هل أفلتت خيوط اللعبة السياسية في العراق من أيدي إيران؟
غياب قاسم سليماني الذي اغتالته واشنطن مطلع 2020 يظهر إيران كأنها في حالة تخبط وعجز في إدارة وضع البيت الشيعي العراقي واحتواء ‘تمرد’ الصدر بما يخدم مصالحها ونفوذها.الأحد 2022/10/09الصدر خرج ولم يخرج من بيت الطاعة الإيراني بعد مقتل سليماني قائد فيلق القدس فشل في إعادة ترتيب البيت الشيعي العراقي عدم تمتع قآاني بكاريزما سليماني أضعف تأثيره على القوى الشيعية العراقية صراع بين مرجعيتي قم والنجف يبرز في خضم أزمة العراق السياسية الصدر كان يطمح لانتزاع إيراني بآل الصدر ومركزيتهم داخل البيت الشيعي
واشنطن – قدم ‘معهد واشنطن’ الأميركي تشخيصا للعلاقة الشائكة بين إيران والزعيم الشيعي العراقي النافذ مقتدى الصدر الذي نجح إلى حدّ ما في التحول إلى رقم صعب في المعادلة السياسية العراقية خاصة بعد رحيل قائد فيلق القدس السابق الجنرال قاسم سليماني الذي قتل في مطلع العام 2020 في ضربة أميركية استهدفت موكبه على طريق مطار بغداد الدولي رفقة قائد الحشد الشعبي العراقي أبومهدي المهندس.
وكان لقاسم سليماني تأثير شديد على القوى الشيعية العراقية الموالية لإيران، بينما يبدو أن خليفته الجنرال إسماعيل قآاني لا يتمتع بالكاريزما التي كان يتمتع بها سليماني وبالتالي فشل في إعادة ترتيب البيت الشيعي العراقي وفي احتواء الصدر الذي يقدم نفسه وطنيا ولاءه للعراق ويريد تخليص البلاد من التبعية لإيران وللولايات المتحدة الخصمان الذين يتنافسان على النفوذ في المنطقة.
وبحسب تقرير معهد واشنطن فإن إيران تراهن على الانقسامات الداخلية في العراق بما يخدم مصالحها واتخذت قرارا بعدم التدخل في السياسة العراقية، لكن التقرير أشار في الوقت ذاته إلى خطر أن تفضي الفوضى في العراق إلى تقويض الجهود الأميركية لتأمين استقرار أسواق الطاقة العالمية. والعراق وإيران عضوان وازنان في منظمة الدول المصدرة للنفط.
واعتبر كذلك أن طهران لا تزال تنظر بخشية كبيرة لانسحاب الصدر من العملية السياسية وما تبعها من أحداث أمنية خطيرة، بينما يعجز حلفاؤها من القوى الشيعية الأخرى عن تشكيل الحكومة.
وأشار التقرير إلى تنامي مخاوف الجمهورية الإسلامية من أن يتسبب الصراع بين القوى الشيعية (قوى الإطار التنسيقي والتيار الصدري) “في إعادة تشكيل المعادلة الشيعية بما لا يتناسب مع الدور الإيراني وأهدافه”.
وبحسب ما أوردته وكالة شفق نيوز العراقية الكردية في ترجمة للتقرير الأميركي، فإن “الإشكال الرئيسي الذي تواجهه إيران في العراق وتحديدا على مستوى ترميم البيت الشيعي والحفاظ على التوافقات الشيعية الشيعية ضمن سقف المصالح الإيرانية، نابع في الأساس من عدة أسباب أهمها فشل قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني في ملئ الفراغ الذي خلفه قاسم سليماني”.
الصدر كان يطمح أن تلجأ له طهران لإدارة الوضع العراقي لكن جرى تهميشه من قبل القيادة الإيرانية التي لجأت إلى قيادات محلية أخرى وعززت دور نصرالله داخل العراق
ويشير التقرير الأميركي في جانب منه إلى أن اغتيال سليماني أربك الحسابات الإيرانية وكشف أن طهران لم تكن مستعدة للتعامل مع قضية بحجم تصفية سليماني أو تحديد الأولويات الإستراتيجية في العراق.
وكان قاسم سليماني الذي يحظى بشعبية واسعة في غيران بنفوذ كبير، هو مهندس العمليات الإيرانية في الخارج والمشرف على كل وكلاء طهران في المنطقة بما فيها الميليشيات الشيعية العراقية.
وكان له تأثير قوي على تلك الميليشيات وهو من يحركها أو يكبحها وهي من تأتمر بأمره ولا تتجرأ على خرج عن أوامره على خلاف خلفه قآاني الذي بدا كأنه لا يملك رؤية واضحة عن الحالة العراقية شديدة التقلب.
