نيويورك تايمز: الحرس الثوري أنزل قوات “صابرين” إلى الشوارع بعد فشل الباسيج في سحق الاحتجاجات
لندن- “القدس العربي”: نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعده بن هبارد وفرناز فصيحي، قالا فيه إن قوات الأمن الإيرانية الموالية، توفر الحماية للنظام الحاكم الذي يريد المتظاهرون التخلص منه. فالحرس الثوري، القوة العسكرية الضاربة، بات متجذرا في بنية السلطة واقتصاد البلد لدرجة أنه سيخسر كل شيء لو انهار النظام في طهران.
فالتظاهرات التي اجتاحت إيران منذ الشهر الماضي والدعوات للإطاحة بالجمهورية الإسلامية، هزّت الدولة. وهي احتجاجات توقعتها المؤسسة الدينية الحاكمة منذ الثورة عام 1979، التي أنشأت النظام الديني المحافظ الذي تمسك بالسلطة حتى اليوم. وفي نفس العام، أمر مؤسس الجمهورية، آية الله الخميني، بإنشاء الحرس الثوري لحماية النظام من الانقلابات والانشقاقات في الجيش النظامي. وتحول الحرس الثوري اليوم إلى أقوى منظمة عسكرية في البلاد وبمئات الآلاف من الجنود، وتغلغل في المؤسسات الاقتصادية، لدرجة أن بعض المحللين يناقشون اليوم أن إيران لم تعد جمهورية دينية يحكمها الملالي، بل دولة عسكرية يسيطر على الحرس الثوري.
وعلى مدى الأسابيع الماضية، كان الحرس إلى جانب قوة شرطة محلية ومتطوعين بالزي المدني يُعرفون بالباسيج على الخطوط الأمامية، ويمارسون أقسى الأساليب لسحق التظاهرات، وهي نفس الأساليب التي استخدمت لسحق احتجاجات سابقة. ولكنهم فشلوا في قمع الاحتجاجات. وبدلا من ذلك، ظهرت في شوارع طهران والمدن الأخرى مجموعات جديدة وقاسية ترتدي زياً أسود مموها، قال شهود عيان إنها من فرقة النخبة في الحرس الثوري والمعروفة بـ”صابرين”. وفي العادة ما يعتمد النظام على الباسيج كقوة شرطة محلية بهدف قمع التظاهرات، إلا أن الحرس الثوري قرر نشر أهم فرقة موالية لاستعادة السيطرة على الشوارع. وبهذه المثابة، بات مصير حركة الاحتجاج الأكبر منذ الثورة الخضراء عام 2009، معلقا بتماسك وولاء الحرس الثوري وقوات الأمن المتعددة الأخرى في البلاد، فقد ظلت هذه القوات عقبة كأداء أمام أي محاولة للإطاحة بنظام المتشددين من رجال الدين في إيران.
فالحرس الثوري، وهو قوة منفصلة وموازية للقوات النظامية، مكلف بحماية الحدود الإيرانية، إضافة إلى المرشد الأعلى للجمهورية والمسؤولين الكبار في النظام. ويقول الخبراء إنه بات متجذرا في نسيج الدولة الاقتصادي وبُنى السلطة، وإنه سيخسر الكثير لو سقط النظام. ويعلق أفشون أوسفاتور، المحاضر في كلية الدراسات العليا البحرية: “لا يهمهم كمنظمة خسارة الشعب أو الاضطرابات هنا أو هناك.. ما يهمهم هو الحفاظ على النظام وليس إيران”.
