نيجيرفان بارزاني: الديمقراطي والوطني الكوردستاني يحتاجان إلى اتفاقية جديدة تنسجم مع هذه المرحلة
أكد رئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني، أن الاتحاد ووحدة الصف والتلاحم بين كل أطراف ومكونات كوردستان «ضروري للغاية» للحيلولة دون المزيد من الضعف في القرار والإرادة السياسيين لشعب كوردستان.
وشدد رئيس الإقليم في كلمته خلال مراسم إحياء الذكرى السنوية الخامسة لوفاة رئيس حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني السابق، والرئيس العراقي الأسبق جلال طالباني، اليوم الاثنين، على وجوب عدم الأخذ بأي معيار سوى تعزيز مكانة إقليم كوردستان.
وبين رئيس الإقليم، أن الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني، بصفتهما قوتين رئيستين في إقليم كوردستان والعراق، يحتاجان الآن من جديد إلى اتفاقية مشتركة تتفق مع هذه المرحلة.
وقال نيجيرفان بارزاني، إن شعب العراق يشعر بـ «سخط كبير» وناقم بسبب الخلافات السياسية في البلد، لأنه يعرف كلما استمرت الخلافات كلما تراجعت الخدمات والاستقرار وتضعف سيادة البلد، مؤكداً «لذا يجب الجلوس وحل المشاكل».
وفيما يلي النص الكامل لكلمة رئيس إقليم كوردستان:
أيها الحضور الكرام..
طاب نهاركم وأهلاً بكم جميعاً..
نستذكر اليوم الثالث من أكتوبر وبتقدير وفخر الذكرى السنوية لرحيل الرئيس مام جلال. صحيح أن سنوات مرت على رحيله الأبدي، لكننا على مدى هذه السنوات وبعد مرضه وابتعاده عن العمل السياسي وفي الدولة، شعرنا دائماً بالفراغ الذي خلّفه مام جلال.
في هذه الذكرى أحيي روحه الطاهرة، كما أحيي رفيقته وزميلته في الكفاح وزوجته هيرو خان، أرجو لها الصحة الجيدة والعمر المديد.
أيها الحضور الكرام..
يسعدني أن يتم إعلان «مؤسسة الرئيس مام جلال». وأشد على أيدي الهيئة التأسيسية لهذه المؤسسة، وأرجو التوفيق للقائمين على إدارتها.
إن تاريخ مام جلال جزء هام من التاريخ الحديث للحركة التحررية الكوردستانية. ووجود مؤسسة كهذه لعرض كفاحه، وتعريف الجيل الحالي والأجيال القادمة بكفاح مام جلال، ضروري.
أرجو أن تسير أعمال هذه المؤسسة بصورة جيدة، فقد قدم هو الكثير للصحافة والثقافة والمطبوعات الكوردية، وأرجو أن تصبح هذه المؤسسة امتداداً لتوجه الرئيس مام جلال هذا.
أيها السادة..
تعرفت إلى مام جلال في أيام بناء السلام والتلاحم، ولهذا فإنه يعتبر عندي قائد وذكرى لحفظ السلام والعمل الجماعي، أكثر من أي شيء آخر.
في اليوم الثامن من نوفمبر 1986، وقّع الراحلان مام جلال ووالدي على اتفاقية السلام بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني، في ذلك اليوم رافقت والدي إلى ذلك الاجتماع، وكان يوماً تاريخياً مميزاً لشعب كوردستان.
في ذلك اليوم، التقيت مام جلال للمرة الأولى، ولحين مرضه ثم وفاته، كان يربطنا احترام وعلاقة طيبة دائمان. عادت روح هذا الكبير إلى خالقها، ولكن احترام وحب مام جلال يبقيان معي دائماً.
الاتفاقية التي أبرمت في 1986، والتي عرفت فيما بعد بالمصالحة الشاملة، حيث أن كل الأحزاب الكوردستانية العراقية تصالحت بعدها، وانتهى الاقتتال الداخلي وتشكلت الجبهة الكوردستانية.
