1

العراق الذي لم يتحوّل نحو الديمقراطية

آراء

فارس الخطاب

كاريكاتير الديمقراطية العراقية/ حجاج

+الخط

سعت الولايات المتحدة، في ما ادعت، عند احتلالها العراق عام 2003، إلى تحويل هذا البلد من نظام حكم استبدادي إلى نظام حكم ديمقراطي، ما يعني، في ما يعنيه، كتابة دستور جديد ينظم شؤون الحكم والحياة، ويضمن التوافقية في تداول شؤون الحكم ومؤسساته، وكذلك حقوق الإنسان وتسيّد القانون سلطة ضامنة لهذه الحقوق ومراقبة لتنفيذ بنود الدستور بنصّها وروحها وعلى الجميع.
كُتب الدستور، وبدعم وإشراف أميركي مباشرين، من لجنة ضمّت أعضاء في أحزاب سياسية مؤيدة للاحتلال، لم تكن متوازية في مرجعياتها الطائفية والعرقية، وممثلين عن بعثة الأمم المتحدة العاملة في العراق، ثم عُرض على الشعب العراقي للتصويت عليه في عام 2005، ويعلم الجميع أن العراقيين “السنّة” قاطعوا الاستفتاء، وخصوصا في محافظات الأنبار، صلاح الدين، نينوى، وديالى، لأسباب عديدة، أهمها رفض قيادات من أبناء هذه المحافظات قبول دستور كُتِب بإشراف ومتابعة من قوات الاحتلال وحاكمها المدني، كما أن بنود هذا الدستور مليئة بنصوص تكرّس موضوع المحاصصة الطائفية، وتدفع البلد نحو التقسيم بصيغة الأقاليم، ناهيك عن الظروف الأمنية التي كانت سمة تلك الفترة، وخصوصا في المحافظات المشار إليها.

كل محاولات تعديل فقرات دستور 2005 لم تنجح منذ ذلك العام

جرت الموافقة على الدستور العراقي الجديد في عام 2005، بنسبة 78% من مجموع المشاركين في الاستفتاء عليه، وهم، في الأغلب، من محافظات وسط العراق وجنوبه الـ”الشيعية”. وقد اعتبر الحاكم المدني لقوات الاحتلال هذه العملية إنجازاً تاريخياً لبلاده أولاً، ثم للعراقيين ثانياً، باعتبار أنها بداية طريق الألف ميل نحو الديمقراطية التي راهنت واشنطن أن يكون العراق الجديد فيها وبها مصدر إشعاعٍ وتنوير لعموم الشرق الأوسط، وتحديداً للمنطقة العربية، حتى بات المسؤولون الأميركيون يتحدثون بكثير من الزهو والتباهي عن الدول التي سيلحق بها التغيير والتحوّل نحو الديمقراطية. 
ومرّت السنون وحجم الشروخ بين مكونات الشعب العراقي يزداد اتساعاً بسبب مشكلاتٍ في نصوص الدستور، الذي عجز عن حسم نقاط خلافية جرى تأجيل حسمها إلى ما بعد الاستفتاء عليه، كنوع نظام الحكم؛ برلماني أم رئاسي، والمادة 140 الخاصة بالمناطق المتنازع عليها، ثم المادة المتعلقة بالكتلة البرلمانية الأكبر التي تتولّى مسؤولية ترشيح رئيس مجلس الوزراء. ورغم أن الاستفتاء على الدستور والموافقة عليه جريا عام 2005، إلا أن كل محاولات تعديل فقرات هذا الدستور لم تنجح منذ ذلك العام. ويشار هنا إلى أن محمد الحلبوسي، رئيس مجلس النواب الحالي، وبضغطٍ من تداعيات انتفاضة  أكتوبر 2019، قرر في الـ28 من الشهر نفسه تشكيل لجنة لتعديل الدستور، وحدد سقفاً زمنياً لإنجاز مهمتها وتقديم الاقتراحات إلى مجلس النواب أقصاها أربعة أشهر، إلا أنها، وبعد أكثر من سنة ونصف السنة، لم تقدّم شيئاً أكثر من تكرار ما هو معلوم من نقاط يرفضها العراقيون عموماً، والمحتجون خصوصاً. ولعل أهم أسباب تكرار المكرّر في المراوحة حول فقرات بعينها في هذا الدستور الخلافات العميقة داخل أركان العملية السياسية، وحرص جميع الأطراف على الإبقاء على مصالحها وهيمنتها السياسية والأمنية والمالية، في ظل ضبابية بعض فقرات هذا الدستور.

العراق الـ116 من بين 167 دولة في مؤشّر تطبيق الديمقراطية في العالم

قال القاضي وائل عبد اللطيف، وهو أحد أعضاء لجنة كتابة الدستور، إن لدى العراق أهم دستور في الوطن العربي، لجهة الاهتمام بحقوق الإنسان واللامركزية الإدارية بكل مستوياتها، بناءً على رغبة الشعب، إضافة إلى القوانين المرتبطة بالمحافظات غير المنتظمة في إقليم، والفدرالية واعتراف بإقليم كردستان وسلطاته وقوانينه، وأيضاً بالإدارات المحلية ومراعاة الأقليات والحكم الذاتي، ناهيك عن الثروات ومسائل كثيرة. ولكن بطبيعة الحال لا يوجد دستور متكامل في كل العالم، “والدستور العراقي تعرّض إلى قدح كبير من بعض الأحزاب والكيانات السياسية، وبعضها لم يقرأ الدستور أصلاً”. وأوضح عبد اللطيف أن “الدستور العراقي بحاجة حالياً إلى تعديل 15 مادة منه، ولن يؤثر هذا التعديل على شرعيته، بل هي استكمال لتطبيقه، ومنها الإيمان بالأمة العربية، ومنع العمل بقوانين الأحوال الشخصية التي تصنف العراقي أنه إما شيعي أو سني، إضافة إلى قانون النفط والغاز، وبعض صلاحيات رئيس الجمهورية، إضافة إلى تعديلات لغوية في الدستور”.
تبجح الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش الابن، كثيراً في موضوع الديمقراطية التي جلبتها بلاده إلى العراقيين، وعبّر، في مارس/ آذار 2004، عن ثقته بالعملية الديمقراطية في العراق. وقال إن “العراقيين يحققون تقدّما كبيرا، وإن أعضاء مجلس الحكم يجرون نقاشا حرّا وحماسيا لإعداد إطار جديد لحكم البلاد، وهذا القانون الإداري الانتقالي سيحمي حقوق جميع العراقيين، وسيدفع البلاد نحو مستقبل ديمقراطي”، ومنذ ثقة الرئيس الأميركي هذه، والعراقيون ينتظرون العيش الكريم في ظل نظام حكم ديمقراطي ضامن لحقوق المواطنة والحريات، لكنهم، وبدل استذكار حاكمٍ “مستبدٍ” واحد اسمُه صدّام حسين، باتوا تحت رحمة ديكتاتورياتٍ بعدد الأحزاب والتنظيمات والمليشيات والقوى الحاكمة والمتنفّذة والفاسدة في العراق الديمقراطي الجديد، الذي يحتل المرتبة 116 من بين 167 دولة في مؤشّر تطبيق الديمقراطية في العالم.

التعليقات معطلة.