السوداني يكرّر تعهدات أسلافه بمكافحة الفساد… هل يخضع رئيس الحكومة العراقية المقبلة للضغوط الحزبية؟
المصدر: النهار العربيبغداد–محمد الجبوري
عراقيون في شارع الرشيد التاريخي وسط بغداد. (أ ف ب)
A+A-تواجه رئيس الوزراء العراقي المكلف محمد شياع السوداني تحديات كبيرة، ومهمته الأولى مكافحة الفساد الهائل في بلد يواجه أزمات غير مسبوقة، غير أنّ محللين يشككون في قدرة السوداني والحكومة التي يعتزم تأليفها على إمكان التصدي لأزمات لا حصر لها كون تلك المهمة مرتبطة بنفوذ جهات سياسية متجذرة في مفاصل الدولة وإداراتها. وكلّف رئيس الجمهورية العراقي الجديد عبد اللطيف رشيد، السوداني بتشكيل حكومة جديدة باعتباره مرشح الكتلة النيابية الأكبر.ويعد السوداني مرشح “الإطار التنسيقي” الذي يضم “ائتلاف دولة القانون” وقوى وجهات محسوبة على إيران أبرزها ميليشيا “عصائب أهل الحق”. تعهدات ولكن…وكان ترشيح السوداني بمثابة شرارة أشعلت التوتر بين “الإطار التنسيقي” والتيار الصدري الذي اعتصم مناصروه أمام البرلمان على مدى نحو شهر، مطالبين بحل البرلمان وإجراء انتخابات نيابية مبكرة.وتعهد السوداني الذي شغل سابقاً مناصب وزارية عدة، الأحد الماضي، باتخاذ إجراءات “حقيقية” لكبح جماح الفساد قائلاً في تغريدة: “لن نتوانى أبداً عن اتخاذ إجراءات حقيقية لكبح جماح الفساد الذي استشرى بكل وقاحة في مفاصل الدولة ومؤسساتها”. وأضاف: “وضعنا هذا الملف في أول أولويات برنامجنا ولن نسمح بأن تُستباح أموال العراقيين”، وهي تغريدة تزامنت مع فضيحة من العيار الثقيل بالكشف عن “سرقة” ما قيمته ملياران ونصف المليار دولار من أمانات الضرائب في مصرف الرافدين.
المراقب السياسي العراقي جمال الطائي يؤكد في حديث الى “النهار العربي” أن “ملف الفساد في العراق شائك ومعقد لكونه مرتبطاً بجهات سياسية كبيرة ومتنفذة”، لافتاً الى أن “كل الحكومات العراقية ما بعد عام 2003 تعهدت بالقضاء على الفساد المالي إلا أنها لم تنجح”.ويضيف أن “السوداني أمام مهمة صعبة في بلد يعاني من أزمات عدة منها ارتفاع البطالة والفقر وتدهور الخدمات والسلاح المتفلت، فضلاً عن أنه يعد مرشحاً توافقياً من قبل قوى الإطار التنسيقي”. ويتابع: “قد ينجح السوداني بكسب ثقة الشارع العراقي اذا لم يستسلم لقرارات الأحزاب السياسية والجماعات الإسلامية التي تدعمه إعلامياً، وبالتالي عليه أن يسير بخطى هادئة ومرضية باتجاه التيار الصدري”.ويرى الطائي أن “التيار الصدري يعد من أبرز التحديات التي يواجهها السوداني”. وكان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر قد أعلن رفضه مشاركة أي من التابعين لتياره في الحكومة المقبلة.وقال وزير الصدر، صالح محمد العراقي: “نشدد على رفضنا القاطع والواضح والصريح لمشاركة أي من التابعين لنا، ممن هم في الحكومات السابقة أو الحالية أو ممن هم خارجها أو ممّن انشقوا عنّا سابقاً أو لاحقاً، سواء من داخل العراق وخارجه أو أي من المحسوبين علينا بصورة مباشرة أو غير مباشرة بل مطلقاً وبأي عذر أو حجة كانت”. واعتبرت تغريدة وزير القائد أن الحكومة المزمع إعلانها “ائتلافية تبعية مليشيوية مجربة لم ولن تلبّي طموحات الشعب…”.كما أوصى بـ”عدم تحوّل العراق الى ألعوبة بيد الأجندات الخارجية، وألا يتحوّل السلاح الى الأيادي المتفلتة وأن لا تتحول أموال الشعب الى جيوب وبنوك الفاسدين”. تحديات من جهات عدةويرى الباحث السياسي العراقي إحسان الشمري في حديث لـ”النهار العربي” أن “ثمة تحديات عديدة أمام المكلف برئاسة الوزراء، أولها في داخل البيئة التي رشحته لأن بعض أطرافها يريد الهيمنة على القرار أو يرغب باستعادة السيطرة على مؤسسات الدولة، لذا فإن السوداني سيواجه رغبة تلك الأطراف”. كما أن هناك تحدياً مرتبطاً بتوجه الحكومة “الذي لا بد من أن يكون خاضعاً لمعايير علمية وليس لمعايير سياسية، ولا سيما أن السوداني قد وضع خططاً لمكافحة الفساد”، وفق الشمري.
ويلفت الى أن “اختيار التشكيلة الوزارية الحكومية يُعد تحدياً أيضاً بالنسبة إلى السوداني بما يخص الشخصيات التي تدير المناصب، ومقابل ذلك أيضاً سيواجه تحديات مهمة وأبرزها التيار الصدري وقوى تشرين والحركات المدنية السياسية الجديدة المنبثقة من احتجاجات تشرين”.ويشير الشمري الى أن “التحديات الأخيرة والمتمثلة بالصدريين والقوى المدنية مهمة وعلى السوداني أن يتعاطى بجدية مع هذا الملف بشكل كبير”. وكانت القوى السياسية الناشئة والكيانات الجديدة وعدد من الفعاليات الاجتماعية والمنظمات المحلية، إلى جانب عشرات الناشطين والمتظاهرين والمهتمين بالشأن السياسي في العراق أعلنوا عن ولادة تحالف “قوى التغيير الديموقراطية”، كحالة جديدة لمواجهة ما وصفوه بـ”القوى السياسية التقليدية والفصائل المسلحة المهيمنة على القرار السياسي”. وأعلن التحالف الجديد أنه يحمل برنامجاً سياسياً يمثل حالة “البديل السياسي” الجديد لجميع الأحزاب التي حكمت العراق بعد عام 2003. ويشترك في تحالف “قوى التغيير” أحزاب عدة، منها الحزب الشيوعي العراقي، و”البيت الوطني”، وحركة “نازل آخذ حقي”، وحزب “الوعد العراقي” وحزب “التيار الديموقراطي”، إضافة إلى حركات شبابية مثل حراك “البيت العراقي”، والعشرات من الناشطين والصحافيين من المجتمع المدني. كما أوفد حزب “المواطنة” برئاسة السياسي غيث التميمي، وحركة “امتداد”، شخصيات منهما حضرت فعاليات المؤتمر الذي عقد صباح السبت الماضي، في معرض بغداد الدولي وسط العاصمة العراقية.