1

أميركا والصين تحت ظلال المجابهة

جيسيكا تشين فايس

جيسيكا تشين فايس

لا تزال المنافسة والصراع بين الولايات المتحدة والصين في تصاعد. ففي الثاني من أغسطس (آب)، زارت رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، تايوان لعرض دعم الكونغرس للجزيرة التي تتمتع بالحكم الذاتي، متحدية احتجاجات الصين التي ترى أن زيارتها تتعارض مع سياسة «الصين الواحدة». وردت الصين بإجراء مناورات عسكرية بالذخيرة الحية واختبارات صاروخية وعمليات أخرى في مضيق تايوان.
في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، أمرت إدارة بايدن بوضع ضوابط شاملة على الصادرات لمنع الصين من الحصول على أشباه الموصلات الأكثر تقدماً والمعدات اللازمة لتصنيعها، ومنع أي شركة أميركية أو أجنبية من بيع أي معدات تستخدم التكنولوجيا الأميركية إلى الصين.
ربما لم تحدث هذه التطورات بشكل مفاجئ على خلفية التعاون المزداد بين الصين وروسيا بسبب اعتقادهما المشترك بأن أياً منهما لا يمكن أن يكون آمناً في نظام دولي تقوده الولايات المتحدة. ما عزز دعم الصين الخطابي والدبلوماسي للاجتياح الروسي لأوكرانيا كان الشعور بأن الولايات المتحدة يجب أن تتفوق على منافسيها الأوتوقراطيين لتشكيل مستقبل النظام الدولي.
تغامر المنافسة بين الولايات المتحدة والصين بأن تصبح غاية في حد ذاتها، ما يضغط على القادة في بكين وواشنطن لتبني مواقف متطرفة تهدف إلى إحباط بعضهم بعضاً وإزاحة الجهود لمواجهة التحديات العالمية مثل تغير المناخ، وانتشار الأوبئة.
في خطاب استمر نحو الساعتين أمام المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني الذي انعقد الأحد، صرح شي جينبينغ بثقة ظاهرة وتصفيق طويل، بأن «عجلات التاريخ تتجه نحو إعادة توحيد الصين وتجديد شباب الأمة الصينية». كثيراً ما أعلن شي أن الوقت في صالح الصين، وأنه يتعيّن على بكين التحلي بالصبر.
في خطابه الطويل، أشاد الزعيم الصيني بإنجازات الحزب، لكنه أيضاً شدّد أمام جمهوره على «العواصف الخطيرة» والمخاطر المحتملة في المستقبل. وأكد تقريره إلى مؤتمر الحزب أنه وسط «تغيرات عالمية غير معهودة منذ قرن من الزمان، دخلت التنمية الصينية حقبة تتزامن فيها الفرص الاستراتيجية مع المخاطر والتحديات».
تحت قيادة شي، استخدم الحزب الشيوعي تكتيكات أكثر عدوانية للدفاع عن شرعيته ومصالحه سعياً وراء السيادة الإقليمية والقبول كنظير قوي ومحترم من قبل الولايات المتحدة. لكن من غير المرجح أن يسعى الزعيم الصيني إلى صراع عسكري، إما لتحويل الانتباه عن التحديات المحلية أو للتحرك قبل أن تصل قوة الصين إلى ذروتها.
وأشار عالما السياسة تايلور فرافيل، وأندرو تشوب، إلى أن السياسة الخارجية الصينية تميل إلى أن تكون أكثر حذراً عندما ينشغل قادتها بالتحديات الداخلية. وشدد خطاب شي على كثير من «المشاكل عميقة الجذور» و«المهام الهائلة» التي تواجهها الصين، بدءاً من البطالة وعدم المساواة وانتهاء بالتحديات البيئية الخطيرة.
إن طموحات الصين وقدراتها على المدى الطويل هي عمل متواصل، خصوصاً في ظل تباطؤ نموها الاقتصادي. يدرك الحزب الشيوعي أن الصين لا تزال أضعف من الولايات المتحدة، وأن حملة التحديث لا تزال تعتمد على التكنولوجيا الدولية ورأس المال. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لتحقيق مزيد من الاكتفاء الذاتي، فقد أقر شي بأن «قدرة الصين على الابتكار العلمي والتكنولوجي ليست قوية بما يكفي بعد».
في ظل جهود شي لإظهار الثقة، تكمن تيارات خفية من عدم الرضا محلياً عن مدى تمسكه بسياسات «صفر كوفيد»، وسوء إدارة الاقتصاد وعزل الغرب. ورغم ذلك، ما دام أن شي يستطيع الإشارة إلى الجهود المتصورة التي تقودها الولايات المتحدة لاحتواء التنمية الصينية، فإن مناشداته للقومية الصينية ستستمر في كسب هذه المناقشات المحلية وتهميش المعارضة باعتبارها غير وطنية. ولا يزال كثير من الصينيين غير الراضين عن الطريقة التي حكم بها شي يشاركونه وجهة نظره، بأن الضغط والعقوبات الأميركية يهدفان إلى تقويض تنمية الصين والحفاظ على تفوق الولايات المتحدة.
