الذكرى الثالثة لتظاهرات “تشرين” في العراق: تكرار الاحتجاج لاسترجاع الوطن
تقارير عربيةبغداد
محمد الباسم
01 أكتوبر 2022
تجد القوى والتيارات المدنية والعلمانية العراقية، في نزولها اليوم السبت، إلى شوارع العاصمة بغداد ومدن أخرى، في الذكرى الثالثة لاندلاع تظاهرات أكتوبر/تشرين الأول 2019، فرصة لتوجيه رسائل للتأكيد على إمكانية العودة مرة أخرى للشارع ورفع نفس المطالب، التي باتت تركز على “وقف هيمنة سلاح الأحزاب الدينية والفصائل المسلحة”، على الحياة العامة في العراق.
ويشدّد المحتجون الغاضبون، الذين أنهوا استعداداتهم لمواجهة “السلطات القمعية” حسب تعبيرهم، على أن المطالب التي ستُرفع اليوم السبت هي ذاتها التي رُفعت في عام 2019، محذرين من استمرار شيطنة الأحزاب للقوى المدنية والوطنية، بعد موجة اتهامات وجهت لهم مثل الارتباط بالسفارات الأجنبية والتمويل الخارجي وغيرها. كما يعبّر الشباب الذين يتظاهرون أنهم أمام مواجهة مصيرية لرسم مستقبل العراق، لذلك فإنهم يؤمنون بالتضحية في سبيل الوصول إلى تحقيق مطالبهم.
إحياء الذكرى الثالثة لتظاهرات “تشرين”
ولن يكون النزول لإحياء الذكرى الثالثة فوضوياً، بل اتجه المتظاهرون خلال العامين الماضيين إلى تنظيم أنفسهم في تكتلات سياسية وأحزاب جديدة ومنظمات محلية وحراكات شعبية لها عناوينها الخاصة، ومنها “قوى التغيير” التي تجمع أغلب القوى السياسية الشبابية إلى جانب الحزب الشيوعي العراقي.
وأيضاً الحراك الشعبي العراقي الذي يقوده الناشط أحمد الوشاح، إضافة إلى الحراك المدني الوطني الذي يجمع عددا من ناشطي بغداد، وبابل، والناصرية، والبصرة.
وتتلخص مطالب المحتجين بـ”الكشف عن قتلة المتظاهرين والناشطين المدنيين الذين سقطوا خلال السنوات الماضية، ووضع حد لحكم السلاح ونفوذه، إضافة إلى تقوية سلطة القانون وإزالة التأثيرات الحزبية والسياسية عن مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية، ومحاسبة المسؤولين الفاسدين والمتسببين بسقوط محافظات عراقية بيد تنظيم داعش، على رأسهم (رئيس الحكومة الأسبق) نوري المالكي”، فضلاً عن مطالب أخرى تتعلق بالخدمات وتحسين الوضع الاقتصادي والصحي.
رائد فهمي: الاحتجاجات ستستمر في العراق، ما دامت مسبباتها موجودة
في السياق، قال سكرتير الحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي، إن “الأحزاب التقليدية العراقية لم تتعظ ولم تستفد من تجارب التاريخ، وإنها لا تزال تنتهج نفس السلوك العنيف مع العراقيين، عبر مواصلة خداعهم، مرة عبر الخطاب الديني والمذهبي، ومرة عبر نظريات المؤامرة، ومرات بالوعود الزائفة. وتمارس هذه الأحزاب نهج قتل الأصوات الوطنية وتحييدها، من دون النظر إلى النقمة الشعبية المتزايدة، لذلك بات شعار المحتجين مختصراً جداً لكنه يشرح أزمة عمرها نحو 20 عاماً، وهو نريد وطناً، لأن الشعور الشعبي الحالي يشير إلى أن العراقيين لا يشعرون بأنهم في وطن، بل في مساحة يحكمها السلاح المنفلت وخطابات الكراهية وعمليات سرقة كبرى”.
وأضاف فهمي في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن “الحدث الاجتماعي الكبير التي تمثل بتظاهرات 2019، لم ينته على الرغم من القمع السافر الذي تعرض له العراقيون، بل استمر حتى بات ثقافة واضحة عند الشباب، تتمظهر بإعلان حالة الرفض لأي ممارسة سياسية خاطئة”.
وشدّد على أن “الاحتجاجات ستستمر في العراق، ما دامت مسبباتها موجودة، على الرغم من أن مفاتيحها عند الأحزاب التي كان لا بد أن تصلح من نفسها، لكن يبدو أن الفساد والسلاح أفسدا حتى محاولاتها لإصلاح نفسها والتعامل مع العراقيين بطريقة جيدة، لذلك خروجنا في الذكرى الثالثة لن يكون الأخير”.
من جهته، اعتبر موسى رحمة الله، القيادي في حزب الوعد العراقي، وهو حزب جديد شكّلته مجموعة من الناشطين والمتظاهرين، أن “خروجنا في الأول من أكتوبر ليس لإحياء ذكرى الاحتجاجات، لأن الذكرى تكون لأمر حقق أهدافه وانتقل من مرحلة التحقق إلى الاستذكار، لكن الاحتجاجات العراقية لحد الآن لم تحقق أهدافها”.
