1

فساد في التعليم العالي العراقي

زهير هواري

خلال الأشهر المنصرمة، ثار جدل في العراق امتد إلى خارجه حول التعليم العالي فيه وما بات عليه. فمن جهة أولى كشفت المعطيات عن عمليات تزوير في شهادات جامعية، بما فيها درجات الماستر والدكتوراه، لطلبة عراقيين في كل من لبنان وإيران. وتبين من التحقيقات الأولية أن هناك عملية شبكات تجارة بكل معنى الكلمة تمارسها عدة جامعات في البلدين المذكورين، حيث يحصل الطالب على الشهادة المطلوبة لقاء مبلغ من المال تتسلمه الإدارة الأكاديمية مقابل تقديم البيانات المزوّرة. ومع أنه جرت لفلفة الفضيحة التي أطاحت بعدد صغير من الموظفين في هذه الجامعات والوزارات المعنية، إلا أن دلالات الحدث تؤشر إلى مضاعفات الفساد الذي دخل على نحو صفيق إلى الأحرام الجامعية. لكن الأهم أنه لا يمكن الثقة أن تلك الإجراءات قد وضعت حداً نهائياً لهذا الوضع، وبات الحصول على الشهادة الجامعية يتطلب تقديم ما يعادلها على صعيد العلوم والمعارف والمنهج وسائر المتطلبات المعروفة. 
في الوقت نفسه، شهد العراق جدلاً واسعاً حول الجامعات الأهلية في البلاد والدور الذي تلعبه. وهو جدل شاركت فيه جهات حكومية وخاصة على السواء. ويجيز قانون التعليم العالي الأهلي في العراق رقم 25 لعام 2016، لمجلس الوزراء، منح إجازة تأسيس الجامعة، أو الكلية، أو المعهد الأهلي، لحملة شهادة الدكتوراه، أو الماجستير من المتقاعدين، أو من غير الموظفين، ممن هم بمرتبة أستاذ مساعد على الأقل، على ألا يقل عددهم عن 9 أعضاء لتأسيس الجامعة الأهلية، و7 لتأسيس الكلية الأهلية، و5 أعضاء لتأسيس المعهد الأهلي، بالإضافة إلى الجمعيات العلمية، أو النقابات المهنية ذات الاختصاصات العلمية، والتربوية، والثقافية. 
ويتبين أن عدد هذه الجامعات الأهلية بات يربو على 75 جامعة تنتشر في مناطق محددة أكثر من الأخرى، وتستقبل أضعاف التراخيص المعطاة لها باستقبالهم من الطلاب. وهي جامعات ومعاهد يغلب عليها الطابع التجاري في علاقاتها كإدارات مع طلابها، مع ما يرتبط بذلك من زيادة الأرباح على حساب المستوى وجودة التعليم. لكن الجدل الذي أشرنا إليه ذهب في وجهة مغايرة في تناول الموضوع ، إذ توجه نحو المفاضلة بينها وبين الجامعات الحكومية لجهة المستوى.موقف

بلاد النخيل والعذاب

فقد دافعت الجامعات الخاصة عن مستوى جودة تعليمها، معتبرة أن مستواها يعادل ما هي عليه الحكومية. لكن الأكثر تركيزاً في هذا الجدل كان قرار إلغاء العديد من هذه الجامعات تخصصات وردت في حصولها على طلب الترخيص. وهي تخصصات قيل إنها لم تعد مناسبة لسوق العمل، مقابل استحداث تخصصات باتت مطلوبة. وهكذا دخلت هذه الجامعات في قاعدة السوق والعرض والطلب دون حد أدنى من الاعتبارات الأكاديمية التي يجب على مؤسسة التعليم العالي أن تتمتع بها. أما دور وزارة التعليم العالي العراقية، كجهة حكومية إشرافية، فيتمثل نظرياً في دعم جودة الدراسة بالكليات والجامعات الأهلية، وكبح جماح الكليات والجامعات التجارية التي لا تخضع للاعتمادات، أو التي تستهدف زيادة الأرباح على حساب الجودة التعليمية.
وبموجب القرار الوزاري الصادر، فإن التخصصات التي جرى تعليق تدريسها تشمل بعض أقسام العلوم الإسلامية، والاقتصاد، والإدارة والعلوم الاجتماعية والإنسانية، في مقابل استحداث أقسام جديدة في الطب وغيره. وهكذا أطيح بمبدأ التوازن في أقسام دراسات ومناهج الجامعة لصالح المنحى التجاري المطلوب من السوق. 
خلاصة القول إن ما يعانيه العراق يتجاوز مضاعفات الوباء المرضي إلى الوباء السياسي- الطائفي – الأكاديمي ومستوى التعليم العالي… وعليه، عندما يفسد التعليم العالي بماذا يمكن الإصلاح؟ 
(باحث وأكاديمي)  

التعليقات معطلة.