1

تظاهرة سياسية في بيروت تمسكا باتفاق الطائف المبرم برعاية سعودية

تأتي بعد أيام من انتهاء ولاية ميشال عون الذي اتهم وفريقه بالسعي لإدخال تعديلات على الدستور واستعادة صلاحيات رئيس الجمهورية

وليد شقير كاتب صحافي 

حضر المنتدى شخصيات لبنانية وعربية ودولية ويبدو في الصورة السفير السعودي وليد بخاري (الرابع من اليمين) وإلى يمينه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي (دالاتي ونهرا)

شهدت بيروت تظاهرة سياسية كبرى يوم السبت الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) لمصلحة صون اتفاق الطائف وتطبيقه الذي توصل إليه البرلمانيون اللبنانيون الذين اجتمعوا في تلك المدينة السعودية في العام 1989 وأنهوا به الحرب الأهلية وأقروا إصلاحات جرى تكريسها في الدستور بتعديلات أُدخلت عليه في العام 1990.

ميقاتي: المملكة لم تترك لبنان

جاءت هذه التظاهرة السياسية الكبرى التي حشدت قيادات الأحزاب والقوى السياسية اللبنانية وأقطاباً لبنانيين، ورجال دين تقدمهم مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان وشيخ عقل الطائفة الدرزية سامي أبو المنى، والرئيس السابق للجمهورية ميشال سليمان والمرشح الحليف لـ”حزب الله” وسوريا، رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، ونواب من الكتل كلها، بدعوة من سفير المملكة العربية السعودية في بيروت وليد بخاري، إلى منتدى تحت عنوان “الذكرى الـ33 لإبرام وثيقة الوفاق الوطني اللبناني”، استثني منها “حزب الله”، للتمسك باتفاق الطائف، في حضور شهود عديدين ممن بقوا على قيد الحياة، وشاركوا في صوغ الاتفاق، يتقدمهم الشاهد العربي، ممثل الجامعة العربية آنذاك وزير خارجية الجزائري الأسبق الأخضر الإبراهيمي. وشكل المؤتمر أكبر تظاهرة لمصلحة اتفاق الطائف منذ إبرامه في 1989، وتحويل معظم بنوده إلى دستور في العام 1990.

لكن اللافت أيضاً أن السفير بخاري أكد واقعة باتت من صلب المشهد السياسي اللبناني المأزوم راهناً بقوله إن “مؤتمر اتفاق الطائف يعكس اهتمام السعودية وقيادتها الرشيدة بالحفاظ على أمن لبنان ووحدته واستقراره وعلى الميثاق الوطني… وهذه هي الرسالة اليوم”.

وهو ما عبر عنه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي حضر افتتاح المنتدى بقوله إن لهذا الحدث “رمزيته المهمة جداً، والمؤتمر يؤكد مجدداً أن المملكة العربية السعودية لم تترك لبنان وهي إلى جانبه، والحضور الكبير هنا يشير إلى تثبيت مضامين اتفاق الطائف الذي لا يزال الاتفاق الأصلح للبنان”.

الفراغ الرئاسي عام 1989 واليوم

المناسبة أبرزت دلالات مهمة في ظل الأزمة السياسية والاقتصادية والمعيشية الحادة التي يعيشها لبنان، أولها أنها تمت بعد خمسة أيام على انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، الذي اتهم وفريقه بالسعي للعودة عن هذا الاتفاق سواء بإدخال تعديلات على الدستور، يطالب بها علناً، أم ضمناً بالممارسة عبر اجتهادات قانونية، تهدف إلى استعادة صلاحيات رئيس الجمهورية التي كان “الطائف” أحال جزءاً مهماً منها إلى مجلس الوزراء مجتمعاً، على قاعدة المناصفة في تمثيل المسيحيين والمسلمين سواء في البرلمان أو في مجلس الوزراء، على رغم الخلل الديموغرافي لمصلة المسلمين.

