في الأفق”، مشدداً على أن وقف الأعمال العدائية “أمر أساسي وضروري من أجل التوصل لاتفاق بين مجلسي النواب والدولة، لإحداث التعديلات القانونية الضرورية لإجراء الانتخابات”. ودعا في مؤتمر صحافي كل الأطراف الخارجية المنخرطة في الصراع إلى “دعم عملية التسوية، حتى يتم إجراء انتخابات مشروعة يقبلها الجميع”. كما حضّ الجميع لصون السلم في ليبيا من خلال الحفاظ على السلم بين شرق ليبيا وغربها، وكذلك المحافظة على السلام داخل العاصمة طرابلس.
تشريح الانقسامالدبلوماسي الليبي رمضان البحباح أطلق بدوره تحذيراً من ترسيخ انقسام الرقعة الليبية ومؤسساتها. وأوضح لـ”النهار العربي” أن “مجلس الدولة هو هيكل تشريعي في الغرب الليبي، يقابله البرلمان في الشرق الليبي كجسم تشريعي كذلك… وحكومة الدبيبة في الغرب تقابلها حكومة باشاغا في الشرق، وحتى اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) تعبر عن وجود جيشين، بمعنى كل خمسة يمثلون مؤسسة عسكرية. ومن هنا فإن ليبيا تُعد دولة مقسمة تشريعياً وتنفيذياً وعسكرياً. ماذا بقي عدا المصرف المركزي ومؤسسة النفط وهما مؤسستان لا سلطة ليبية عليهما؟ هذا الوضع لن يؤدي إلى بناء دولة مطلقاً، وسيؤدي بالتأكيد إلى ترسيخ هذا الانقسام متى أزفت مرحلة تقاسم هذا البلد”. وأضاف: “هذا الوضع الكارثي يتفرج عليه الجميع ويتماهى معه سواء بدراية أو من دونها، بمعنى أن مصير ليبيا سيكون شعبين ودولتين”. أما المحلل السياسي رضوان الفيتوري فحمّل تنظيم “الإخوان” في ليبيا مسؤولية تقويض الاستحقاقات الانتخابية، “فالتنظيم ليس من مصلحته إجراء الانتخابات في هذه الفترة، ويدرك أن الاتفاق على قاعدة دستورية ومن ثم انجاز الانتخابات يعني نهاية وجوده في الحياة السياسية الليبية”. وتوقع الفيتوري عدم إجراء الانتخابات خلال الفترة المقبلة، خصوصاً في ظل “احتلال” الميليشيات للعاصمة. وأضاف لـ”النهار العربي”: “من يضمن نتائج الانتخابات وعدم تزويرها لمصلحة فصيل بعينه؟ ومن سيتولى تنظيم الاقتراع في ظل أن لا صوت يعلو فوق صوت البندقية في الغرب الليبي؟ هذه الميليشيات اذا لم ترضَ بنتائج الانتخابات قد تشعل صراعاً دموياً جديداً”.