ولفت التقرير أيضا إلى أن قآاني لم يجد إلى جانبه شخصية عراقية نافذة كما كان الحال مع سلفه سليماني الذي كان يحظى بدعم أبومهدي المهندس قائد الحشد الشعبي، معددا كذلك الأسباب التي أثرت على جهود قائد فيلق القدس ‘الجديد’ في إعادة ترتيب البيت الشيعي العراقي ومنها على سبيل الذكر لا الحصر تعدد “أدوار المؤسسات الإيرانية العاملة في العراق ومزاحمتها للحرس الثوري”.
وقال التقرير الأميركي إنها “متغيرات انعكست بطريقة أو أخرى على دور قاآني أولا، والحرس الثوري ثانيا، في كيفية إدارة الصراع الشيعي- الشيعي في العراق”.
وخلص إلى أن هذا ما يفسر إلى حدّ ما إخفاق قآاني في احتواء الصدر وإقناعه بالعدول عن خطواته رغم انه زار بغداد لأكثر من مرة من أجل هذا الهدف، مضيفا أن ما أظهره الصدر من ردود فعل قوية ضد الدور الإيراني وما تبعه من شعارات رفعها نشطاء ثورة تشرين الرافضة للوجود الإيراني في العراق ، دفع إيران إلى اختيار البقاء في وضع المراقب للتطورات دون تدخل مباشر فيها.
وثمة أمر آخر يتعلق بالتفكك السياسي الذي برز في أوساط الأحزاب الشيعية العراقية الموالية لإيران وكذلك تعدد الخطابات داخل الإطار التنسيقي بعد انسحاب الصدر من العملية السياسية وبعد فض اعتصامه داخل المنطقة الخضراء، وتشير في مجملها إلى أن إيران فقدت السيطرة على ضبط مسار الصراع الحالي بين الإطار والتيار الصدري.
التقرير الأميركي عرض في جانب منه أيضا إلى وضع الصدر باعتبار أنه نجح إلى حد كبير في تغيير قواعد اللعبة السياسية، لكن هذا الأمر لا يحجب حقيقة انه لا يملك بشكل مطلق اليد الطولى في العراق، موضحا أن اعتزال المرجع الشيعي كاظم الحائري للعمل المرجعي أضعف الصدر وشكل ‘اعتزال’ الحائري إهانة لزعيم التيار الصدري واثار شكوك حول أهلية قيادته للتيار.
ويعتبر الحائر بمثابة الأب الروحي للتيار الصدري ومنه يستمد التيار قوته ومنه أيضا يستمد الصدر شرعية القيادة وهو الذي تتلمذ على يد الحائري.
الصدر لا يزال يقاوم المخطط الإيراني وأظهر قوة في مواجهة محاولة طهران تهميش آل الصدر ومركزيتهم داخل البيت الشيعي العراقي
والأمر يذهب أبعد من مجرد معركة لي أذرع بين الصدر من جهة وإيران والقوى الشيعية العراقية الموالية لها من جهة ثانية، فهو يتخطاها إلى الصراع المكتوم بين مرجعية النجف المحلية ومرجعية قم “الأممية الشيعية”، حيث تسعى الجمهورية الإسلامية إلى الحفاظ على قم كمرجعية مركزية وهو ما يفسر قيام الحائري الذي يقيم في إيران بحث أتباعه على دعم المرشد الأعلى في إيران اية الله علي خامنئي.
وقال تقرير معهد واشنطن، إن كل ذلك يصب بلا شك في مصلحة إيران ويمنحها أملا في وضع حد للصراع الشيعي بين مرجعتي قم والنجف “ومن ثم إعادة تشكيل العالم الشيعي وفق المركزية الإيرانية التي تقر بولاية الفقيه”.
ويشير التقرير إلى أن الصدر لا يزال يقاوم المخطط الإيراني وأنه اظهر قوة في مواجهة محاولة طهران تهميش آل الصدر ومركزيتهم داخل البيت الشيعي العراقي.
وبحسب التشخيص الذي قدمه المعهد الأميركي فإن مقتدى الصدر كان يمني نفسه بعد اغتيال واشنطن لقاسم سليماني أن تمنحه إيران اعترافا بمركزية التمثيل الشيعي العراقي وكان يطمح أيضا أن تلجأ له طهران لإدارة الوضع العراقي لكنه صدم بتهميشه من قبل القيادة الإيرانية التي لجأت بدلا منه إلى قيادات محلية أخرى وتعزيز دور حسن نصرالله أمين عام حزب الله اللبناني داخل العراق.
ويقول التقرير الأميركي إن الصدر يتمسك بثنائية قم والنجف وأنه لا يجوز لإيران تغيير هذه المعادلة وقد أكد بعد اعتزال الحائري أن المرجعية الشيعية في النجف وليس قم.