1

متى ستتوقف التصريحات الهوجاء الصادرة من واشنطن؟

ممدوح المهيني

المدير العام لقناتي «العربية» و«الحدث»

هوجاء وغير منطقية، تلك التصريحات الغاضبة الصادرة من واشنطن عن اصطفاف السعودية إلى جانب روسيا، بعد قرار «أوبك بلس» خفض الإنتاج مليوني برميل. والآن نرى الشخصيات الدبلوماسية الهادئة تسعى لإصلاح الضرر الذي خلَّفته؛ حيث شددت الخارجية الأميركية في تصريحها لـ«العربية» على أهمية المصالح الأمنية والحيوية بين الرياض وواشنطن، وعن وجود 70 ألف أميركي يقيمون في السعودية.
والذريعة التي استخدمها الغاضبون تستند إلى أسس واهية؛ لأن الرياض كان موقفها واضحاً منذ البداية بمعارضتها بوضوح للحرب، وكررت موقفها الرافض من التعدي على القانون الدولي، واحترام سيادة الدول، وصوتت في الجمعية العامة للأمم المتحدة مرتين على هذا الأمر. قبل أسابيع أخرجت أسرى حرب بينهم أميركيون بعد مفاوضات استمرت لأشهر، وأمس في اتصال هاتفي بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأوكراني زيلينسكي، قدمت السعودية مساعدات إنسانية بـ400 مليون دولار لدعم أوكرانيا.
على الرغم من كل هذا، من أين أتت تهمة الاصطفاف مع بوتين ودعمه مالياً من خلال إنعاش أسواق النفط لدعم خزينته، على الرغم من أن الشواهد تعارض ذلك، ويرفضها زيلينسكي العدو الأول للرئيس الروسي؟ الجواب: إنها حمى الانتخابات. وأتفق مع القائلين إنها حجج شعبوية تزدهر مع اقتراب الانتخابات النصفية. لطالما كان مزيج السعودية والنفط والسلاح وصفة مثالية في واشنطن، للساسة الطامحين لزيادة شعبيتهم المتعثرة، أو الباحثين عن أعذار لأخطائهم، أو الساعين للصعود وبناء سمعتهم. مضاف لتلك الوصفة الرابحة اسم بوتين، فيصبح من الصعب عليهم حينها مقاومة هذا الإغراء في الظهور، وإلقاء المفرقعات الكلامية.
قضايا كثيرة شبيهة بقضية «أوبك بلس» أحدثت الضجيج ذاته، نتذكر منها قضية 11 سبتمبر (أيلول) التي تحولت إلى قميص ملطخ بالدم، يُستخدم للمزايدة والابتزاز. وعلى الرغم من انتفاء الأدلة بتورط الحكومة السعودية في أي علاقة بالخاطفين، فقد تعرضت السعودية لحملات تتهمها بالوقوف خلف «القاعدة» في الوقت ذاته الذي كان فيه عناصر «القاعدة» يطلقون الرصاص على صدور رجال الأمن، ويفجرون المجمعات المكتظة بالسكان. ومع هذا استمر الهجوم حتى هذا اليوم حتى بعد قرار «أوبك بلس»؛ حيث قال عضو كونغرس مخاطباً السعوديين: «لم ننسَ 11 سبتمبر، وسنفتح الملفات»!
لكن ما الذي اختلف هذه المرة عن المرات السابقة؟ في تصوري أمران مثَّلا تغيراً في المشهد السياسي الداخلي في الأعوام الأخيرة. سابقاً كان الهيجان الانتخابي محدوداً ومحصوراً بالموسم، أي قبل أشهر من موعد الانتخابات؛ حيث تسخن الأجواء وتلتهب المشاعر قبل أن تبرد من جديد بعد ظهور النتائج. الآن وبسبب وسائل الإعلام ودخول منصات «السوشيال ميديا» والمؤثرين الصاخبين على الخط، فإن الموسم الانتخابي مستمر طوال العام. الضجيج الانتخابي لا يعرف التوقف، والمتصارعون الحزبيون لا يعرفون الراحة. لا يسأمون من البحث عن أي تغريدة أو جملة في خطاب، أو موقف مع ناخب، أو تصريح لمحطة تلفزيونية، أو لاجئ على الحدود، أو جريمة في شارع، من أجل استخدامها لإيذاء الخصم. فرضت هذه العناصر عقلية تحريضية تعبوية، وأفرزت نوعيات معينة من الساسة القادرين على تحريك هذه الجماهير الهائجة، حتى أصبحوا أسرى لها وخائفين من ردة فعلها، ويرددون التصريحات التي تروقها.
الرئيس ترمب لم يبلغ جمهوره أنه تلقى جرعات من اللقاح إلا بعد هزيمته، لخشيته من خسارة جزء من شعبيته. هذا يدفعنا إلى السبب الثاني، وهو أن هذا الهيجان والارتهان لعقلية القطيع كان سابقاً محصوراً فقط في الكونغرس، ملعب التحشيد السياسي ومسرح الخدع والألاعيب الانتخابية، ولكنه الآن تسلل إلى البيت الأبيض ومسؤوليه الذين باتوا يستجيبون لهذا الضغط، ما يدفعهم للإدلاء بتصريحات هائجة من شأنها أن تتسبب في أضرار وخلافات مع أقرب الحلفاء والأصدقاء. وهذا ما يحدث مع إدارة الرئيس بايدن الذي قال في البداية إنه سيجعل من السعودية منبوذة قبل أن يزورها لاحقاً، ويقول إنه سيعيد تقييم العلاقات مع الرياض قبل أن يصلح الدبلوماسيون الأضرار الناجمة عن هذا الحديث، بعد صدور بيان الخارجية السعودية الرافض للإملاءات.
لا نستبعد الخلافات في وجهات النظر وبعض الملفات، ولكن هذا حدث مع إدارات سابقة لم تخرج فيها التصريحات عن حدود اللغة الرسمية، ولكن مع دخول هذه العناصر الجديدة على المشهد، فمن المتوقع أن نسمع كثيراً من الاتهامات والتصريحات في أميركا الجديدة المنقسمة؛ حيث موسم التصريحات الخرقاء الواهية لا يعرف الإجازات.

التعليقات معطلة.