كذلك جاءت المناسبة في ظروف تتضمن بعض أوجه التشابه مع الفترة التي استدعت دعوة لجنة ثلاثية منبثقة عن القمة العربية التي انعقدت في الدار البيضاء في العام 1989، الفرقاء اللبنانيين إلى مدينة الطائف السعودية، للتوصل إلى اتفاق على إنهاء فصول الحرب وملء الشغور الرئاسي. وأبرَزُ أوجه التشابه الفراغ الرئاسي الذي ساد في ذلك الوقت، والذي عاد ووقع فيه لبنان منذ الأول من نوفمبر الحالي بانتهاء ولاية عون الرئاسية، في ظل عجز الكتل النيابية عن جمع أكثرية الثلثين في الدورة الأولى، ثم أكثرية النصف زائداً واحداً في الدورة الثانية، لضمان انتخاب أحد المرشحين للرئاسة، خلفاً لعون. وهو ما حفّز المحاضرين في ندوتين عقدتا خلال المؤتمر على التشديد على أولوية انتخاب رئيس للجمهورية وإنهاء الفراغ الرئاسي، بموازاة الحرص على الحفاظ على الطائف.

بخاري و”البديل المجهول”

الندوة الأولى تضمنت رسائل سياسية عدة، وقال بخاري “الأهم في هذا التوقيت أن نحافظ على الوفاق الوطني الذي هو تجسيد لمرحلة مر بها لبنان وشعبه الشقيق، لذلك ارتأت جامعة الدول العربية التي انبثقت منها اللجنة الثلاثية التي حرصت برعاية خادم الحرمين الشريفين رحمه الله الملك فهد بن عبد العزيز ودعم وجهود الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي تكللت بمخرج يعكس الحفاظ على أمن لبنان واستقراره”.

أضاف “اليوم نحن في أمسّ الحاجة إلى أن نجسد صيغة العيش المشترك في ركائزه الأساسية التي عالجها اتفاق الطائف وفي تحديد محورية الكيان اللبناني والحفاظ على هوية لبنان وعروبته”.

وتحدث بخاري عن حرص المملكة والمجتمع الدولي “الذي يتمسك بمضمون اتفاق الطائف من منطلق الحفاظ على صيغة العيش المشترك، والبديل لن يكون إلا مزيداً من الذهاب إلى المجهول لا قدر الله… ونحن نعوّل دائماً على حكمة القادة في لبنان وعلى تطلعات الشعب اللبناني”. وكشف واقعة عن المحادثات السعودية الفرنسية في شأن ما تردد عن أن باريس كانت تفكر في دعوة الفرقاء اللبنانيين إلى مؤتمر للحوارالوطني حول تعديلات على الدستور واتفاق الطائف، فأكد “حرص الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زياراتنا إلى الإليزيه للقاء مستشاري فخامته، فقد طرحنا سؤالاً عن احتمالية أن يكون في نية فرنسا دعوة القادة إلى لقاء وحوار وطني، فأكدوا لنا أنه ليس هناك أي نية للدعوة أو لنقاش الطائف أو تعديل دستور”.

قطع الطريق على ميل فرنسي وسعي سويسري؟

ويكتسب التمسك بالطائف، ومعارضة البحث عن بديل له، أهمية خاصة بعد محاولات جرت في الأشهر الماضية لطرح تعديلات على الدستور اقترحها رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل بتشجيع من عون، تحت شعار “تحسين الطائف”، تقضي بانتخاب رئيس الجمهورية من الشعب على مرحلتين، الأولى على الصعيد المسيحي والثانية على الصعيد الوطني، ووضع مهلة لتكليف رئيس الحكومة المكلف تأليف الحكومة يعتذر بعدها إذا ما تعذر عليه تشكيلها، بموازاة مهلة لرئيس الجمهورية لإجراء الاستشارات النيابية من أجل تسمية رئيس الحكومة، وتطبيق اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة، بدلاً من اقتصارها على الجانب الإداري…

كما أن معلومات من مصادر عدة إشارت إلى أن قيادة “حزب الله” تسعى إلى تشجيع قوى سياسية عديدة إلى طرح مسألة تعديل اتفاق الطائف، معتبرة أنه فشل في تنظيم الحياة السياسية اللبنانية، وأن الحزب يضمر تحقيق المثالثة الطائفية في النظام السياسي، أي المساواة بين المسيحيين والشيعة والسنة بدلاً من المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، بهدف الحصول على مكاسب للطائفة الشيعية إذا ما جرى طرح مسألة سلاح “حزب الله”.

