2

“جُماع الزوجة بالإكراه” جريمة… قانون العنف الأسري يقسم برلمان إقليم كردستان

09-10-2022 | 06:10 المصدر: النهار العربي

رستم محمود

جلسة لبرلمان إقليم كردستان العراق.

جلسة لبرلمان إقليم كردستان العراق.

A+A-شهدت الساحة السياسية والأوساط الاجتماعية والثقافية في إقليم كردستان العراق طوال الأسبوعين الماضيين نقاشات عامة مستفيضة، بشأن المسودة المقترحة لتعديل بعض فقرات “قانون العنف الأسري”، والذي يناقشه برلمان الإقليم راهناً. وتركز النقاش تحديداً على التفاصيل المتعلقة بـ”تجريم الجُماع الزوجي بالإكراه”، واعتباره نوعاً من “العنف الأسري” الذي يُمكن للزوجة بناء عليه أن تدّعي على زوجها، وحتى أن تخلعه. وكذلك في شأن البند الذي يوسع من صلاحية الجهات المخولة الادعاء في حالة وجود “عنف أسري”، لتكون مفتوحة على كل من شاهد أو سمع بوقوع ذلك الفعل، بعدما كان محصوراً بالضحية وأعضاء الأسرة فحسب. تعريفات أوضحبنود قانون “العنف الأسري” المطبق حالياً في إقليم كردستان، والذي أقره برلمان الإقليم في العام 2011، تضع مجموعة من المحددات التعريفية العمومية لحالة “العنف الأسري”، باعتبار “كل ما من شأنه أن يُلحق ضرراً من الناحية الجسدية والجنسية والنفسية بـ”الضحية”… الخ”. إلا أن المسودة المقترحة حالياً، تدخل في تفاصيل تحديد ما هو “العنف الأسري”، بكونه يشمل “ختان الإناث، الضرب، إرغام الزوجة على ترك الوظيفة الحكومية من دون إرادتها، وسقوط الجنين جراء العنف المنزلي، إضافة إلى استعمال السب والشتم تجاه الأطفال والزوجة فضلاً عن إرغامها على ممارسة العلاقة الحميمة رغماً عنها”. كذلك فإن المسودة التي تتم مناقشتها تعطي صلاحية الادعاء بوجود “عنف أسري” لكل أفراد المجتمع، إلى جانب حق الادعاء بإقامة الدعاوى في حال حصوله على معلومات بذلك، وتالياً إخراج مسألة “العنف الأسري” من كونها مجرد شيء من “الحياة الخاصة”، لتكون ظاهرة وفعلاً يمسّان بالمجتمع بكامله. انقسامالمعلقون وقادة الرأي العام في الإقليم انقسموا إلى جهتين متقابلتين بشأن مقترح التعديلات المطروحة: ففي وقت عبر النشطاء المدنيون والاجتماعيون والطيف الأوسع من المثقفين عن سعادتهم بـ”القفزة الاستثنائية” التي تضمنتها المقترحات، باعتبارها تكرس حماية أفراد الأسرة الأكثر ضعفاً من تنمّر وعنف باقي الأفراد، خصوصاً أشكال العنف التي تعتبرها الكثير من الطبقات الاجتماعية “أمراً عادياً ورتيباً”، وتزيد من مستوى المسؤولية الاجتماعية الجماعية حول “السلامة الأسرية”، فإن قسماً آخرَ من النشطاء الاجتماعيين المحافظين، بمن في ذلك العديد من رجال الدين والقوى السياسية الإسلامية والمحافظة، عبروا عن سخطهم على التعديلات المقترحة، معتبرين أنها تشكل أداة لـ”تحطيم بنيان الأسرة الكردية”. بدوره، أصدر “اتحاد علماء الدين الإسلامي الكردستاني” بياناً حول الموضوع، يوضح رأي الاتحاد تفصيلاً، وقال إن “المشروع يتعارض مع تقاليد وواقع المجتمع الكردي والسلام الاجتماعي… ندعو برلمان كردستان إلى عدم وضع مشاريع غير مناسبة مع ثقافة وواقع الشعب على جدول الأعمال وعدم محاولة تشريعه، لأن سن القوانين ينبغي أن يكون لخدمة ومصالح الشعب والمجتمع، وليس لزيادة المشاكل”. 

