“هجمات يائسة”.. شهادات أوكرانيين عاشوا ضربات “المسيرات الإيرانية”
مصطفى هاشم – واشنطن
أوكرانيون ينددون بضربات الطائرات المسيرة أمام السفارة الإيرانية في كييف في 17 أكتوبر 2022
استيقظ دميترو فولكوفينيسكي (42 عاما)، الإثنين، مبكرا على وقع ضربات طائرات مسيرة استهدفت كييف، واتجه سريعا مع صديقه إلى الطابق السفلي للاحتماء من الهجمات التي عادت مؤخرا إلى العاصمة الأوكرانية بعد أشهر من الهدوء.
أما أولغا فيسنيانكا (36 عاما)، فكانت تعد قهوتها الصباحية عندما سمعت “هجمات المسيرات الإيرانية التي ضربت منطقتي، فلجأت إلى الحمام لأنه أكثر أمانا حيث يقع خلف ثلاثة جدران”.
وفي طريقها إلى الحمام، تقول فيسنيانكا لموقع “الحرة” إنها التقطت هاتفها واتصلت بوالديها اللذين يبلغان من العمر 75 عاما، وانتقلا مؤخرا من زابوريجيا إلى كييف، “على اعتبار أنها أكثر أمانا”، لتطلب منهم الابتعاد عن النوافذ تماما، “رغم أن أمي لا تستطيع السير بسهولة”.
ووجهت فيكتوريا نسترينكو التي تعيش في العاصمة سؤالا ساخرا للمسؤولين في السفارة الإيرانية في كييف، إن كانوا قد استطاعوا النوم جيدا وهم يسمعون ضربات الطائرات بدون طيار.
وقالت نسترينكو لموقع “الحرة”: “لقد شعرت اليوم بالرعب لأول مرة منذ وقت طويل. هذه الطائرات بدون طيار خطيرة للغاية، لأنها غير موجهة وغير مرئية لنظام الدفاع الجوي”.
رجال إطفاء أوكرانيون يعملون في مبنى مدمر بعد هجوم بطائرة بدون طيار في كييف في 17 أكتوبر 2022
وكانت أوكرانيا قد خفضت “بشكل كبير” من التواجد الدبلوماسي الإيراني بعد تصدير طهران طائرات بدون طيار لموسكو.
وخسر الجيش الروسي عددا من المسيّرات منذ بداية الحرب فيما تجد البلاد صعوبة في تصنيعها جراء العقوبات الدولية.
وقال نائب المتحدث باسم الخارجية الأميركية، فيدانت باتيل، الإثنين، إن “استخدام الطائرات الإيرانية المسيرة من قبل روسيا يدل على النقص الحاد في الأسلحة الروسية بسبب العقوبات عليها”.
لذلك، لجأت موسكو إلى إيران لاستيراد مسيّرات Mohajer-6، المخصصة للاستطلاع والهجوم، ونشرها فوق أوكرانيا وShahed-136 بعيدة المدى (2500 كلم).
طائرات مسيرة إيرانية تستخدمها روسيا في الحرب على أوكرانيا
بدأت ضربات المسيرات الإيرانية على كييف، بحسب فولكوفينيسكي، في العاشر من أكتوبر الجاري، وهو نفس التوقيت تقريبا الذي استخدمت فيه القوات الروسية هذه الطائرات بدون طيار في زابوريجيا، بحسب ميكولا كولوديازني، الذي يعيش في المنطقة المحررة من زابوريجيا، في حديثه مع موقع “الحرة”.
يحكي فولكوفينيسكي ما عاشه في حديثه مع موقع “الحرة”، ويقول: “عندما بدأت ضربات المسيرات قبل أسبوع كنت في المكتب وكان الأمر بأشبه بفيلم هوليودي كارثي، اضطررت للمبيت في المكتب أثناء حظر التجول”.
وهدأ القصف الروسي على كييف لعدة أشهر، قبل أن يطالها قصف غير مسبوق في العاشر من أكتوبر الجاري، من حيث كثافته ومداه، فأوقع 19 قتيلا على الأقل و105 جرحى، بعدما حمّلت موسكو، كييف مسؤولية انفجار استهدف جسرا يربط روسيا بشبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو من أوكرانيا عام 2014.
وتقول أولغا فيسنيانكا: “أنا غير مندهشة من عودة القصف الروسي على كييف، مع زيادة الهجمات وقصف بالمسيرات الإيرانية”.
وتضيف: “خلال الضربات بالطبع نحتاج إلى البحث عن مكان نختبئ فيه، سواء كان ملجأ تحت الأرض أو مكانا يحمينا في محاولة منا للبقاء على قيد الحياة”.
وتؤكد فيسنيانكا، وهي ناشطة في مجال حقوق الإنسان، أن “الهجمات تطال المدنيين وحتى الأطفال، هم يرتكبون إبادة جماعية للأمة الأوكرانية”.
أما زابوريجيا، فهي تعاني من قصف طوال الوقت، “نحن نسمع الهجمات الصاروخية منذ بداية الغزو الروسي الشامل، لكن طائرات كاميكازي الإيرانية بدون طيار ظهرت قبل أسبوع أو أسبوعين فقط”، بحسب كولوديازني.
طائرات مسيرة إيرانية تستخدمها روسيا في الحرب على أوكرانيا
ورغم القصف المتواصل، لم يرد كولوديازني الذي ينشط في منظمة تساعد اللاجئين خاصة النساء والأطفال، أن يكون مع الفارين “لأن هنا ببساطة مدينتي وبلدي، وأنا أفعل كل ما بوسعي للمساعدة في حماية السكان”.