والمراقبون للتحركات الخارجية لأجل حل الأزمة السياسية في لبنان كانوا يخشون من إمكان مراعاة فرنسا لميل “حزب الله” الذي احتفظت بعلاقة حوار مع قيادته، لمطلبه بتعديل الصلاحيات في الطائف لمصلحة منح المكون الشيعي امتيازات تتناسب مع قوة الحزب السياسية والعسكرية في المجتمع اللبناني والمدعومة من إيران. ويعتبر من يخشون تلك التحركات أن محاولة السفارة السويسرية في بيروت تنظيم لقاء حواري بين ممثلين عن الأحزاب السياسية اللبنانية، قبل أسبوعين في هذا الإطار.

وبهذا المعنى ترمي تظاهرة تثبيت اتفاق الطائف بناء للدعوة السعودية إلى قطع الطريق على تغييره وفق ميزان قوى  لمصلحة “حزب الله” وبعض حلفائه، بالاستفادة من توسع نفوذ إيران في المنطقة لتكريس دور حلفائها على الصعيد الدستوري.

حضور فرنجية

وفي رأي من تابعوا وقائع المؤتمر أن تلبية سليمان فرنجية دعوة بخاري لحضوره تهدف إلى رفع التهمة عنه كمرشح مدعوم من “حزب الله”، بأنه سيعمل على تعديل الطائف، ما دفع به إلى التأكيد في تصريح له إثر المؤتمر أن “طوال عمرنا كنا مع الطائف واليوم دعينا إلى هذا المؤتمر فلبّينا الدعوة”.

ويرى المتابعون أنفسهم لتحركات المرشحين للرئاسة أن فرنجية أراد بحضوره ثم تصريحه إثر المؤتمر، طمأنة بعض خصوم إيران وسوريا في لبنان، إلى أنه لن يسعى إلى تأجيل تطبيق الطائف أو تغييره في حال انتخب رئيساً، على رغم قوله إنه لم يحضر المؤتمر حيث جلس في الصف الأمامي، من أجل الرئاسة.

الإبراهيمي واجتياح الكويت

الأخضر الإبراهيمي، الذي تجنب التطرق إلى الأزمة الحالية التي يمر بها لبنان وركز على الجوانب التاريخية من الحدث، لم يفته توجيه الشكر إلى الرئيس السابق للبرلمان حسين الحسيني لدوره في الاتفاق وما قبله (فترة التحضير للمسودة الإصلاحية)، معتبراً أنه قاد النواب بحكمته. وترحّم الإبراهيمي “على رئيس الطائف وشهيده” الراحل رينيه معوض الذي اغتيل بعد 17 يوماً من انتخابه رئيسا للجمهورية، واعتبر أن وزير الخارجية السابق الأمير سعود الفيصل والرئيس الراحل رفيق الحريري “كانا بطلين من أبطال الطائف”. وإذ شدد على أن الهدف الأول للاتفاق الذي تحقق كان وقف الحرب والثاني انتخاب رئيس للجمهورية والثالث “فتح الطريق أمام جميع اللبنانيين لبناء دولتهم الجديدة وكان هناك أمل كبير ألا يتوقف عمل اللجنة الثلاثية (تألفت من الملك فهد بن عبد العزيز والملك الحسن الثاني والرئيس الشاذلي بن شديد)، لتواكب إعادة بناء الدولة وإعمار لبنان، لكن حرب الخليج إثر اجتياح العراق للكويت عام 1990 أوقفت عملها في مواكبة تنفيذ الاتفاق.

السنيورة وقوة التوازن وجنبلاط و”حركة التاريخ”

في الندوة نفسها ركز رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة على أن “لبنان بلد العيش المشترك لا يقوم ويدوم ويترقى على أساس موازين القوى المتغيرة، أي على منطق الغلبة التي قد تنتقل بحسب هذا المفهوم من مجموعة إلى أخرى بحسب تغير الموازين، وبحسب تغير الظروف الداخلية او تغير موازين القوى الاقليمية الدولية، بل يقوم على قوة التوازن المستدام الذي يحقق الاستقرار”. ورأى أن “ما بينته الوقائع على مدى سنوات طويلة أن لا حل طائفياً أو فئوياً لأي مشكلة طائفية”. ودعا إلى انتخاب رئيس للجمهورية يكون شخصياً مؤمناً حقيقة باتفاق الطائف وغن يرعى عملية العودة إلى تطبيقه بشكل صحيح”.

