مراجعة دوائر الدولة تستنزف الوقت والمال في العراق
قضايا وناس بغداد
عمار حميد
قرب كل بناية حكومية في العراق ينتشر من يعرفون بـ”المُعقّبون”، وعادة ما يعملون تحت غطاء محل طباعة وبيع القرطاسية، أو محال بيع الاستمارات، ويرتبط هؤلاء بموظفين داخل الدوائر لتنسيق إنهاء المعاملات مقابل تقاضي رشوة لإنجازها سريعاً من دون أن يضطر الموظف إلى التعامل مع المواطنين بشكل مباشر.
وتبرز حلقة أخرى في المعاملات هي “المُعتمد”، وهو الذي ينقل البريد بين الدوائر، ويعتبر حالياً من الوظائف المطلوبة نظراً للحصيلة المالية التي يجنيها من العراقيين الذين يدفعون مضطرين، بينما الآخرون الذين لا يملكون المال يتعين عليهم الانتظار طويلاً قبل استكمال معاملاتهم.
عادة ما تتطلب مراجعة الدوائر الحكومية الحكومية للحصول على أوراق رسمية عدة أشهر، في حال لم يقم المواطن بدفع مبالغ مالية لهؤلاء، أولبعض العاملين في تلك الدوائر، رغم أن المعاملة يمكن إنجازها في يوم واحد.
فاطمة عبد الله عراقية مقيمة في لبنان، وعادت إلى بغداد من أجل استكمال معاملة خاصة بأولادها، ومعها وكالة موثقة من زوجها، ووفقاً للنظام المتبع، يتوجب أن تحصل هذه الوكالة على ما يعرف بـ”صحة الصدور”، وهو ما يتطلب الذهاب لوزارة الخارجية من أجل التصديق.
لكنها دفعت 300 دولار لصاحب مكتب استنساخ قريب من وزارة الخارجية من أجل تسريع التصديق وإنهاء المعاملة قبل موعد العودة إلى بيروت. تقول عبد الله لـ”العربي الجديد”: “لو لم أدفع لاستغرقت المعاملة نحو أسبوعين في الوزارة، عدا عن طوابير الانتظار، وسوء المعاملة على الشبابيك مع المراجعين”.
ويقول مواطنون آخرون إن إنجاز أي معاملة في دوائر الدولة يحتاج الى مراجعات كثيرة، وانتقال من مكان لآخر في ظل زحام الشوارع، والوقوف في طوابير طويلة عدة ساعات، فضلاً عن إنفاق مبالغ مالية كبيرة.
يقول أنس الشعباني لـ”العربي الجديد” إن “مراجعة دوائر الدولة أصبحت معاناة للعراقيين بسبب الروتين المتبع في أغلب دوائر الدولة. المواطن يحتاج لإكمال معاملته إلى وساطة قوية، واستنساخ كثير من الأوراق الثبوتية، ودفع رشى للموظفين، والوقوف ساعات في طوابير طويلة تحت أشعة الشمس، في حين أن الموظفين غير مبالين بمعاناة المواطنين، رغم أن من بينهم أعدادا من كبار السن والمرضى”.
ويشكو ياسر الشمري من الإجراءات المتبعة في دائرة التقاعد، ويقول لـ”العربي الجديد” إن “مراجعة دائرة التقاعد تتطلب من المواطن أياماً كثيرة ووقتاً وجهداً ومالاً لإنجاز معاملته، وحتى لو أحضر كافة أوراقه الثبوتية، فإن معاملته لن تُنجز بحجة وجود نقص في المستمسكات الشخصية، أو المعلومات الخاصة بالمعاملة. أغلب الموظفين في دوائر الدولة اعتادوا على هذا في تعاملهم مع المواطنين، والبعض يتعمدون إذلال المراجعين، ما يشعر المواطن كأنه غريب في بلده”.
وأشار إلى أن “الروتين المعمول به في أغلب الدوائر الحكومية يجبر المراجع على الذهاب إلى الدائرة مرات متعددة، وقد تنتهي المعاملة بعد شهر في حين يستطيع الموظف إنجازها في غضون دقائق، وما يحدث لا يمكن أن يستمر لولا استشراء الفساد وغياب الرقابة”.
وفي السياق، يقول المحامي سلام النداوي، في حديث مع “العربي الجديد”، إن “أغلب الدوائر الحكومية تعاني بشكل يومي من تكدس بشري بفعل ضيق مساحات بناياتها، وخصوصاً دوائر التقاعد والضرائب والأحوال المدنية، ما يؤدي أحياناً إلى شجار أو تدافع بين المراجعين، ويتعرض بعضهم إلى حالات إغماء أثناء انتظارهم في الطوابير الطويلة لإنجاز معاملاتهم. معاناة المواطنين أصبحت لا تُطاق بسبب الإجراءات التي تجبر المواطنين على دفع الرشى إلى السماسرة ومعقبي المعاملات، وعلى الحكومة إيجاد حلول، وإنقاذ المواطنين من مأساة مراجعة مؤسسات الدولة لإنجاز معاملاتهم الشخصية”.قضايا وناس
الدوائر “الكرفانية” بالعراق تهدّد حياة مراجعيها: لا أمان من الحرائق
بدوره، يقول الناشط الحقوقي، مصطفى العزي، إن “مراجعة دوائر الدولة باتت مرهقة لأسباب كثيرة تجعل المواطن يُفضل دفع الأموال للمعقبين لتجنب معاناة المراجعة أو إذلال الموظفين له. ومن بين الأسباب تسلم أشخاص غير أكفاء مناصب مهمة، وتسلطهم على الموظفين، الأمر الذي ينعكس على أداء الموظفين وطريقة تعاملهم مع المراجع”.
يتابع العزي قائلا لـ”العربي الجديد” إن “الموظف في دوائر الدولة له حقوق وعليه واجبات، وعليه عزل نفسه عن العالم الخارجي، والتركيز في عمله لتأدية واجبه بشكل أفضل، كما يتوجب على المُراجع احترام القوانين، وعدم الإساءة للموظفين، كما ينبغي تفعيل قانون الحوكمة الإلكترونية للتخفيف عن كاهل المواطنين، والقضاء على الرشوة المستشرية في أغلب الدوائر، وتفعيل دور الجهات الرقابية في مكافحة الفساد الإداري والمالي”.