1

لبنان… بين الأمل المفقود والواقع الأليم

مها محمد الشريف

مها محمد الشريف كاتبة سعودية مهتمة بالشأن السياسي

الصورة المستقبلية العامة التي يرسمها انهيار لبنان، يحيط بها إطار كئيب، وأفق بعيد من التحولات، يعيش هذا البلد أزمة اقتصادية طاحنة بعد أن تراكمت الديون على الحكومات المتعاقبة، انهارت بقوالبها ومفاهيمها وسياساتها المتناقضة، التي عمقت الأزمات، وأدخلت الاقتصاد في دوامة وقلق وخوف وتشكيك أصاب البنوك بالشلل، أزمات استفحلت وتفاقمت وآخذة في التداعي، فالطبيعة الاجتماعية تعبر عن موقف غير متماسك ونظام طائفي مزق النسيج اللبناني ارتفع صداه في الأزمات وأنتج خللاً أصاب التوازنات أدى إلى ساحة صراعات لا تنتهي.
وليس من الوارد بطبيعة الحال، في سياق هذا التناول الموجز، تغطية كل الجوانب ومناقشة النظريات والمذاهب، ولكن سأكتفي بإشارات سريعة يمكن الارتكاز عليها، بعيداً عن عرض خصائص الأوضاع والظروف العالمية والمحلية البالغة التأثير.
فرغم التطور السريع العاصف هناك ثلاث مسائل مهمة حذر على أثرها قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون، من أي حوادث أمنية أو تحركات مشبوهة، وأكد أن الجيش لن يسمح باستغلال حالة الشغور الرئاسي، وسيمنع أي إخلال بالأمن، ولنسجل منذ الآن أن تلك الأزمة أخذت مرحلة تاريخية طويلة لم تحرر تاريخها من الأسر أو تعمل على تحصين جغرافيتها من التصدع، فهم ما زالوا تحت إغواء «حزب الله» والطغيان الإيراني بداية من ملف الأزمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية إلى ملف ترسيم السياسات الطائفية المنقسمة، وهذا يعني أن انتخاب رئيس جديد للدولة أو تشكيل حكومة جديدة ليسا بالأمر البسيط على الإطلاق.
لا سبب وجيه، سوى أن مجلس النواب ينتخب الرئيس في اقتراع سري من قبل النواب في البرلمان المؤلف من 128 عضواً، حيث يتم تقسيم المقاعد بالتساوي بين الطوائف الإسلامية والمسيحية، ولربما ستكشف لنا الأيام أن الرهانات والتحديات والصراعات نتائج المكونات المتعارضة التي خلفت تصدعات داخلية، بسبب فساد النخب السياسية والمؤسسات السياسية، فكل شيء معقد وناقص وغير مكتمل.
ومن الجلي بطبيعة الحال سيكون تشكيل الحكومة مُعقداً عطفاً على الوضع الراهن الواقع في بؤرة الكوارث التي تقود إلى احتدام التناقضات والثغرات السياسية التي جلبت خسائر فادحة من صراع غير مبرر لتدمير الدولة والشعب، لم تدرك الحكومة مصالحها الاستراتيجية. بل سرقوا استقرار البلاد وسط أجواء غائمة، فكانت النتائج مجاعات وحروباً أهلية وانقسامات لن تعيد توازن السكان، وضاعفت من تفاقم الحالة الاقتصادية المتخلفة.
هكذا يبدو كل شيء في منتهى التعقيد، حيث تقسم الأحزاب حصصها من الوزارات على أساس النفوذ والطائفة وحجم الكتلة البرلمانية والمناصب المحتملة التي يمكن أن تشغلها في أماكن أخرى من الدولة، فما هي العوامل التي تجعل انتخاب الرئيس مسألة صعبة، وما هي الأسباب لاستمرار هذا الفراغ؟ قد تكون الإجابة بوجه عام هي تلك الانعطافة الحادة من «حزب الله»؟ ليبقى حزبه ظاهرة إيرانية تتصدر المشهد السياسي اللبناني، وينقل صراع الطائفية لأرجاء البلاد ومعها الانكسارات والإخفاقات التي انتهت بمباركة نصرالله لاتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، حيث سارع إلى التهليل بإبرام الاتفاق، معتبراً إياه «انتصاراً للبنان» كما زعم، وهو في الحقيقة انتصار للتمويل الإيراني ولبرامجه العسكرية.
وبديهي أن الشغور أو الخلو سيعكسان فوضى سياسية، طالما أن النية هي في التعطيل ودمار لبنان وتسليمها بلا شفقة لإيران تعيث فيها فساداً بمعول «حزب الله»، وهذا التفتت يعني تحوله إلى فضاء مملوك للخارج، واستمرار إشعال مزيد من حرب الطوائف، فلن تسير الأمور وفق الاستحقاقات الدستورية بانتخاب رئيس وتشكيل حكومة جديدة، فقد كنا سنشهد انتقالاً مؤقتاً لصلاحيات الرئيس لحين انتخاب خلف له. ولكن التناقضات المفزعة شكلت صدمة كبيرة لدى الشعب اللبناني، ووضعته أمام طريق مسدود، وأفادت مصادر نيابية معارضة بأنها جاءت بطلب من «حزب الله» لتضييع الوقت وكسر الزخم المتعلق بانتخاب رئيس للجمهورية، وذلك تصعيد وتعطيل للقوى السياسية عن انتخاب رئيس للجمهورية وغياب الراعي الدولي أو العربي للاستحقاق الرئاسي.
لقد اعتاد لبنان من سياسييه أن يعملوا وفق أجندة دولية وتبعية خالصة للخارج، وإذا شعروا بالضغط السياسي تباكوا على الفضائيات، واعتلوا المنابر بالخطب الرنانة، يطالبون العرب بمساعدتهم، وفي المقابل لا يجرؤون على منع «حزب الله» من التدخل بالشؤون العربية، وتنفيذ أعمال إرهابية فيها مما جعل هذه الدولة مسلوبة الإرادة وفاقدة للسيادة وتائهة في الحاضر والمستقبل.

التعليقات معطلة.