وتشمل القوات الإيرانية المسلحة طبقات متوازية بما فيها الجيش وقوات الأمن المكلفة بالشؤون المحلية، والحرس الثوري وميليشيا الباسيج بالزي المدني. وحتى هذا الوقت، لم تظهر أي تقارير عن انشقاقات في قوات الأمن، إلا أن هناك إشارات عن تعب في صفوف قوات الأمن التي واجهت المتظاهرين على مدى الأسابيع الماضية، ويشعر أفرادها بعدم الارتياح من مستويات العنف، خاصة ضد الفتيات، وذلك حسب شخص على معرفة بالنقاشات الأمنية. ولمنع الانشقاقات، حذر قادة الجيش والشرطة الجنود بأنه لو انهار النظام، فستقوم المعارضة بإعدامهم، وذلك حسب نفس الشخص الذي رفض الكشف عن هويته. وحتى لو حدثت انشقاقات، فسيعمل الحرس الثوري وقوات الباسيج على حماية النظام الحاكم.
وفتح الباسيج هذا الشهر النار على الطلاب، وضربوا أساتذة خلال مواجهات في جامعة شريف للتكنولوجيا، وهي مؤسسة علمية مرموقة في طهران، وذلك حسب لقطات فيديو وشهود عيان. وأرسلت الميليشيا إلى سجن إيفين سيئ السمعة، عندما اندلع حريق هائل فيه ليلة السبت، واندلعت مواجهات في جناح منه. وتعتقل السلطات في هذا السجن مئات من المعارضين والسجناء السياسيين.
ولدى الحرس الثوري ترسانة من الأسلحة تشمل صواريخ باليستية وبرامج لتصنيع الطائرات المسيرة. ويحتل قادة الحرس مناصب بارزة، بمن فيهم رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف. ويقوم فرع الاستخبارات باعتقال وتخويف المعارضين والناشطين السياسيين. وجند الفرع الخارجي للحرس، فيلق القدس، شبكات من الجماعات الوكيلة بما فيها حزب الله في لبنان وميليشيات في العراق وسوريا واليمن. ويملك قادة الحرس مصانع وشركات وفروعا في مجال المصارف وبنى تحتية وإسكانات وخطوطا جوية ويديرون شركات سياحة ومصالح في قطاعات أخرى.
ويلعب الحرس الثوري دورا في مساعدة إيران على التحايل على نظام العقوبات من خلال شبكة تهريب. ويتمتع باستقلال عن الحكومة حتى عندما يتم الكشف عن الفساد ويخرج للعلن. ويعتبر آية الله علي خامنئي القائد الأعلى للقوات المسلحة في البلاد، ويعمل الحرس مثل الجيش النظامي بهرم وقيادة خاصة به.
ويقول روهام الوندي، من مدرسة لندن للاقتصاد: “لا رقابة على المال ومن أين جاء وعلى ماذا ينفق.. أنت تتحدث عن جزء كبير من الدولة الإيرانية”. وتعتمد سلطة وثروة الحرس على نجاة النظام، ولهذا السبب يتعاملون مع الاحتجاجات كتهديد. ويضيف الوندي: “في القمة، لدى هؤلاء الكثير ليخسروه لو تحولت الأمور للعنف أو ضدهم”.
وبدأت التظاهرات الشهر الماضي بعد وفاة الفتاة مهسا أميني البالغة من العمر 22 عاما عندما اعتقلتها شرطة الأخلاق، بعدما اعتبروا أن حجابها غير مناسب. وتقول عائلتها إنها ماتت بعد تلقيها ضربة في الرأس، إلا أن السلطات الإيرانية تقول إنها ماتت بعد سكتة قلبية مفاجئة وهي في مركز الاحتجاز. وتقدر منظمات حقوق الإنسان أن 240 شخصا على الأقل قُتلوا في احتجاجات الشهر الماضي بينهم 28 طفلا. ويقول المسؤولون الإيرانيون إن 24 من قوات الأمن قتلوا أيضا.
