1

هل تتمتع الأسواق المالية بقدر أعظم مما ينبغي من القوة؟

لا يعتد بأن المحافظين لا يزالون يتمتعون بغالبية كبيرة في البرلمان، فاللعبة انتهت

هاميش ماكراي صحافي وكاتب

بعد ستة أسابيع فقط على توليها رئاسة الحكومة البريطانية أعلنت ليز تراس استقالتها (رويترز)

هذه هي القوة – القوة الفجة والوحشية. أرغمت الأسواق المالية حكومة خامس أو سادس أضخم اقتصاد على مستوى العالم على إقالة وزير ماليتها، وأرغمت الحكومة على إقالة رئيسة وزرائها. لا يهم أن المحافظين لا يزالون يتمتعون بغالبية كبيرة في البرلمان، انتهت اللعبة.

نحن نعرف السبب. اعتبرت الأسواق أن البرنامج المالي للحكومة لم يكن جديراً بالثقة. لقد انطوى على اقتراض مزيد ومزيد من الأموال، وعلى القيام بذلك من دون انضباط [التزام قيود] يتمثل في إخضاع خططه إلى تقييم الهيئة الرقابية التي أنشئت لفحصها – مكتب مسؤولية الميزانية Office for Budget Responsibility.

لقد اعتُبِر إقراض الحكومة أكثر خطورة، وكما نعلم جميعاً، يجب على المقترضين الذين تتدنى تصنيفاتهم الائتمانية أن يدفعوا معدلات أعلى للفائدة. وقفزت عوائد السندات، ما أدى إلى زيادة التكاليف التي يتحملها المقترضون بالاسترليني جميعاً، بمن في ذلك مشترو المنازل في المملكة المتحدة. وهذا فرض التراجع.

تنفس كثير من الناس الصعداء. فالحكومة أُجبِرت على ضبط أوضاعها المالية. وبالنسبة إلى أنصار المعارضة، سيوفر ما جرى أكثر من مجرد ارتياح لأنه يزيد إلى حد كبير من فرص قيادة حزب العمال للحكومة المقبلة. فالناخبون يجدون صعوبة كبيرة في التسامح مع غياب للكفاءة المالية على هذا النطاق الهائل، لا سيما إذا ضرب أوضاعهم المالية الشخصية أيضاً.

لكن يتعين علينا أن نفكر في قوة الأسواق، ذلك أن مجموعة عشوائية من الناس قلبت في واقع الأمر حكومة منتخبة، وأننا نعلم منذ الانهيار المصرفي عام 2008 أن هذه الأسواق في حد ذاتها قادرة على ارتكاب أخطاء مذهلة. فما هي طبيعتها إذاً؟

فلنبدأ بأسواق السندات. مشترو السندات هم أي شخص أو مؤسسة ادخار تشتري أو تحتفظ بأوراقٍ مالية ذات معدل ثابت للفائدة، لكن في الممارسة العملية، هي سوق تهيمن عليها الأموال الأميركية.

جيمس كارفيل، المستشار السياسي للرئيس بيل كلينتون، أبدى خلال الحملة الرئاسية للأخير ملاحظة شهيرة مفادها: “كنت أفكر بأنني، إذا كان التقمص حقيقياً، أرغب في أن أعود إلى الحياة بوصفي الرئيس أو البابا أو ضارب بيسبول حقق 400 ضربة ناجحة في موسم واحد. لكن الآن أود أن أعود إلى الحياة كسوق للسندات. بوسع المرء إذا فعل أن يرهب الجميع”.

اقرأ المزيد

كان ذلك في أوائل تسعينيات القرن العشرين، عندما اضطرت حتى حكومة الولايات المتحدة إلى الانتباه إلى معدلات الفائدة البعيدة الأجل. وفي أوقات أخرى من التاريخ الحديث نسبياً مارست أسواق السندات قوتها.