اجتماع للجنة الدفاع عن حقوق المرأة في برلمان كردستان العراق. الناشطة المدنية جوانا حسيني شرحت في حديث لـ”النهار العربي” ما سمته “الوقائع المريرة” التي تراكمت طوال السنوات الماضية، والتي شكلت دافعاً لمئات الناشطين المدنيين للمطالبة والضغط على القوى السياسية والمدنية الممثلة في برلمان إقليم كردستان لتعديل القانون الذي أقرته قبل أكثر من عشر سنوات، والذي لم يكن موافقاً لأبسط معايير “الصحة الأسرية”، لأنه قانون شبه مجرد في تعرفاته وآلية عمله، ويحمل في طياته الكثير من نوازع تكريس “وحدة العائلة” على حساب حرية ومساواة وحق حماية أفراده، وفق رأيها. مساحة للشراكةتضيف حسيني أن “ما يحاول الناشطون المدنيون والنسويون والحقوقيون تثبيته عبر هذه المقترحات، وغيرها الكثير، هو تحويل بنيان الأسرة من كونها مؤسسة وفضاء يقوم على أدوات الإخضاع والطاعة والتعنيف والحقوق غير المتساوية داخلها، إلى مساحة للشراكة والمساواة والعيش على أساس المنح والبذل والمراضاة. وينطلق ذلك من أساسين بسيطين: يتعلق الأول بتجارب الدول التي حققت مستويات هائلة من السلام الاجتماعي والأسري، حيث كانت سلامة أسرها تلك أكبر أداة في سياق ما حققته من تنمية اقتصادية وإنسانية. والأساس الآخر هو فظاعة ما شهده ولا يزال مجتمع إقليم كردستان من عنف أسري. فعدد حالات القتل التي صُنفت كـ”انتحار” ونسبة الأذية الجسدية والنفسية داخل الأسرة الواحدة، والتي سُجلت في إقليم كردستان طوال السنوات الماضية، هي من أعلى النسب على مستوى العالم، وهذا كله متأت في جزء رئيسي من ركاكة قانون الأسرة وهشاشة قدرته على تنظيم حماية واضحة للأفراد الأقل قوة ضمن الأسرة”. الانقسام المجتمعي والثقافي الذي يشهده الإقليم بشأن التعديلات المقترحة، يمتد لأن يكون انقساماً سياسياً، فالقوى السياسية الممثلة في البرلمان، والتي تناقش هذه المقترحات، غير متفقة في ما بينها تماماً. فبينما يؤيدها حزبا الاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير الكردية (كوران)، الطرفان اللذان يمثلان نسبة 40 في المئة من أعضاء البرلمان، فإن الحزبين الإسلاميين الكرديين في البرلمان يعارضان التعديلات المقترحة تماماً، حيث تخوض المؤسسات الإعلامية والدعائية التابعة لهما حملة مناهضة لها. ويبقى الموقف النهائي للحزب الديموقراطي الكردستاني، أكبر أحزاب البرلمان، بتمثيل يقارب نصف مقاعده، هو الأكثر غموضاً. ففي حين أقر وزير داخلية إقليم كردستان ريبر أحمد بوجود نواقص وثغرات كثيرة في قانون الأسرة الحالي، لكونه غير موافٍ لشروط التنمية والتطور الاجتماعي الذي يشهده الإقليم، أكد بصفته أيضاً قيادياً في الحزب الديموقراطي الكردستاني ضرورة إجراء التعديلات. وأضاف بما يوحي برأي آخر “أن الإسلام وكل الأديان السماوية الأخرى تدعو إلى الحفاظ على الإنسان وقيمه كفرد مبارك ضمن المجتمع… إن الحكومة لن تؤيد أي مقترح أو قانون يكون مخالفاً لقيم وعادات المجتمع الكردستاني”. وهو رأي أكده العديد من الأعضاء الآخرين من كتلة الحزب الديموقراطي الكردستاني ضمن برلمان الإقليم.

التعليقات معطلة.