1

عبدالله الأيوبي

من دمر العراق وليبيا يبكي على أوكرانيا!

أسقطت‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬يوم‭ ‬25‭ ‬فبراير‭ ‬الماضي،‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬أقنعة‭ ‬حاولت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وحلفاؤها‭ ‬عبر‭ ‬المحيطات‭ ‬التمسك‭ ‬بها‭ ‬للتستر‭ ‬على‭ ‬عوراتها،‭ ‬حيث‭ ‬كشفت‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬خجل‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬ممارسة‭ ‬سياسة‭ ‬الكيل‭ ‬بمكيالين‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الميادين‭ ‬السياسية‭ ‬والحقوقية‭ ‬والرياضية،‭ ‬ثم‭ ‬جاءت‭ ‬الضربات‭ ‬الصاروخية‭ ‬العنيفة‭ ‬التي‭ ‬وجهتها‭ ‬روسيا‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬مواقع‭ ‬البنى‭ ‬التحتية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬اتهام‭ ‬موسكو‭ ‬لكييف‭ ‬بالضلوع‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬التفجير‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬لها‭ ‬جسر‭ ‬القرم‭ ‬الرابط‭ ‬بين‭ ‬شبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬والأراضي‭ ‬الروسية،‭ ‬جاءت‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬لتكشف‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬الحضيض‭ ‬الذي‭ ‬وصلت‭ ‬إليه‭ ‬سياسة‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭.‬

بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الموقف‭ ‬السياسي‭ ‬من‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬ليس‭ ‬مهما‭ ‬موقف‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬العملية،‭ ‬فمواقفها‭ ‬معلنة‭ ‬من‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬للعملية،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬السخرية‭ ‬تلك‭ ‬الدموع‭ ‬التي‭ ‬سالت‭ ‬من‭ ‬عيون‭ ‬قادتها‭ ‬نتيجة‭ ‬ما‭ ‬خلفته‭ ‬الضربات‭ ‬الصاروخية‭ ‬الروسية‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬خسائر‭ ‬شديدة‭ ‬لحقت‭ ‬بالبنى‭ ‬التحتية‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬فواشنطن‭ ‬ومن‭ ‬خلفها‭ ‬حلفاؤها‭ ‬تباروا‭ ‬في‭ ‬إدانة‭ ‬هذه‭ ‬الضربات‭ ‬واعتبروها‭ ‬‮«‬اعتداءات‮»‬‭ ‬غير‭ ‬مبررة‭ ‬على‭ ‬دولة‭ ‬ذات‭ ‬سيادة،‭ ‬وتتناقض‭ ‬مع‭ ‬روح‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬والمضحك‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تدين‭ ‬ما‭ ‬تسميه‭ ‬بالعدوان‭ ‬الروسي‭ ‬وتتباكى‭ ‬على‭ ‬الخسائر‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬تحتفظ‭ ‬بسجل‭ ‬مليء‭ ‬بشتى‭ ‬أصناف‭ ‬الاعتداءات‭ ‬والتدخل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬للدول‭ ‬الأخرى‭.‬

لكن‭ ‬وقبل‭ ‬التعليق‭ ‬على‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬المتناقضة‭ ‬المليئة‭ ‬بالنفاق،‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬التوقف‭ ‬قليلا‭ ‬أمام‭ ‬الموقف‭ ‬الأكثر‭ ‬نفاقا‭ ‬وسخرية،‭ ‬وهو‭ ‬ذلك‭ ‬الذي‭ ‬صدر‭ ‬عن‭ ‬سلطات‭ ‬الاحتلال‭ ‬‮«‬الإسرائيلي‮»‬‭ ‬من‭ ‬إدانة‭ ‬للضربات‭ ‬الصاروخية‭ ‬الروسية‭ ‬الأخيرة،‭ ‬فهذه‭ ‬السلطات‭ ‬هي‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬الاعتداءات‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬ذات‭ ‬السيادة،‭ ‬وعليها‭ ‬أن‭ ‬تخجل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيرها‭ ‬حين‭ ‬يدور‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬وانتهاكه،‭ ‬فهذه‭ ‬السلطات‭ ‬تنفذ‭ ‬باستمرار‭ ‬اعتداءات‭ ‬بأسلحة‭ ‬مختلفة‭ ‬ضد‭ ‬أراضي‭ ‬الجمهورية‭ ‬العربية‭ ‬السورية‭ ‬وتقصف‭ ‬البنى‭ ‬التحتية‭ ‬المدنية،‭ ‬مثل‭ ‬مطار‭ ‬دمشق‭ ‬الدولي،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬غرابة‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬فهذه‭ ‬السلطات‭ ‬تسير‭ ‬على‭ ‬خطى‭ ‬مربيها‭ ‬الذين‭ ‬يوفرون‭ ‬لها‭ ‬الحماية‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬اشكال‭ ‬المساءلة‭ ‬والمحاسبة‭ ‬الجنائية‭.‬

