كأس العالم 2022.. تحدي دولة وشعب
عبدالله طالب المري – كلمة رئيس التحرير
الأربعاء 26 أكتوبر 202212:11 ص
يوم أمس وقف حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، مخاطباً شعبنا الوفي والعالم، من قاعة «تميم بن حمد» بمقر مجلس الشورى، حيث شمل سموه برعايته الكريمة افتتاح دور الانعقاد العادي الثاني من الفصل التشريعي الأول، الموافق لدور الانعقاد السنوي الحادي والخمسين للمجلس، الذي نعيش معه رسوخ دوره كمجلس منتخب، في تطور كبير لتوسيع المشاركة الشعبية في صنع القرار وفق رؤى وتوجيهات قيادتنا الرشيدة والأمينة على مستقبل وطننا.
خطاب سموه جاء بعد يومين من إطلاق شعار اليوم الوطني لهذا العام وهو «وحدتنا مصدر قوتنا»، وهو الشعار الذي يعيدنا بالذاكرة إلى 26 أكتوبر من العام الماضي، حيث كان الخطاب الأول لأمير البلاد المفدى أمام «المجلس المنتخب». في ذلك الخطاب كانت الرسالة الأبرز التي وجهها سموه إلى الشعب هى تأكيده على «أهمية تغليب الشعور بالوحدة الوطنية على عوامل القبلية».
إذن «وحدتنا مصدر قوتنا» هي الحقيقة التي يعيها كل فرد مخلص على هذه الأرض الطيبة، لتعزيز أركان التعاضد والتكافل بين مختلف مكونات مجتمعنا.
وإذا كان الأمير المفدى في الخطاب الأول، حدد معالم السياسة العامة للدولة، كما استعرض الإنجازات والتحديات والتطلعات ومواقف قطر الثابتة من الأوضاع الراهنة والمتغيّرات الدولية، فقد كان طبيعياً أن يشغل «الحدث الكبير المنتظر» حيزاً كبيراً من الخطاب السامي.
إنه الحدث الذي قادت قطر من خلاله آمال وطموحات كل أمتها العربية، بأن يكون لها مكان بين الكبار الذين ينظمون كأس العالم لكرة القدم، وهو الحلم الذي لم يتبقَ على تحققه وتحوله إلى واقع سوى ثلاثة أسابيع، بعد اثنتي عشرة سنة كاملة من العمل الدؤوب، خاض في ظله وطننا الكثير من التحديات وتجاوز كل العراقيل حتى أنجز بنية تحتية من ملاعب وطرق ومنشآت، أجمع كل من شاهدها من الشخصيات العالمية، أن قطر ستقدم نسخة مونديالية استثنائية ومبهرة.
إن التحدي الأكبر الذي انتصرت فيه قطر بهذا الملف، إنها وفق ما ذكر سمو الأمير « تعرضت إلى حملة غير مسبوقة لم يتعرض لها أي بلد مضيف»، وهى الحملة التي «تتضمن افتراءات وازدواجية معايير حتى بلغت من الضراوة مبلغاً جعل العديد يتساءلون للأسف عن الأسباب والدوافع الحقيقية من وراء هذه الحملة».
إن هذه البطولة الكبرى ليست فقط منافسة رياضية بين المنتخبات التي تخطت مرحلة التصفيات الطويلة والصعبة، بل إنها وفق ما ذكر صاحب السمو «مناسبة نظهر فيها (من نحن) ليس فقط لناحية قوة اقتصادنا ومؤسساتنا، بل أيضاً على مستوى هويتنا الحضارية».
والمؤكد أننا كل أبناء هذا الوطن ندرك معنى كلمات صاحب السمو بأن «هذا امتحان كبير لدولة بحجم قطر، التي تثير إعجاب العالم أجمع بما حققته وتحققه. لقد قبلنا هذا التحدي إيماناً بقدرتنا، نحن القطريين، على التصدي للمهمة وإنجاحها، وإدراكاً منا لأهمية استضافة حدث كبير مثل كأس العالم في الوطن العربي»، ومثلما عمل كل مواطن كل في موقعه لإبراز قدرات بلادنا على تنظيم المونديال، فإن مسؤوليتنا مضاعفة حينما تبدأ البطولة لنعطي الصورة الإيجابية والوجه الحضاري لهذا الوطن الذي ستكون كل أنظار العالم مسلطة عليه طوال أيام الحدث الكبير.