اقرأ المزيد

رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط روى محطات تاريخية سبقت الطائف ورافقته، فتوقف أمام خوض حزبه معركة اقتحام بلدة سوق الغرب التي كانت تسيطر عليها قوات من الجيش بقيادة العماد ميشال عون في حينها، معتبراً أنها على رغم عدم تحقيقها الهدف العسكري فتحت الطريق إلى الطائف. وجاهر جنبلاط بمطلب الهيئة العليا للطائفة الدرزية في العام 1983 بإنشاء مجلس للشيوخ، راوياً كيف رفض النظام السوري ذلك كي لا ينعكس على دروز سوريا، لكن تحدث عن مساعدة الرئيس الحريري والقيادة السعودية للنص على مبدأ مجلس الشيوخ في الطائف لكن مع النص على ربطه بـ”انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي”، مؤكداً حق طائفته “كشريحة عربية إسلامية ومؤسسة في لبنان أن يكون لنا هذا الدور وهذا الموقع… ولن نقبل أن نخسر في السلم بمعزل عما ربحنا في الحرب”. ودعا إلى تطبيق الطائف بإلغاء الطائفية السياسية و”تشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضم بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية، واللامركزية الإدارية “قبل البحث بتعديله”. لكنه اعتبر المعركة الكبرى هي انتخاب رئيس للجمهورية. ورفض جنبلاط في تصريحات عقب مداخلته في الندوة انتخاب المرشح فرنجية.

الكنيسة: فرصة الطائف حرام أن نضيّعها

اختصرت مداخلة المطران بولس مطر ممثلاً البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، موقف الكنيسة المارونية من الطائف، إذ ذكّر بموقف البطريرك الراحل نصر الله صفير من الاتفاق باعتباره واقعاً وفرصة. وقال “حرام على لبنان أن يضيعها، وعودتنا إلى الطائف هي فرصة حقيقية للبنان وليس لنا فرصة إلا مروراً بها”.

ودعت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان وممثلة الأمين العام السفيرة يوانا فرنتسكا إلى “شحذ الهمم لتطبيق اتفاق الطائف التاريخي بما يضمن استقرار لبنان. وأشارت إلى أنه “وضع نظاماً سياسياً جديداً يلبي طموحات اللبنانيين من خلال تبني الإصلاحات وتنفيذها وتأسيس الانتماء الوطني”.

في الندوة الثانية التي احتضنها المؤتمر تحدث ثلاثة نواب سابقين ممن كانوا في ما سمي “لجنة العتالة” في مؤتمر، التي تعبت في الصياغة الدقيقة لبنوده وهم بطرس حرب وإدمون رزق وطلال المرعبي، فقال الأول مستعيداً ظروف انعقاد اجتماع الطائف “لم يكن لدينا خيار، فإما أن نترك لبنان كما هو وإما أن ننقذه، وكان قرارنا إنقاذه. والسؤال الكبير الذي يُسأل دائماً كيف تنازلتم عن صلاحيات رئيس الجمهورية لرئيس الوزراء؟”. وأجاب “عام 1943 عندما أُعلن استقلال لبنان، اجتمع النواب وأزالوا من الدستور كل المواد المتعلقة بالانتداب، لكنهم لم يبحثوا إطلاقًا كيفية حكم لبنان بعد زوال الانتداب الفرنسي، والذي كان (أي الانتداب) قد وضع نظاماً شبه رئاسي وأعطى رئيس الجمهورية كل الصلاحيات غير الموجودة حتى لرئيس جمهورية الولايات المتحدة الأميركية اليوم. كان لا بد من أن ينتج عن هذا الأمر مع الممارسة مطالبات بتعديل الدستور بأن يتشارك اللبنانيون جميعاً في الحكم”. وأوضح أن ما جاء في الطائف كان خلاصة أوراق إصلاحية صيغت سابقاً. ورأى أن “كل تنازل حصل كان لمصلحة لبنان، وصلاحيات رئيس الجمهورية تحولت إلى مجلس الوزراء مجتمعاً مسيحيين ومسلمين بالتساوي، وهذا يعني أنه لم يكن هناك تنازل بل كان هناك تكيّف مع الممارسة التي حصلت قبل الطائف”… وأقر بوجود ثغرات في اتفاق الطائف، لكنه قابل للتعديل إنما ضمن الأطر الوطنية”. أما رزق فأكد أهمية الطائف الإصلاحية لأن جوهره الشراكة الحضارية. ودعا المرعبي إلى “إنشاء مجلس شيوخ وإلغاء الطائفية السياسية لا العمل بالترويكا” (حكم رؤساء الجمهورية والبرلمان والحكومة).

التعليقات معطلة.