أثناء أزمة منطقة اليورو عام 2011، اضطر عجز العديد من البلدان عن الاقتراض بمعدلات مقبولة إلى خفض الأجور والإنفاق العام، وصح ذلك في شكل خاص على اليونان، لكن أيضاً على إسبانيا وإيطاليا وإيرلندا. وفقد كثر من الناس وظائفهم، إذ بلغ معدل البطالة في إسبانيا 27 في المئة في أوائل عام 2013.

لكن بعد ذلك انتقلت السلطة إلى أيد أخرى. ذلك أن سياسات المصارف المركزية المتمثلة في خفض معدلات الفائدة القريبة الأجل إلى ما يقرب من الصفر (وجعلها سلبية في أوروبا) وضخ الأموال في النظام المالي من خلال “التيسير الكمي” كانت سبباً في خفض عوائد السندات في مختلف أنحاء العالم. وخلال الجزء الأكبر من عقد فقدت الأسواق قوتها.

والآن استعادت الأسواق قوتها، وكما كانت الحال قبلاً، تُعَد المؤسسات المالية الأميركية الطرف الفاعل الأهم في هذا المضمار. وفي داخل أوروبا، تشكل هيئات الادخار الوطنية المختلفة أهمية أعظم، ذلك أن المشترين الأميركيين ليسوا من المشترين البارزين للأوراق المالية المقومة باليورو. لكن هؤلاء المشترين يحددون الإيقاع في المملكة المتحدة، إما بشراء الدين وإما ببيعه كما حدث في الأسابيع الأخيرة.

سنرى ما سيحدث هذا الأسبوع، لكن الجمعة، جرى تداول سندات الحكومة البريطانية المستحقة بعد 10 سنوات، المعروفة أيضاً باسم السندات الذهبية، بفائدة أقل قليلاً من 4.4 في المئة. وسجلت سندات الولايات المتحدة المماثلة، سندات الخزانة التي تستحق بعد 10 سنوات، أكثر قليلاً من أربعة في المئة. بالتالي حددت الأسواق أنها ستطلب من الحكومة الأميركية أن تدفع فائدة تقل بنحو 0.3 في المئة عما ستطلبه من الحكومة البريطانية في مقابل سندات الحكومتين التي تستحق بعد 10 سنوات. لقد ارتفعت معدلات الفائدة المطلوبة من الحكومات كلها هذا العام بسرعة بالغة، لكن خلال الصيف، عندما كان ريشي سوناك يشغل منصب وزير المالية، كان بوسع المملكة المتحدة أن تقترض بتكاليف أقل مقارنة بالولايات المتحدة. لكنها لا تستطيع فعل ذلك الآن.

كما ترون، تتسم الأسواق بالمزاجية [الانسياق وراء نزوات]. ولكن هل سلطتها مبررة؟ هو سؤال تصعب الإجابة عليه بأي طريقة مرضية. أفضل إجابة يمكنني أن أقدمها هي القول إن الحكومات إذا نفذت سياسات مالية سليمة ستجد المستثمرين يصطفون لإقراضها المال. وهذه السياسات راسخة ولخصتها “القاعدة الذهبية” التي أرسيت في عهد غوردون براون، وتقضي بأن الحكومة لا ينبغي لها إلا أن تقترض للاستثمار، لا لتمويل الإنفاق الحالي، على مدى الدورة الاقتصادية.

والمشكلة تنطوي على تفسيرها. ففي نهاية المطاف، تبين أن براون فشل في الالتزام بقاعدته [بما أرساه من قواعد أو نظم] ولهذا السبب أنشأ جورج أوزبورن، وزير المالية لاحقاً، مكتب مسؤولية الميزانية عام 2010 كهيئة رقابة مستقلة.

لكن العالم غير مثالي. والأسواق ترتكب الأخطاء. هي تخضع إلى توجهات استثمارية، والتوجهات الاستثمارية تتغير. ولكن هناك غريزة قطيع [الجموع تنساق وراء ميولها بغض النظر عن عدم تمتعها بأغلبية] فحين تتدافع الأسواق، تُدَاس الحكومات تحت أقدامها. وهذا هو ما حدث بالضبط في الأسابيع الثلاثة الماضية.

التعليقات معطلة.