سجال بين حكومة الدبيبة ومصر عنوانه “خريطة الطريق”
الأمم المتحدة تتمسك بخطتها للحل السياسي في ليبيا ودعوات محلية لمسارات بديلة
زايد هدية مراسل السبت 25 يونيو 2022 13:44
الفشل في تنفيذ اتفاق رعته الأمم المتحدة لم يكن الأول من نوعه في ليبيا (أ ف ب)
انقضت الفترة الزمنية المحددة لاتفاق جنيف، الذي وقعته الأطراف الليبية عام 2022، واتفقت فيه على خريطة طريق لحل الأزمة الليبية تفضي إلى انتخابات رئاسية في ديسمبر (كانون الأول) 2021، وبرلمانية في يونيو (حزيران) من العام الحالي، من دون أن تنجح في تحقيق شيء من ذلك، مع تعثر المفاوضات السياسية في مراحلها الأخيرة على المسار السياسي والاقتصادي والعسكري وأخيراً الدستوري.
هذا الفشل في تنفيذ اتفاق رعته الأمم المتحدة لم يكن الأول من نوعه في ليبيا، بعد أن أدى الاتفاق الذي أشرفت عليه في الصخيرات المغربية عام 2015إلى تعميق الأزمة بدلاً من حلها، وسيقت البلاد إلى انقسام سياسي وحروب ضارية، وهو ما بات يُخشى تكراره مع اتفاق جنيف، ما دفع كثيراً من الشخصيات الليبية البارزة للدعوة للبحث عن حل ليبي – ليبي ينهي الأزمة من جذورها.
ودخلت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، التي تنتهي ولايتها بنهاية اتفاق جنيف، في معارك مع كل الأطراف الداعية للالتزام بهذا الجدول الزمني، في الداخل والخارج، من بينها مصر، التي هاجمتها وزارة الخارجية في الحكومة ضمن بيان رسمي.
إصرار الأمم المتحدة
ومع احتدام النقاش في ليبيا في شأن ضرورة الالتزام بالمدة الزمنية المحددة لاتفاق جنيف، واعتباره منتهي الصلاحية بنهاية الشهر الحالي، والبحث عن مسارات بديلة قد تنجح في حل المعضلة الليبية، التي فشلت المبادرات الأممية في فك رموزها على مدار سبع سنوات، تمسكت الأمم المتحدة بالخطة التي تنتهجها بعثتها في ليبيا لدفع الفرقاء الليبيين للتوافق على حل يضمن تنظيم الانتخابات بعد مرحلة انتقالية قصيرة جديدة.
في السياق، قال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، إن “المستشارة الخاصة ستيفاني وليامز، تواصل المشاركة المكثفة مع الأطراف الليبية وأعضاء المجتمع الدولي، لضمان تهيئة الظروف لإجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن على أساس دستوري وقانوني توافقي”.
وأوضح دوجاريك، في إيجاز صحافي، أن “الأمم المتحدة على الرغم من الصعوبات لن تستسلم للواقع، وستستمر في جهودها للوصول بالبلاد إلى الانتخابات وتحقيق الرفاهية والمستقبل الزاهر لليبيين”.
وأضاف،” من الواضح صعوبة عقد الحوار في ليبيا في ظل وجود الانقسام، ولكن من السهل من الناحيتين اللوجيستية والدبلوماسية التقاء الأطراف خارج البلاد”.
اختلفت بعض الشخصيات، التي تمثل الفرقاء السياسين في ليبيا، في التعاطي مع بيان الأمم المتحدة، وإصرارها على المضي قدماً في تنفيذ خطتها لمشروع الحل السياسي لأزمة البلاد، بين متمسك بالسعي وراء خيارات بديلة عن المبادرات الأممية المتعثرة، والمطالب بتعديلها على الأقل، ومن يرى فيها أملاً وحيداً لإنهاء النزاع الليبي.
واعتبر عضو مجلس النواب، محمد الحنيش، أن” بيان الأمم المتحدة يعكس تمسكها بنتائج ملتقى الحوار السياسي في جنيف والأجسام المنبثقة عنه، ممثلة في المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية، طالما لم تجر الانتخابات وتحل الأزمة الدستورية”.
ودافع الحنيش عن رغبة البعثة الأممية في استمرار المفاوضات التي ترعاها حتى الوصول إلى حل نهائي للخلافات السياسية، قائلاً، إن “الأمم المتحدة حريصة على تثبيت الاستقرار في ليبيا وعدم انزلاق البلاد في الفوضى والفراغ السياسي، وتعتبر حكومة الوحدة حكومة الأمر الواقع”.
الالتزام بالوعاء الزمني
في المقابل، قال عضو مجلس النواب، سليمان الفقيه، إن” البعثة الأممية هي من استخدمت تاريخ 22 يونيو نهاية لاتفاق جنيف، حيث حددت المدة الزمنية لخريطة الطريق بـ18 شهراً”.