وبالنظر إلى انعدام الثقة العميق على كلا الجانبين، فإن الخطوات المنسقة وأحادية الجانب للتراجع عن حافة الهاوية – الحدود الطوعية للسلوك بدلاً من القيود المفروضة على القدرات الجديدة – يمكن أن تمنح كلاً من الولايات المتحدة والصين متنفساً للتغلب على التحديات المحلية الحادة وتجاوز فترة محفوفة بالمخاطر.
يتمثل الخطر طويل الأمد في أن المنافسة غير المنضبطة ستغذي التوسع المفرط في الخارج، حيث سيزيد الدافع لمواجهة كل تهديد أو تحدٍ محتمل من قبل الآخر من صعوبة تركيز الموارد والاهتمام بتحقيق الأولويات والنتائج الإيجابية. في الولايات المتحدة، يمكن أن تؤدي المنافسة المتصاعدة إلى تفاقم الانقسامات المحلية وتقويض الديمقراطية. بالفعل، أدت زيادة كراهية الأجانب والعنف ضد الآسيويين في أميركا، ناهيك عن الجهود المكثفة لحماية أمن الأبحاث، إلى دفع أكثر من 60 في المائة من العلماء المولودين في الصين والعاملين في الولايات المتحدة – بما في ذلك المواطنون المتجنسون والمقيمون الدائمون – إلى التفكير في مغادرة البلاد.
ورأت الولايات المتحدة ذات مرة أن العالم سيكون أكثر أماناً مع الصين داخل النظام الدولي وليس خارجه. وقد أتى هذا الرهان ثماره إلى حد كبير ولا يزال أفضل من أي بديل. ولذلك يجب على القادة في الولايات المتحدة والصين الاستفادة من المنتديات الثنائية ومتعددة الأطراف، مثل مجموعة العشرين، لمناقشة الخطوات التي يمكن أن يتخذها كل جانب للابتعاد عن حافة الهاوية.
قد تكون العمليات العسكرية حول تايوان مكاناً جيداً للبدء، بما في ذلك الحد من المناورات الصينية عبر «الخط المتوسط»، وهو خط عازل غير رسمي لمضيق تايوان. لقد قوضت تصرفات بكين مصداقية تأكيداتها بأنها تفضل حل الخلافات عبر مضيق تايوان سلمياً. في خطابه الأحد الماضي، فتح شي أرضية جديدة قليلاً في تايوان، مؤكداً أن الصين «ستواصل النضال من أجل إعادة التوحيد السلمي» وحذر من «تدخل القوى الخارجية».
إن الدليل الملموس على «صبر» شي واستعداده للانخراط بشكل بناء من شأنه أن يقلل من إلحاح الدعوات المتزايدة في الولايات المتحدة لإطار سياسي جديد يؤكد التزاماً أميركياً أوضح بالدفاع عن تايوان.
على الرغم من حسن النية، فإن الدعوات للتغيير في سياسة الولايات المتحدة من المرجح أن تزيد من خطر هجوم صيني على تايوان، وهو الهجوم الذي تسعى الولايات المتحدة إلى ردعه. يجب أن تكون الولايات المتحدة مستعدة لإظهار رغبتها في تقييد الخطوات التي ترمز إلى الدعم الأميركي أكثر من تعزيز رفاهية تايوان، وقدرتها على مقاومة محاولات الضم بالإكراه.
سيشمل ذلك البيانات العامة والزيارات الرسمية التي من شأنها أن تعامل تايوان كدولة منفصلة أو كمن تستعيد علاقة أقرب إلى التحالف مع الجزيرة. ويجب أن تستمر إدارة بايدن في مساعدة تايوان على تقوية دفاعاتها والمضي قدماً في اتفاقيات التجارة والاستثمار التي من شأنها تعزيز العلاقات الاقتصادية.
لا يزال بإمكان الولايات المتحدة وحلفائها صياغة شروط معقولة للتعايش مع بكين، من خلال جعل العقوبات والمكافآت مشروطة بالسلوك الصيني. وهذا يتطلب توضيح أنه إذا امتنع قادة الصين عن السلوك المحظور، فيمكنهم توقع المكافأة بدلاً من الاستغلال.
يجب على الرئيسين شي وبايدن تركيز جهودهما على المستقبل الذي يسعيان إليه، بدلاً من المستقبل الذي يخشيانه. وبدلاً من الرد العكسي على كل مبادرة أو فكرة جديدة يطرحها الآخر، يجب على الصين والولايات المتحدة استثمار مزيد من الاهتمام والموارد في مقاييس النجاح التي لا يتم تحديدها من خلال تقويض أو اكتساب ميزة على الأخرى.
من الأهمية بمكان مقاومة القدرية والحفاظ على جرعة صحية من الشك ضد التقييمات الرهيبة التي يمكن أن تتحقق ذاتياً. إذا كان التعايش السلمي – حال كان تنافسياً – هو الهدف النهائي، فلن تحتاج واشنطن وبكين إلى ضرب بعضهما للانتصار.
* أستاذة بجامعة كورنيل ومؤلفة كتاب «الوطنيون الأقوياء: الاحتجاج القومي في العلاقات الخارجية للصين»

التعليقات معطلة.