وأضاف في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن “الاحتجاجات غيّرت الكثير من سلوك المجتمع، وحققت قطيعة سياسية مع النظام الحاكم، لأن الأسباب والإخفاقات لا تزال نفسها بل زادت، إضافة إلى الإهمال الكبير لكل القضايا التي طرحتها احتجاجات تشرين”.
ولفت رحمة الله إلى أن “التظاهرات ستتجدد ولن تتراجع مهما كلف الأمر، حتى تغيير النظام الحاكم حالياً، النظام المقفل بالقتل والقمع والفساد، على الرغم من المحاولات العنفية التي تتجسد أحياناً لفظياً ضد المشاركين في التظاهرات، أو بالسلاح التي تقتل الناشطين والمؤثرين في الحراك الشعبي”، معتبراً أن “التنظيمات الجديدة للمتظاهرين باتت قادرة على أن تحمي نفسها من القمع والملاحقات التي تقوم بها سلطة النظام”.
موسى رحمة الله: التظاهرات ستتجدد حتى تغيير النظام الحاكم حالياً،
من جانبه، أشار رئيس حراك “البيت العراقي” محيي الأنصاري، إلى أن “الظرف المعقد الذي تمر به البلاد والعملية السياسية بالمجمل يوجب علينا أن نحافظ على ذكرى انطلاق احتجاجات تشرين بشكل نوعي، يبعدها عن الاستقطاب السياسي الجاري منذ الانتخابات التشريعية التي أُجريت في 10 أكتوبر 2021”.
وأكد في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن “العمل متواصل منذ أكثر من شهر في البيت العراقي وقوى التغيير على تنسيق المواقف، كحراكات وأحزاب ناشئة وقوى احتجاج، للمحافظة على الاستذكار قدر الإمكان وكي لا يُستخدم الشارع وسيلةً لضرب أحد طرفي الصراع بالآخر”.
ميادين التظاهرات في 3 محافظات
وبحسب التنسيقيات العراقية، فإن التظاهرات ستكون الأكبر من بين سلسلة الاحتجاجات، وستشارك فيها معظم الفعاليات الشبابية والمنظمات والأحزاب الجديدة، وستنطلق في أربعة ميادين ضمن ثلاث محافظات، وهي ساحات النسور والتحرير في بغداد، والصدرين في النجف، والحبوبي في الناصرية بمحافظة ذي قار.
وفي موازاة استمرار حالة التأهب الأمني في العاصمة العراقية بغداد، تحسباً للتظاهرات، أقدمت قوات أمنية على تنفيذ عمليات تفتيش شملت منازل سكنية في مناطق تحيط بالمنطقة الخضراء، التي تضم مبنى البرلمان والحكومة والسفارة الأميركية ومقار البعثات الدبلوماسية الأجنبية.
ووفقاً لمصادر نقلت عنها محطات إخبارية عراقية، فإن “العملية تتم بحثاً عن الأسلحة الخفيفة والمتوسطة في مناطق الجادرية، داخل كرادة وخارجها، العرصات، كمب سارة، البتاوين، الزعفرانية”.
وأكدت المصادر أن “أي منطقة تتوفر عنها معلومات استخبارية بوجود مستودعات أو أسلحة يجب جعلها خالية من المظاهر المسلحة وفرض سلطة القانون فيها”، وذلك تحسباً من أي مناوشات بين المتظاهرين وقوى مسلحة قد تحاول إشعال الأوضاع مجدداً باستهداف المتظاهرين.
وقال ضابط في قيادة عمليات بغداد، إن “القوات الأمنية نفذت خطة تقتضي تكثيف الانتشار الأمني في بغداد بشكل عام، وداخل المنطقة الخضراء وفي محيطها”، مشيراً في حديثٍ مع لـ”العربي الجديد”، إلى أنه “سيتم قطع العديد من الطرق المؤدية إلى المنطقة الخضراء بحواجز اسمنتية، كما سيتم نشر حواجز أمنية لتفتيش المتظاهرين لمنع محاولات الوصول إلى تلك المنطقة”.
واندلعت التظاهرات العراقية في 1 أكتوبر 2019، عقب دعوات انطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي بسبب تردي الخدمات وتفاقم نسبة البطالة، قبل أن تنفجر بشكل واسع في بغداد ومدن جنوبي العراق ووسطه.
وشهدت التظاهرات عمليات عنف غير مسبوقة، لا سيما بعد دخول جماعات مسلحة، وُصفت بـ”الطرف الثالث”، على خط قتل وقمع واختطاف المحتجين والناشطين. وأدت أعمال العنف إلى مقتل نحو 800 متظاهر، وإصابة أكثر من 27 ألفاً، في وقت لم تُحاسَب فيه أي جهة متورطة في هذه الأعمال.