1

هل تعيد إجراءات السوداني الثقة بالنظام السياسي في العراق؟

محمد شياع السوداني رئيس الوزراء العراقي (رويترز)بغداد: «الشرق الأوسط»

الميزة الأهم التي يتمتع بها محمد شياع السوداني، رئيس الوزراء العراقي الجديد، أنه من أهل الداخل، وليس من جماعات المعارضة العراقية للنظام السابق.

الميزة الأخرى التي لا تقل أهمية عن تلك الميزة هي أنه لا يحمل جنسية أجنبية، بعكس معظم من سبقه من رؤساء الحكومات، إذ إن جميع رؤساء وزراء العراق ممن تولوا السلطة بعد عام 2003 كانوا في الخارج، وجميعهم -باستثناء نوري المالكي- (كان في سوريا) يحملون جنسيات أجنبية.

السوداني يرى -كونه ابن الداخل- أن مسؤوليته ستكون مضاعفة، مع أن صدام حسين قتل 6 من أفراد عائلته، بمن فيهم والده؛ لكنه لم يغادر العراق.

هذا الرجل الخمسيني (مواليد 1970 والحاصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة) سبق له أن تم تداول اسمه منذ عام 2018 لمنصب رئيس الوزراء. تغير المعادلات -وهي كثيراً ما تتغير في العراق- لم يتح له الفرصة لتولي هذا المنصب آنذاك.

فعلى الرغم من ترشيح عديد من الأسماء، ومنهم من تم تكليفه رسمياً (محمد توفيق علاوي، وعدنان الزرفي) ومنهم من تم رفض تكليفه (أسعد العيداني، محافظ البصرة الحالي) من قبل الرئيس السابق الدكتور برهم صالح، فإن من تداول المنصب كان عادل عبد المهدي عام 2018، الذي أسقطته «انتفاضة تشرين» عام 2019، ومصطفى الكاظمي الذي تولى المنصب عام 2020 بعد فشل تكليفي علاوي والزرفي.

وعلى طريقة المثل الشهير: «لو دامت لغيرك لم تصل إليك» وصل المنصب إلى السوداني؛ لكنه بدا حسب التوصيف السياسي الرائج في الأوساط السياسية وحتى الأكاديمية، أن حكومة السوداني هي حكومة «الفرصة الأخيرة».

وحيث إن السوداني يريد استثمار ما يبدو الآن متوفراً أمامه للنجاح، مثل الوفرة المالية، والاستقرار السياسي والأمني، فإنه يسعى لتحويل ما يبدو أنه فرصة أخيرة إلى قصة نجاح. فالسوداني الذي كان أمامه شهر لتشكيل حكومته، تمكن من تشكيلها في غضون أسبوعين. وما إن نال ثقة البرلمان حتى بدأ يتصرف بطريقة أربكت الأجهزة الأمنية؛ بل وطبقاً للمعلومات حتى العاملين معه؛ حيث يواصل عمله بدءاً من ساعات الصباح الأولى إلى ما بعد منتصف الليل. قرارات وإجراءات عديدة اتخذها كخطوة أولى لإعادة هيكلة الدولة العراقية؛ منطلقاً مما يدركه، وهو ما أعلنه أمام مجموعة من المحللين السياسيين والإعلاميين السبت الماضي، بحضور «الشرق الأوسط»، من أن «الناس فقدت الثقة بالنظام السياسي» في البلاد.

ومع أنه في النهاية ابن هذا النظام السياسي، فإنه يسعى لإحداث تغييرات من الداخل. فهو بسبب المواقع التي تسلَّمها بعد التغيير عام 2003 مباشرة أصبح ذا خبرة. فقد تسلم طوال الـ19 عاماً الماضية منصب قائم مقام، ثم أصبح محافظاً للعمارة، ثم وزيراً لحقوق الإنسان، ووزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية، ووزيراً للصناعة. كما ترأس هيئة المساءلة والعدالة، بالإضافة إلى كونه أحد أعضاء البرلمان العراقي الذين يفوزون دائماً؛ سواء حين كان جزءاً من «حزب الدعوة- تنظيم الداخل» أو بعد خروجه وتشكيله تياراً سياسياً جديداً اسمه «تيار الفراتين» الذي خاض الانتخابات الأخيرة، وحصل على 3 مقاعد، بمن فيهم مقعد السوداني الذي تخلى عنه بعد أن أصبح رئيساً للوزراء.

لهذا السبب وأسباب أخرى تتعلق بكونه مرشح الكتلة البرلمانية الأكثر عدداً (الإطار التنسيقي)، فإنه يرى أن خطواته سوف تكون مدعومة؛ سواء من هذا الائتلاف أو من الائتلاف الأوسع الذي صوَّت له في البرلمان، وهو «ائتلاف إدارة الدولة» الذي يضم السنة والكرد أيضاً.

ومع أن سلسلة التغييرات التي أجراها في عديد من المؤسسات نالت استحسان المواطنين، فإن تعيين قاضٍ غير متفق عليه، لترؤس هيئة النزاهة التي هي أهم جهاز رقابي خلق نوعاً من ردة الفعل لدى عديد من الأطراف السياسية التي لا تزال تراقب بحذر خطوات السوداني الذي يبدو في عجلة من أمره، لكي يحقق منجزاً يكسب من خلاله ثقة الناس، وهو ما يجعله في وضع مريح في حال أرادت أي كتلة سياسية خلق خصومة معه، في حال تحرش بها أو بأحد أطرافها؛ خصوصاً على صعيد ملفات الفساد.

استعجال السوداني في تحقيق ما يبدو لافتاً للنظر، قاده إلى انفعال بدا صادقاً من وجهة نظر الناس. فخلال زيارة مفاجئة له إلى أحد مستشفيات العاصمة العراقية، بغداد، وجد أوضاعاً مأساوية داخل هذا المستشفى. وحين خاطب مدير المستشفى، بأن «الصاحي الذي يدخل هذا المشفى يمرض»، فإن المدير قال له: «الله يوفقك»، فما كان من السوداني إلا أن قال منفعلاً أمام شاشات التلفاز: «الله لا يوفقنا على هذه الخدمة». وسرعان ما تلقفت وسائل الإعلام و«السوشيال ميديا» عبارة السوداني: «الله لا يوفقنا» لتتحول إلى إدانة للنظام السياسي في البلاد، ومن قبل مسؤول هو أحد أبناء هذا النظام، وإن خرج لغرض إصلاحه.

الناس تعاملوا مع صيحة السوداني هذه بمستويين: الأول رأى أنها صادقة، وأن الرجل جاد في التغيير، والثاني تمنى ألا تكون مجرد فورة مع بدايات استلام المنصب، ومن ثم يحصل التراخي ولا يحدث التغيير المنشود.

التعليقات معطلة.