1

على واشنطن إدراك أن قرناً جديداً حلَّ في المنطقة

الثلاثاء – 2 شهر ربيع الأول 1444 هـ – 27 سبتمبر 2022 مـ رقم العدد [16009]

روبرت فورد

روبرت فورد

السفير الأميركي السابق لدى سوريا والجزائر والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن

إذا نظرنا إلى علاقات الولايات المتحدة مع العراق كنموذج، سنجد أن السياسة الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط لم تتكيف مع كبرى المشكلات في القرن الحادي والعشرين.
على سبيل المثال، قبل ثلاثة أسابيع، التقت باربرا ليف، وهي زميلة سابقة محترمة وتتقلد اليوم منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، كما أنها كبيرة المسؤولين عن إدارة العلاقات اليومية مع دول المنطقة، ودبلوماسية لديها خبرة خاصة في ملف العراق، الرئيس العراقي ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب. وأفاد بيان عام أصدرته الخارجية الأميركية، بأنها ناقشت الأزمة السياسية في العراق وأمن المنطقة.
وقبل أسبوعين، التقى مساعد وزير الدفاع، سيليست والندر، في بغداد بوزير الدفاع ومستشار الأمن القومي وقائد الجيش لمناقشة التعاون العسكري ومحاربة «داعش».
وفي 21 سبتمبر (أيلول)، التقى بريت ماكغورك، كبير مسؤولي سياسات الشرق الأوسط في إدارة بايدن، وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، بنيويورك، لمناقشة العلاقات العسكرية والأمنية والاستقرار الإقليمي.
وهكذا، قضى هؤلاء المسؤولون الأميركيون الثلاثة رفيعو المستوى، كثيراً من، إن لم يكن معظم، وقتهم مع زملائهم العراقيين في مناقشة القضايا السياسية العراقية والإقليمية ومكافحة الإرهاب. والملاحظ أن هذه هي الموضوعات ذاتها التي ركز عليها الأميركيون في تفاعلهم مع العراقيين طوال 15 عاماً.
في صيف وخريف عام 2022، هل يمكن أن نقول إن مكافحة الإرهاب والسياسات الإقليمية تمثل كبرى المشكلات التي تدفع العراقيين إلى حافة الجنون؟
من جانبهم، يسلط المحللون العراقيون الضوء على أن نقص الكهرباء خلال الصيف، وسوء خدمات المياه والفساد، يدفع العراقيين للنزول إلى الشوارع. وبالطبع، فإن عاماً آخر من الجفاف وارتفاع درجات الحرارة المرتبط بالتغيرات المناخية يمثل مشكلة كبرى أخرى.
في الواقع، تؤثر التغيرات المناخية على دول منطقة الشرق الأوسط، مثل العراق، بشدة. والسؤال هنا: كيف يمكن لمستشار عسكري أميركي إيجاد حل لمشكلة العائلات التي تضطر لترك منازلها حيث كانت الزراعة منذ آلاف السنين؟
ومع ذلك، نجد أنه خلال اجتماعات سبتمبر (أيلول)، لم يذكر المسؤولون الأميركيون في العراق سوى القليل عن البنية التحتية، وجهود احتواء الفساد، والحد من الآثار الضارة للتغيرات المناخية وندرة المياه. ولم يلتقِ أي مسؤول أميركي رفيع المستوى وزير المياه العراقي أو رئيس هيئة مكافحة الفساد.
بطبيعة الحال، ليس بمقدور واشنطن حل مشكلات العراق، وتجربتنا منذ سنوات الحرب يجب أن تجعلنا متواضعين في طموحاتنا. علاوة على ذلك، لدينا مشكلاتنا الخاصة مع الفساد. جدير بالذكر هنا أن ترتيب الولايات المتحدة في قائمة الشفافية الصادرة عن منظمة الشفافية الدولية عام 2021 يعد الأدنى منذ عام 2012.
وعندما تنظر إلى حرائق الغابات المروعة في كاليفورنيا وأوريغون، ومشكلة ندرة المياه المتفاقمة في الغرب الأميركي، يتضح لك أننا لا نستطيع حل جميع المشكلات المرتبطة بالتغيرات المناخية داخل الولايات المتحدة، وبالتأكيد ليس في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ومع ذلك، ثمة دروس تعلمناها. مثلاً، خفضت المدن في الغرب الأميركي الجاف، مثل لاس فيغاس وسان دييغو، من استهلاك المياه للفرد بدرجة كبيرة خلال العشرين عاماً الماضية. بالإضافة إلى ذلك، أسهمت إدارة الحكومة المركزية لموارد المياه، مثل نهر كولورادو، في إرجاء أسوأ تداعيات التغيرات المناخية، ووفرت لنا مزيداً من الوقت لإيجاد حلول. ويمكن لواشنطن أن تشارك تجاربها على نطاق أوسع مع الحكومات والخبراء في المنطقة الذين يحتاجون إلى أفكار عملية. والملاحظ هنا أن كبار المسؤولين الأميركيين لا يركزون على قضايا مثل هذه كأولويات أولى في اجتماعاتهم.
في الواقع، يجب أن يكون الدعم الأميركي للتعليم جزءاً من نهج جديد. وفي هذا السياق، أود توجيه التحية إلى باربرا ليف لزيارتها الجامعة الأميركية الجديدة في بغداد. جدير بالذكر هنا أن واشنطن تقدم نحو 15 مليون دولار سنوياً لمساعدة الجامعات باستخدام النظام الأميركي في العراق. والمعروف أن الدعم العسكري الأميركي للعراق يزيد على مائتي ضعف هذا المبلغ.
من جهتها، تخطط واشنطن هذا العام لإلغاء تمويل بعض برامج سيادة القانون التي تساعد العراقيين في محاولة إيجاد حلول للفساد، ما يعد مثالاً على كيفية استمرار واشنطن في التركيز على مقاربات الأمن ومكافحة الإرهاب في المنطقة.
من ناحية أخرى، وقعت وزارة الموارد المائية العراقية اتفاقية مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، للمساعدة في معالجة ندرة المياه. لكن، تبقى الأموال المخصصة وعدد الخبراء في هذا الإطار ضئيلين، مقارنة بالدعم العسكري الذي نقدمه. في الوقت ذاته، تحتاج وكالة التنمية إلى مزيد من الخبراء والمديرين والتمويل. ولا يمكن مقارنة هذا الوضع بوفرة الموظفين والتمويل في البنتاغون. ومن الممكن أن يصبح المدير المساعد للشرق الأدنى في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، المسؤول الرئيسي لإدارة المبادرات الجديدة. ويكافئ هذا المنصب باربرا ليف على صعيد التنمية. من جهته، حال مجلس الشيوخ دون تعيين مرشح إدارة بايدن لأكثر من عام. وفي الوقت الذي يتمتع فيه البنتاغون بدعم سياسي كبير في واشنطن، تفتقر وكالة التنمية إلى هذا المستوى من الدعم.
وتتمثل إحدى طرق إقناع واشنطن بالبدء في تغيير محور تركيزها في أن يضغط مسؤولو الشرق الأوسط على واشنطن لتعديل محور اهتمامها بعيداً عن التركيز الشديد على القضايا العسكرية والأمنية، وباتجاه مزيد من التعاون بشأن المشكلات المتصاعدة التي تتجاهلها واشنطن إلى حد كبير، رغم إضرارها بمواطني المنطقة في حياتهم اليومية.
* خاص بـ«الشرق الأوسط»

التعليقات معطلة.