وبفضل الجبهة الكوردستانية، تحملت الحركة التحررية الكوردستانية وشعب كوردستان جريمتي القصف الكيمياوي والأنفال، وبفضل الجبهة الكوردستانية أيضاً انتصرت الانتفاضة وأجريت للمرة الأولى انتخابات حرة في كوردستان، وتأسس البرلمان وحكومة إقليم كوردستان.
وبعد اندلاع الاقتتال الداخلي مجدداً في سنة 1994، كانت إرادة مام جلال للسلام وإيمان سيادة الرئيس بارزاني بالسلام، السبب في توقيعهما عام 1998 على اتفاقية السلام في واشنطن ليسجلا مرحلة جديدة من السلام حافلة بالمكاسب الدستورية والسياسية لشعب كوردستان.
تحققت مكاسب كثيرة لشعب كوردستان، وكلها بفضل عمل الرئيس مام جلال والرئيس بارزاني معاً. مام جلال كان يفعل كل شيء ليسعد كاك مسعود، وكاك مسعود لم يكن يرفض لمام جلال طلباً.
حتى أن الرئيس بارزاني، ومن أجل بقاء منصب رئيس الجمهورية داخل إطار القرار الكوردستاني وفي يد مام جلال، لم يذعن لضغوط الرئيس الأمريكي والضغوط الإقليمية سنة 2010 ولم يتوقف حتى أصبح مام جلال رئيساً للجمهورية مرة أخرى.
هذا الوئام، أثمر عن سنوات طويلة من الاستقرار والنجاح لشعب كوردستان، لهذا تستحق هذه السنوات أن تسمى بـ «السنوات الذهبية»، ففي تلك السنوات وفي ظل الوئام ووحدة الصف، شهد كوردستان انتعاشاً متعدد الجوانب واستقراراً وتقدماً وعمراناً ورخاء أصبح موضع ارتياح واعتزاز كل الكوردستانيين.
كان مام جلال حريصاً جداً على التآخي والوئام، وخاصة الوئام بين الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني، وقد سمعت منه شخصيا في مناسبات عدة قائلا: لو عادت بي الأيام إلى الوراء لما سمحت بأي شكل أن يقع خلاف بيني وبين البارزاني الخالد. وبعد ذلك عبر عن مشاعره تلك في الإعلام أيضاً. كان مام جلال يقول بكل حزم بأنه قرر من جانب واحد أن لا يكون جزءاً من الخلاف والحرب الأهلية، مهما كانت التضحية والثمن!
أيها الحضور الكرام..
الوئام بين الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني وتوقيع الاتفاقية الاستراتيجية بينهما على يد مام جلال والرئيس مسعود بارزاني، حقق الكثير من المكاسب لشعب كوردستان، وخلق ظروفاً جيدة للغاية لتنامي السلام والديمقراطية في كوردستان.
من المؤسف أن بعض الأشخاص والأطراف كانت تقول في أيام وجود الاتفاقية الاستراتيجية: إن هذه خنق للديمقراطية. لكن لو قارنوا بين الأوضاع التي ظهرت بعد ظهور الخلاف بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني، مع تلك الفترة، لوجدوا أن تقييمهم كان خاطئاً. فبعد الاتفاقية الاستراتيجية أجري أكبر عدد من الانتخابات العامة والمحلية، وأكثر عدد من الانتخابات في داخل المنظمات المهنية والنقابات.
بعد الاتفاقية الاستراتيجية بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني، تشكلت الأرضية المواتية لترسيخ ونمو مؤسسات الدولة والحكومة والمحاكم. ونشأت أرضية ظهور ونمو المعارضة في إقليم كوردستان. كانت حرية الإعلام أوسع، وتقلصت حدود الإدارتين، وتهيأت الأرضية لإعادة تنظيم القوات الداخلية واتسعت دائرة التنسيق بين الأجهزة الأمنية.
وهذه كلها، كانت تعزز الجبهة الداخلية، وتجعل من قوة كوردستان أكثر تاثيرا في العراق والمنطقة. وكان احترام ودعم العالم لشعب كوردستان وحقوقه يتزايدان يوما بعد يوم.