الشأن الاقتصادي كان حاضرا أيضا بقوة في الخطاب السامي، خاصة بعد أضرار جائحة كورونا، ثم «الأزمة الروسية الأوكرانية التي جاءت لتصيب الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية بأضرار تزداد تفاقماً يوماً بعد يوم».
ونحمد الله- مع سمو الأمير – في أن قطر كانت «في مقدمة الدول التي نجحت، بما اتخذته من إجراءات على المستوى الوطني في التعامل مع تلك الآثار السلبية والتخفيف منها، ليس على المستوى الحكومي والقطاع العام فحسب، بل أيضاً على مستوى إيلاء الاهتمام للقطاع الخاص»، وتأكيد سموه أن الاقتصاد القطري «واصل النمو خلال العام الجاري، بعد التراجع الذي حدث عام 2020. حيث تشير البيانات الأولية إلى نمو الناتج المحلي خلال النصف الأول من العام بنسبة 4.3 بالمئة مدعوماً بنمو القطاع غير النفطي بنسبة 7.3 بالمئة مقارنة بالفترة المماثلة من العام السابق. وأدى الارتفاع في أسعار الطاقة إلى تحويل عجز الموازنة المتوقع في بداية العام إلى فائض بنحو 47.3 مليار ريال في النصف الأول من العام. وسيتم توجيه فائض الموازنة إلى خفض مستوى الدين العام، وزيادة الاحتياطات المالية للدولة.»
كما تطرق سموه إلى النهضة التشريعية في قطر والتي استكملت بموجبها قوانين أساسية تنظم مختلف أوجه الحياة والمعاملات في الدولة. وهنا أكد سموه أن تطوير أنظمة العدالة «يأتي في مقدمة أولوياتنا، لتحقيق العدالة الناجزة التي لا غنى عنها لاستقرار المعاملات، وكفالة الحقوق، فالعدالة البطيئة، كما ذكرت سابقاً في هذا المجلس الموقر، هي نوع من الظلم».
وهناك نقطة مهمة يجب التوقف عندها كثيرا في خطاب سموه، والمتعلقة بـ «بناء الإنسان، المواطن المسؤول القادر على أن يكون ركيزةً لهذا كله، والذي يعرف واجباته الوطنية وحقوقه، ويعرف قيمة ما لديه، ويتطلع إلى ما يتجاوز القيم المادية الاستهلاكية، ويقدم الجوهر على المظهر، ويفهم أن الدين أخلاق قبل كل شيء، ويدرك أن المبادرة والعمل أفضل من الاتكالية التي تجر التذمر والشكوى، وأن النقد مفيد فقط إذا كان قائماً على معلومة صحيحة وعلى فهم للسياقات، ويقدر دور كل من يعمل في هذا البلد».
إن رؤية صاحب السمو على الدوام بأن أغلى استثمار لوطننا هو «الاستثمار في بناء الإنسان القطري» باعتباره أثمن ثروة في البلاد، فعلى أكتافه سنواصل مسيرتنا في بناء دولة عصرية، لا تتخلى عن جذورها وهويتها.
ستبقى قطر السؤدد والمجد -شعباً وقيادة- على قلب رجل واحد، يبنون وطناً يرى كل أبنائه أن نجاحه لا يُحسب فقط لأهله، بل لشركاء نهضتنا من الأشقاء والأصدقاء المقيمين الذين يعيشون بيننا، وليضاف أي نجاح تحققه قطر إلى رصيد العرب من المحيط إلى الخليج، والكل على الوعد يترقب انطلاق كأس العالم، ثم اليوم الوطني لهذا العام والذي سيكون فيه استاد لوسيل محل أنظار الكرة الأرضية باستضافة نهائي مونديال 2022، الذي بذل فيه وطننا طوال سنوات عمل كبير استطعنا أن نختصر المسافات والسنوات لتكون قطر في غضون ١٢ عاما جاهزة في كل الاتجاهات، فرغم ما تعرض له وطننا من حملة إعلامية ممنهجة الا أن سواعد القطريين عملت ومازالت تعمل لتخرج البطولة مشرّفة لكل أمتنا على امتداد الوطن الكبير من المحيط إلى الخليج.