عود‭ ‬على‭ ‬بدء،‭ ‬فالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وحلفاؤها‭ ‬الذين‭ ‬يدينون‭ ‬ما‭ ‬يسمونه‭ ‬بالعدوان‭ ‬الروسي‭ ‬على‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬ويتباكون‭ ‬على‭ ‬خسائر‭ ‬الشعب‭ ‬الأوكراني‭ ‬وبنيته‭ ‬التحتية،‭ ‬بل‭ ‬ويحاربون‭ ‬بطريقة‭ ‬غير‭ ‬مباشرة‭ ‬تقريبا‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬أوكرانيا‭ ‬ضد‭ ‬الروس،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تزويد‭ ‬الجيش‭ ‬الأوكراني‭ ‬بمختلف‭ ‬أنواع‭ ‬الأٍسلحة،‭ ‬هي‭ ‬ذاتها‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬أمطرت‭ ‬العراق‭ ‬ويوغوسلافيا‭ ‬وليبيا‭ ‬بآلاف‭ ‬الأطنان‭ ‬من‭ ‬القنابل‭ ‬ودمرت‭ ‬البنى‭ ‬التحتية‭ ‬لهذه‭ ‬الدول،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تضع‭ ‬أي‭ ‬اعتبار‭ ‬للسيادة‭ ‬الوطنية‭ ‬ومصالح‭ ‬شعوبها‭ ‬ولا‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭ ‬الذي‭ ‬تتحجج‭ ‬به‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭.‬

هناك‭ ‬من‭ ‬يتفق‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يختلف‭ ‬مع‭ ‬الحجة‭ ‬الروسية‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬وراء‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬بدأتها‭ ‬موسكو‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬فبراير‭ ‬الماضي،‭ ‬إذ‭ ‬ترى‭ ‬روسيا‭ ‬أن‭ ‬مساعي‭ ‬أوكرانيا‭ ‬للانضمام‭ ‬إلى‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬تمثل‭ ‬تهديدا‭ ‬مباشرا‭ ‬لأمنها‭ ‬الوطني،‭ ‬‮«‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يعطيها‭ ‬المبرر‮»‬‭ ‬لوقف‭ ‬هذا‭ ‬التهديد‭ ‬بجميع‭ ‬الوسائل،‭ ‬أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬يتعرض‭ ‬له‭ ‬السكان‭ ‬الناطقون‭ ‬باللغة‭ ‬الروسية‭ ‬من‭ ‬اضطهاد‭ ‬وتمييز‭ ‬عنصري‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬سلطات‭ ‬كييف،‭ ‬هذه‭ ‬حجج‭ ‬روسية،‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬المنطق‭ ‬والقبول‭ ‬أيضا،‭ ‬فأين‭ ‬المنطق‭ ‬والقبول‭ ‬بالحجج‭ ‬التي‭ ‬ساقتها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وحلفاؤها‭ ‬حين‭ ‬قرروا‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭ ‬وتدمير‭ ‬يوغوسلافيا‭ ‬والمشاركة‭ ‬المباشرة‭ ‬عسكريا‭ ‬في‭ ‬إسقاط‭ ‬نظام‭ ‬العقيد‭ ‬الليبي‭ ‬الراحل‭ ‬معمر‭ ‬القذافي‭ ‬وتحويل‭ ‬ليبيا‭ ‬إلى‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أخطر‭ ‬ساحات‭ ‬الإرهاب‭.‬

فعندما‭ ‬أقامت‭ ‬الدول‭ ‬أمريكا‭ ‬والدول‭ ‬الغربية‭ ‬الدنيا‭ ‬ولم‭ ‬تقعدها‭ ‬بسبب‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬فإنها‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬تتخذ‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬ولا‭ ‬عن‭ ‬سيادة‭ ‬أوكرانيا‭ ‬واستقلالها‭ ‬وسلامة‭ ‬أراضيها،‭ ‬فالأمثلة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النفاق‭ ‬كثيرة،‭ ‬ويكفي‭ ‬فقط‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬قضية‭ ‬فلسطين‭ ‬وما‭ ‬يتعلق‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬قرارات‭ ‬وقوانين‭ ‬دولية،‭ ‬كلها‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬حبر‭ ‬على‭ ‬ورق‭ ‬والسبب‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬مواقف‭ ‬أمريكا‭ ‬والدول‭ ‬الغربية‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬باعتبارها‭ ‬الداعم‭ ‬الأكبر‭ ‬لسلطات‭ ‬الاحتلال‭ ‬‮«‬الإسرائيلي‮»‬‭ ‬وتمكينها‭ ‬من‭ ‬تجاهل‭ ‬هذه‭ ‬القوانين‭ ‬وعدم‭ ‬تطبيقها‭ ‬للقرارات‭ ‬الأممية‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭.‬

فالعديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية،‭ ‬مثل‭ ‬فرنسا‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬عارضت‭ ‬الغزو‭ ‬الأمريكي‭ ‬للعراق‭ ‬عام‭ ‬2003‭ ‬واعتبرت‭ ‬تنفيذه‭ ‬بدون‭ ‬قرار‭ ‬من‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬خرقا‭ ‬للقانون،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬لم‭ ‬تذهب‭ ‬لمعاقبة‭ ‬المعتدي‭ ‬ولم‭ ‬تتبار‭ ‬على‭ ‬مقاطعته‭ ‬اقتصاديا‭ ‬وسياسيا،‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬الآن‭ ‬مع‭ ‬روسيا،‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬هو‭ ‬صراع‭ ‬نفوذ‭ ‬يتعدى‭ ‬نطاق‭ ‬الجغرافيا‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬وما‭ ‬يحشده‭ ‬الغرب‭ ‬وأمريكا‭ ‬من‭ ‬قوى‭ ‬دعم‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬له‭ ‬هدف‭ ‬وحيد‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬التنازل‭ ‬عن‭ ‬هيمنة‭ ‬القطب‭ ‬الواحد‭ ‬الذي‭ ‬نشأ‭ ‬بعد‭ ‬تفكك‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬السابق‭ ‬والمنظومة‭ ‬الاشتراكية‭.‬

التعليقات معطلة.