المنتقدون للاتفاقية الاستراتيجية بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني كانوا يجهلون أن الاتفاقية هذه ضرورية جداً لهذه المرحلة في إقليم كوردستان! لم يكونوا يعرفون أنه لولا الاتفاقية الاستراتيجية، ستسوء أوضاع كوردستان وتتفرق قواها ويقلل تأثيرها.
أجل، إن الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني، بصفتهما قوتين رئيستين في إقليم كوردستان والعراق، يحتاجان الآن من جديد إلى اتفاقية مشتركة تتفق مع هذه المرحلة. فالاتفاق بين الديمقراطي والاتحاد ووحدة الصف والتلاحم بين كل أطراف ومكونات كوردستان ضروري للغاية للحيلولة دون المزيد من الضعف في القرار والإرادة السياسيين لشعب كوردستان.
علينا أن لا نأخذ بأي معيار غير تعزيز مكانة إقليم كوردستان مجدداً، لأن قوتنا جميعاً رهن بقوة ومكانة إقليم كوردستان. قوتنا تكمن في وحدتنا. الذين يستطيعون إعادة القوة لإقليم كوردستان، هم الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني قبل غيرهم وتلاحم ووحدة صف كل الأطراف.
أيها السادة..
لقد منح مام جلال القوة والعظمة لمنصب رئيس الجمهورية، لأنه كان قد أصبح سبباً في الوئام بين كل القوى العراقية، ومدافعاً جيدا عن الكورد والشيعة والسنة وكل المكونات الأخرى. كان مقر مام جلال في بغداد قد أصبح مكاناً للتهدئة وإنهاء الخلافات، ومع غياب مام جلال عن بغداد، غاب عمود كبير من أعمدة التوافق وغاب مركز رئيس للحوار السياسي، بحيث أن الناس والقوى العراقية لا تزال تشعر بذلك.
ونحن إذ نجتمع ونلتقي في هذه الذكرى، فإننا نستذكر الحوار والاجتماع معاً والبحث عن اتفاق بيننا. أنا واثق أنكم جميعاً تعززت عندكم الرغبة في الحوار وإنهاء الخلافات، لهذا أدعوكم أن تترجموا رغبتكم هذه إلى مبادرة وفعل، ولا تروا في أي مبادرة للحوار والاتفاق تنازلاً وهزيمة، فالذي يتحاور والذي يتفق هو المنتصر دائماً.
أرجو أن تكون ذكرى مام جلال حافزاً لوحدة الأحزاب الكوردستانية، وكذلك حافزاً لجلوس الأطراف العراقية مجتمعة. وفي هذه الذكرى أدعو كل الأحزاب الكوردستانية إلى الاتفاق والعمل معاً. وندعو كل الأطراف العراقية في هذه المناسبة إلى استذكار الأيام التي كان فيها مام جلال رئيساً للجمهورية وكان يجمع الكل بقلب طاهر على ما فيه مصلحة كل مكونات العراق.
وبنفس الحماس ونفس الهدف، من الضروري جداً أن نجلس اليوم معاً ونحل المشاكل. في الحقيقة يشعر شعب العراق بسخط كبير ويتضايق من الخلافات السياسية في البلد، لأنه يعرف كلما استمرت الخلافات كلما تراجعت الخدمات والاستقرار وتضعف سيادة البلد.
أيها السادة..
بينما نحيي هذه الذكرى الآن، فإني أتذكر عشرات الذكريات مع مام جلال. ففي كثير من المرات وعندما يظهر خلاف، كان يقول بلسانه الحلو: تعال لنتهامس قليلاً! والحمد لله كثيرا ما كان ذلك التهامس يصبح عاملا مساعدا لتقليل المشاكل وإنهاء الخلافات.
لنفعل كلنا هذا اليوم، ونتخذ بنفس المنحى قرار الاتفاق. فالتنازل من أجل الاتفاق وإسعاد الشعب نصر ولا يمثل هزيمة أبدا لأي طرف.
لتسعد روح مام جلال، وطابت ذكراه إلى الأبد.