ورأى أنه “بعد فشل حكومة الدبيبة في إجراء الانتخابات أصبح من الواجب البحث عن بديل، وهذا ما فعله مجلسا النواب والدولة بتوافقهما على اختيار حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا، إلا أن البعثة لم يرضها الحل الليبي_ الليبي، وأرادت التدخل وفرض إرادتها”.
عضو مجلس الدولة سعد بن شرادة، ذهب إلى ما هو أبعد من التخلي عن خريطة الطريق التي ترعاها البعثة الأممية في ليبيا. وطالب برحيلها من البلاد، مؤكداً، “استمرار وجود البعثة الأممية والمستشارة الخاصة في ليبيا يعني إفشال الاتفاق الليبي_ الليبي، وضرب شرعية مجلسي النواب والدولة”.
واعتبر أن “مطالبة الأمم المتحدة بعدم استغلال تاريخ 22 يونيو أداة للتوظيف السياسي يعد إرباكاً للمشهد الليبي وتلاعباً بالألفاظ، لأن نهاية خريطة طريق ملتقى الحوار في الشهر الحالي موعد لا لبس فيه، حتى ولو لم تجر الانتخابات البرلمانية والرئاسية”.
اقرأ المزيد
- بعد فشل “التوافق السياسي”… هل تقترب ليبيا من الحرب الأهلية؟
- بيان أميركي أوروبي يدعو قادة ليبيا إلى الاتفاق على مسار للانتخابات
- الجمود السياسي يفاقم الاشتباكات المسلحة في ليبيا
من جانبها، أبدت حكومة الوحدة في طرابلس برئاسة عبد الحميد الدبيبة، أبرز الأطراف المعنية بدعوات الالتزام بالموعد الزمني الخاص باتفاق جنيف، رفضها التخلي عن السلطة التزاماً بالفترة المحددة لولايتها في هذا الاتفاق، معتبرة هذه الدعوات “تلاعباً لأغراض سياسية”.
وبسبب هذه الدعوات، دخلت الحكومة في سجال معلن مع عدد من الأطراف المحلية والإقليمية، أبرزها مصر.
وبدأت الأزمة بين الطرفين مع نشر وزارة الخارجية في الحكومة الليبية بياناً عن استقبال وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية، محمد خليل عيسى، القائم بالأعمال بالسفارة المصرية لدى ليبيا، تامر مصطفى.
وقالت وزارة الخارجية، في بيان، إن “عيسى أبلغ المندوب المصري باستياء وزارة الخارجية من الطريقة السيئة التي تتم فيها معاملة المواطنين الليبيين خلال دخولهم وخروجهم من الأراضي المصرية عبر منفذ السلوم البري، والإشكالات الأخرى الموجودة داخل المعبر”.
ونقل بيان الخارجية الليبية، عن القائم بالأعمال المصري رفضه لهذه الأفعال المشينة، وبأنها غير مقبولة بالمرة ومستهجنة، وسيعمل بشكل جدي على نقل هذه المشكلات إلى السلطات المصرية المتخصصة وموافاة وزارة الخارجية الليبية بالرد.
وزارة الخارجية المصرية، أبدت انزعاجها من هذا البيان وردت عليه سريعاً، نافية ما ورد على لسان تامر مصطفى في بيان الجانب الليبي.
وأكدت الخارجية المصرية في بيانها، أن “الحكومة المصرية توفر جميع سبل الرعاية وحسن المعاملة لليبيين”، الذين وصفتهم بـ”الأشقاء”.
وأهابت الخارجية المصرية بضرورة تحري الدقة في ما ينقل من بيانات في شأن أوضاع جاليتي البلدين بما يتواءم مع خصوصية العلاقات المصرية – الليبية.
وخلص البيان المصري إلى أنه” ليس من المستغرب أن تحاول بعض الأطراف تناول بيانات غير دقيقة في محاولة لتشتيت الانتباه، لا سيما مع حلول تاريخ 22 يونيو، موعد انتهاء خريطة طريق ملتقى الحوار السياسي وولاية حكومة الوحدة الوطنية الليبية المنبثقة عنه”، في إشارة إلى افتعال حكومة الدبيبة الأزمة للتغطية على موعد انتهاء ولايتها في السلطة.
استياء الخارجية الليبية
بيان الخارجية المصرية، فجر غضب نظيرتها الليبية، في بيان حاد، أبدت فيه استغرابها من تصريحات المتحدث باسم الخارجية المصرية في شأن الحكومة، وخريطة طريق ملتقى الحوار السياسي الموقع في جنيف، واعتبرته “تدخلاً في الشأن الليبي، وتعدياً على السيادة الوطنية، باعتبار العملية السياسية ملكية وطنية لليبيين وحدهم، وليس لدولة أن تحدد تاريخ بدء أو انتهاء المواعيد السياسية الليبية”.
وأضافت الوزارة، أن” اتفاق جنيف أكد على انتهاء المرحلة الانتقالية بإجراء الانتخابات، وجعل المواعيد تنظيمية وليست ملزمة”. ورأت أن “مثل هذه البيانات لها تداعيات خطيرة على أمن واستقرار ليبيا، وأن ليبيا قادرة بقياداتها وشبابها أن تقرر مصيرها”.