1

العملات الرقميّة في سوريا… تحايل على العقوبات وتمويل للإرهاب

19-09-2022 | 06:00 المصدر: النهار العربي

دمشق-طارق علي

نماذج من العملات المشفرة

نماذج من العملات المشفرة

A+A- لا تزال سوريا تصنف من بين أقلّ الدول تعاملاً بالعملات الرقمية المشفرة، إذ وصل عدد المستثمرين بحسب تقارير عدة إلى نحو 180 ألف شخص حتى نهاية الربع الأول من العام الحالي. ورغم ذلك، تفوق العدد في سوريا على عدد المستثمرين في دول خليجية، بينها سلطنة عمان التي سجل فيها نحو 50 ألف مستثمر، وقطر التي لا يزيد عدد المستثمرين فيها بالعملات الرقمية عن 30 ألفاً. وقد لوحظ نشاط غير متوقع للمستثمرين في عدد من البلدان إلى جانب سوريا، من بينها اليمن والسودان وفنزويلا وإيران والعراق ولبنان، وما يربط هذه الدول هو العقوبات أو سوء الواقع الاقتصادي أو انهياره في بعض الأحيان.الاستخدام الممنوعوكانت وزارة العدل الأميركية أقامت في شهر أيار (مايو) الماضي دعوى جنائية هي الأولى من نوعها، تتعلق بالعملات الرقمية المستخدمة في بعض البلدان للتهرب من العقوبات الاقتصادية، بحسب تقرير موسع لصحيفة “واشنطن بوست”. وجاءت الدعوى الأولى ضد مواطن أميركي متهم بنقل أكثر من 10 ملايين دولار من عملة بيتكوين الرقمية إلى بعض البلدان، وتحديداً إلى سوريا وكوريا الشمالية وكوبا وغيرها. وخلال العامين الماضيين، كثر الحديث عن استخدام العملات الرقمية من قبل جماعات إرهابية في سوريا لتمويل عملياتها بأشكال مختلفة. فمثلاً، أشار موقع “وايرد” البريطاني في وقت سابق إلى أنّ تنظيم “داعش” استخدم العملات المشفرة على مدار سنوات متتالية، ومثله وجدت جماعات جهادية أخرى ضالتها في العملات الرقمية. وعلى رأس تلك الجماعات، “هيئة تحرير الشام” (النصرة سابقاً) التي افتتحت شركات محلية في إدلب وعيّنت على رأسها عدداً من الأشخاص، جميعهم من جنسيات غير سورية، وافتتحت بورصتين للتداول بالعملات الرقمية تحت مسمى “إي باي منت”، والأخرى “بتكوين إكستجينج إيجنت”، وتستخدم فيهما عملات “مونيرو” و”زي كاش”، اللتين تخفيان خصوصية مستخدمهما ويكاد يكون من المستحيل تتبعها.التهرب من العقوباتيمكن أن تستخدم العملات المشفرة من نماذج متعددة من المجتمع، من بينهم الأفراد العاديون، إلى جانب التجار، الذين يمكنهم بهذه الوسيلة التهرب من الحصار والعقوبات المفروضة عليهم وعلى تحويل أموالهم باتجاه الخارج أو العكس. فضلاً عما ذكرناه من استخدامها من جماعات إرهابية. يستفيد جميع المتعاملين بهذه العمليات من كونها لا تخضع لرقابة ولا مصرف مركزي، علاوةً على أنّها تخضع لبروتوكول تقني أمني يسمى “بلوك تشين” يمنع مراقبتها أو اختراقها، ما يسهل للمتعاملين بها الاستخدام للأغراض الشخصية، وصولاً إلى شراء السلاح وغيره من النشاطات الخطيرة والمحظورة.
استخدامات مدنيّة وتحدثت تقارير صحافية في فترات سابقة عن إقبال كبير على هذه العملات في مناطق سيطرة “جبهة النصرة” والفصائل العاملة مع الأتراك في الشمال والشمال الغربي من سوريا، فضلاً عن التعامل الآخذ بالتنامي في مناطق سيطرة الحكومة السورية، ومردّ ذلك إلى أسباب أبرزها سهولة التحويل بين الأفراد من جهة، والاستثمار بقصد الربح من جهة أخرى. وفي الإطار، يواجه السوريون مشكلات أيضاً بعد حصولهم على العملات المشفرة، تتعلق بصعوبة تصريفها المباشر إلى دولار أو ليرة سورية، ما يضطرهم للتعامل مع مكاتب وسيطة غير مرخصة تعنى بإتمام عملية التحويل بسلام مقابل عمولات متفاوتة. الاقتصادي ماهر منصورة قال في حديث إلى “النهار العربي” إنّ “التحول إلى الاقتصاد الرقمي قد يصبح واقعاً لا مفرّ منه، مع تقادم الأيام واشتداد ظروف العقوبات وسوء الواقع الاقتصادي وانهياره المطرد، فضلاً عن مخاطر الاختناق الذي تسببه العقوبات وتؤدي من خلاله لضغط غير مسبق على حجم التعاملات المالية الضرورية في مختلف القطاعات الأساسية الصناعية والتجارية والخدمية”.