وقادت التظاهرات النساء اللاتي حرقن الحجاب، وهتفن بشعارات مثل “الموت للديكتاتور” و”نساء، حياة، حرية”. وعبّرن عن الغضب من قادة البلاد المسؤولين عن عقود من الفساد وسوء الإدارة، وطالبن بالحرية الاجتماعية وتغيير الظرف السياسي والإطاحة بكامل النظام. ولم يتزحزح الحكام قيد أنملة ردا على هذه المطالب. وأمر المرشد الأعلى الذي له الكلمة الأخيرة في شؤون الدولة، المسؤولين بتجاهل التظاهرات وممارسة أعمالهم المعتادة، سواء داخلية أم خارجية. وأكد يوم الجمعة أن الثورة الإسلامية أدت لولادة دولة لا يمكن لأحد زعزعتها. وقال: “تلك البذور أنبتت الآن شجرة ضخمة ويجب ألا يفكر أحد بأنه يستطيع اقتلاعها”. إلا أن إرسال الحرس الثوري للشوارع، نُظر إليه كإشارة إلى أن الشجرة بدأت تهتز وتميل.
وقال جواد موغوي، صانع الأفلام الوثائقية المقرب من الحرس: “لقد تغير شكل القوات في الشوارع بشكل واضح”، وأضاف أن الحرس أرسل قوات من وحدة الكوماندو “صابرين”. وانتقد موغوي الذي يشغل والده وشقيقه مراكز عليا في الحرس، العنف ضد المتظاهرين: شرطة الشغب وهي تطلق النار على الحشود، عنصر في الأمن يجر امرأة من شعرها ويضرب رأسها بهراوة، ممثلة غادرت التحقيق بكدمات على وجهها. وفي الكثير من الحالات رد المتظاهرون على العنف برمي الحجارة على قوات الأمن وحرق سياراتهم وضرب عناصرهم، حسب شهود عيان ولقطات فيديو.
وقال موغوي إن عناصر بالزي المدني أطلقوا الرصاص المطاطي عليه في 2 تشرين الأول/ أكتوبر وضربوه بشكل سيئ على رأسه حتى فقد الوعي. كل هذا لأنه تدخل لحماية فتاة محتجة. وأمام القمع، وجد المتظاهرون طرقا لإرباك قوات الأمن. فالتظاهرات هي مجموعات صغيرة وموزعة على البلاد بشكل يصعّب على الحكومة تنظيم رد قوي وواسع. ولكن حركة الاحتجاج قد تواجه مشاكل إن لم تجد طرقا للاستمرار وتحديد قيادة وأجندة موحدة، حسب سنام وكيل من تشاتام هاوس في لندن.
ويقدم تاريخ الشرق الأوسط أمثلة متعددة حول أنظمة قمعية سحقت حركات مؤيدة للديمقراطية كما في تونس ومصر، وانهار اليمن ودخل حربا أهلية، وتعبر سوريا عن المذبحة الكبرى التي ارتكبها النظام ضد الشعب للحفاظ على بقائه. وربما لجأت قوات الأمن الإيرانية إلى نفس الأسلوب لو تعرض بقاؤها للتهديد، إلا أن منظورا كهذا قد يثير عدم ارتياح داخل النظام.
وقال المحلل غيث قريشي والذي يقدم الاستشارة للحكومة: “نخبر المسؤولين في اللقاءات أنهم لو لم يغيروا المسار فستصبح شرعية النظام على المحك، والطريقة الوحيدة لنجاة الجمهورية الإسلامية هي قتل مئات من الناس كل عدة أشهر”. وأضاف: “بات من الصعب وحتى المستحيل الدفاع عن السياسات المحلية”.
وفي آخر موجة من الاحتجاجات عام 2019، قتلت قوات الأمن أكثر من 400 شخص حسب جماعات حقوق الإنسان، مع أن العدد أكبر كما تقول. وهذه المرة فالنساء والشباب هم من يقودون الاحتجاجات، ودعت مشاهد العنف ضدهم لوقف القوات المسلحة القتل ووضع السلاح. ويقول أوستافور: “لا أعتقد أن قوات الجيش والأمن الإيرانية مهما كانوا قساة، مستعدون لحمل لقب قتلة بناتهم… عليهم قتل الكثير من النساء لإطفاء هذا ولن يقتلوهن جميعا”.