يقول كولوديازني إن هناك فرقا بين الهجمات الصاروخية وطائرات الكاميكازي في صوت الهجوم. لكن لا فرق في النتيجة عندما تفجر هذه أو تلك منازل مسالمة ومدنيين”.
وأوضح أن “صوت الهجوم الصاروخي يشبه إلى حد ما صوت طائرة نفاثة، أما صوت طائرة بدون طيار يشبه صوت الدراجة البخارية. لا أعلم السبب لأنني لست خبيرا عسكريا، لكنني أعتقد أن لديهم محركات مختلفة”.
بالنسبة لفولكوفينسكي، فإنه يرى الأمر بشكل ساخر بعد أن تمكنت الشرطة الأوكرانية من إصابة إحدى الطائرات المسيرة برشاشات كلاشينكوف.
برشاشات كلاشينكوف.
وقال: “تمكنت دورية شرطة المدينة اليوم من إصابة طائرة بدون طيار واحدة على الأقل، في حين أنه لا يمكنك حماية نفسك من الصواريخ الثقيلة بنيران المدافع الرشاشة التي تطلقها القوات الروسية”.
ويعتقد فولكوفينيسكي، أن “الطائرات بدون طيار تركز بشكل أكبر على ضرب البنية التحتية للكهرباء والتدفئة، وتساعد حاملات القنابل على التحرك لبعض المسافات الكبيرة في عمق الأراضي الأوكرانية”.
واستهدفت العديد من الضربات منشآت حيوية في ثلاث مناطق من بينها العاصمة، تاركة “مئات الأحياء” بدون كهرباء، كما أفاد رئيس الوزراء الأوكراني، دينيس شميغال، متحدثا عن تنفيذ “خمس ضربات بطائرات مسيّرة” يعتقد أنها إيرانية الصنع على كييف و”هجمات صاروخية” على منطقتَي دنيبروبتروفسك (وسط شرق) وسومي (شمال شرق).
وفي كييف، أفادت خدمات الطوارئ أن طائرة مسيّرة استهدفت مبنى إداريا مكوّنا من تسعة طوابق. وبالإضافة إلى القتلى الأربعة الذين سقطوا في الهجوم وتم تحديدهم حتى الآن، أبلغ عن ثلاثة جرحى.
وخلال حديثنا مع أولغا، ضربت طائرات مسيرة مجددا منطقة قريبة منها في وسط العاصمة، وأصبحت تبحث عن مكان آمن لها.
“هجمات يائسة”
وبعد الهجوم الجديد، قالت أولغا فيسنيانكا لموقع “الحرة” بالنسبة لي لا فرق بين الضربات بالطائرات المسيرة الإيرانية أو الصواريخ التي تطلقها القوات الغازية. وتقول “لا فرق، هذا كله إرهاب”.
لكنها تؤكد أن “الهجمات بالطائرات المسيرة، تشعرنا بمزيد من القوة، وتزيدنا إصرارا على صد العدوان الروسي لأن هذا يعني أنه ضعيف، لأنه يستعين بغيره”.
ويعتبر فولكوفينيسكي أن الهجمات الروسية تبدو وكأنها هجمات “يائسة لعصابة إرهابية صغيرة، وليست دولة ذات 11 منطقة زمنية مختلفة”.
يعيش معظم أفراد عائلة فولكوفينسكي في روسيا، “والآن علي أن أجلس وأنتظر إذا ما إذا كان نظام بوتين سيُجند أبي ليقتلني أم لا، هل يمكنك أن تتخيل كيف أشعر؟”.
وأضاف أن عائلته ظنت بأنها ستحظى بحياة أفضل في روسيا، لكن فولكوفينيسكي أصبح يشعر بالأسف تجاههم بسبب الموقف الذي وضعوا أنفسهم فيه.
والإثنين، هدّدت الولايات المتحدة، بأنها ستتخذ إجراءات بحق الشركات والدول التي تتعاون مع برنامج الطائرات المسيّرة الإيرانية بعد أن استخدمتها روسيا في ضربات قاتلة على كييف.
وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل للصحفيين، إن “أي جهة تتعامل مع إيران قد تكون على علاقة بالطائرات المسيّرة أو تطوير الصواريخ البالستية أو تدفق الأسلحة من إيران إلى روسيا، يجب أن تكون حذرة جدا وأن تتخذ الاحتياطات اللازمة… لن تتردد الولايات المتحدة في استخدام العقوبات أو اتخاذ إجراءات ضد الجناة”.
وأضاف أن “تعميق روسيا تحالفها مع إيران أمر يجب أن يراه العالم بأسره على أنه تهديد كبير”.
وتابع باتيل نقلا عن معلومات استخبارية أميركية نشرت في وقت سابق، أن بعض الطائرات المسيرة الإيرانية التي تباع لروسيا يشوبها خلل.
وأشار إلى أن إرسال هذه الطائرات يظهر “الضغط الهائل” على روسيا بعد الخسائر التي تكبدتها في أوكرانيا.
وأضاف أن موسكو “مجبرة بصراحة على اللجوء إلى دول غير موثوق بها مثل إيران من أجل الحصول على إمدادات ومعدات”.
ونفت إيران بيع أي أسلحة لروسيا لاستخدامها في أوكرانيا. وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، الإثنين، إن طهران لم تزود روسيا بطائرات مسيرة لاستخدامها في أوكرانيا.
وأضاف خلال مؤتمر صحفي أسبوعي: “الأنباء المنشورة عن تزويد إيران روسيا بطائرات مسيرة لها أطماع سياسية، وتنشرها مصادر غربية، لم نوفر أسلحة لأي طرف من الدولتين المتحاربتين”.