 وأوضح منصورة أنّ الناس اليوم باتت بحاجة أكثر من أي وقت لملاذ آمن للاستثمار، ولعلّها وجدت هذا الملاذ في البيئة الرقمية في ظل حظر التعامل بالدولار، بل وتجريمه وإخضاع المتعاملين به لعقوبات جنائية قاسية. وأكد منصورة أنّ ضعف بيئة الاستثمار الداخلي في سوريا هو سبب آخر مباشر للتحول لذلك السوق. “كذلك علينا ألّا نغفل أن السوق الرقمي أرباحه كبيرة نسبياً، ومكاسبه جيدة”.
تجارب فرديّةيقول علي الذي يعمل في مجال الاستثمار المحدود بالعملات الرقمية لـ”النهار العربي”: “المبلغ الذي أملكه بسيط نسبياً، فهو لا يتيح لي التعامل الواسع بالبيتكوين مثلاً بسبب ارتفاع قيمتها التجارية وغلاء سعرها قياساً بعملات أخرى”. ويضيف: “ربما يصيب الركود أحياناً عملة بتكوين، لا تصعد ولا تهبط، لذا يكمن الحل لمن يستطيع بشراء كمية منها والانتظار لفترة قد تطول حتى يجني أرباحاً ممتازة”، مؤكداً أنّه على المستثمر تخصيص وقتٍ لمراقبة بورصة هذه العملات يومياً. إبراهيم شاب سوري آخر يتعامل بالعملات الرقمية، يقول: “الأمر اليوم أصبح أسهل بكثير من السابق، هناك منصات واضحة ومن السهل التعامل معها في البيع والشراء، وكذلك هذه السوق لا تشترط عليك مبلغاً معيناً للدخول والشراء، فأنت تشتري بما تملك”. أما هيفاء فتقول إنّها بدأت أخيراً الاستثمار نتيجة ما وصلت إليه الحال الاقتصادية من تردٍ: “عرض عليّ الأمر قبل سنوات طويلة، بعد بداية الحرب أقصد، لكنني ترددت ولم أكن أتوقع أن تصل بلادي إلى ما هي عليه الآن، لذا بدأت الاستثمار في العملية الرقمية قبل خمسة أعوام، حين وصل سعر قطعة بيتكوين إلى ألف دولار تقريباً”.

على الصّعيد الرّسمييقلل الاقتصادي عمار حلّوم من إمكان حدوث نقلة نوعية على صعيد الأفراد في القريب العاجل بسبب استخدام هذه العملات، لا سيما أنّه لم تتم قوننة التعامل بهذه العملات حتى الآن في سوريا.ويضيف: “هناك تحذيرات سابقة وغير مرّة من البنك المركزي السوري من التعامل بهذه العملات، لكونها غير مراقبة أو خاضعة لسياسة المركزي من جهة، وكذلك الأسباب المرتبطة بتغير قيمتها، ما يشكل خطراً عن المستثمرين فيها”. الى ذلك، نقلت وسائل إعلام خلال العام الجاري عن مدير تقانة المعلومات في مصرف سوريا المركزي فراس عيسى قوله إنّ “العملات المشفرة في سوريا مؤجلة وليست ملغاة على الإطلاق، بل هي فكرة موجودة تنتظر الوقت الأمثل لاعتمادها”. وأوضح عيسى في ما نقل عنه أنّ “العملة الرقمية الخاصة بمصرف سوريا المركزي ليست قيد الدراسة في الوقت الحالي، لأسباب تتعلق بالأولويات، والانشغال بمشروعات محلية سيتم العمل لاستكمالها”. ولفت إلى أن إطلاق العملات المشفرة مشروع ضخم ويتطلب دراسة عميقة للواقع، وتحليلاً دقيقاً للسوق المالية، ورصد مختلف المخاطر القائمة، لاعتماد نموذج يلبي الحاجة المحلية ويحقق قيمة مضافة للاقتصاد السوري ولا يكون نقمة عليه.

التعليقات معطلة.