استطلاع الآراء يفيد بأن قضية بريكست لم تحسم بعد
الخبير البارز في العلوم السياسية جون كورتيس يقول إن انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يحظى بأقل درجة من التأييد منذ استفتاء عام 2016
شون أوغرايدي مساعد رئيس التحرير
الاستفتاء الذي أجراه كاميرون حول البقاء أو الخروج “مرّة وللأبد” فشل في تحقيق “تسوية دائمة” (أ ب)
بعد ست سنوات من التصويت لمصلحة بريكست، ما هو أمل المملكة المتحدة في معاودة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي؟
السبب الرئيسي وراء الاعتقاد بأن ذلك قد يحدث، ولو “يوماً ما”، يقدمه لنا جون كورتيس صاحب الرأي الجدير بالثقة، الذي يلاحظ زيادة تدريجية في الدعم، أو على الأقل مشاعر عامة متزايدة بأن بريكست كان خطأً. لا شك في أن هذا لا يعني أن كل من يتبنى هذا الرأي يرغب في التقدم بطلب معاودة الانضمام غداً، بشروط غير معروفة للدخول، ويتلذذ باحتمالات تكرار تجربة الصدمات والانقسامات نفسها التي أنزلها استفتاء عام 2016 بالشعب البريطاني. لكن هذه الزيادة تشير إلى أن الرأي العام ربما يسير مبدئياً على هذا النحو.
وفق كورتيس، يشير الاستطلاع إلى أن الاستفتاء الذي أجراه كاميرون حول البقاء أو الخروج “مرّة وللأبد” فشل في تحقيق “تسوية دائمة”. لا يزال كثر يميلون بقوة إلى الاتحاد الأوروبي، ويعتقد العديد من الساسة، ولو سراً في الأغلب، بأن ما جرى كان خطأ حقاً، وقد تكون المملكة المتحدة أفضل حالاً بالعودة إلى الاتحاد الأوروبي، في ضوء اتفاقية مناسبة. وليس هناك ما يدل على قبول نهائي للهامش الضيق للنتيجة. وهذا أمر طبيعي. هذا هو كل ما تدور حوله الديمقراطية في نهاية المطاف – إعادة النظر في نتائج الانتخابات السابقة بغرض التصديق عليها أو التراجع عنها، والسبب الذي لا يستطيع أي برلمان أن يلزم البرلمانات التالية بقراراته.
ويظهر التاريخ ذلك أيضاً. تماماً مثلما قبل معارضو المجموعة الأوروبية، أو السوق المشتركة رسمياً صلاحية استفتاء عام 1975 في شأن البقاء في الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه، استمروا أيضاً في المجادلة في شأن الهامش، وعلى نحو متزايد مع تجاوز البلاد تصويت عام 1975 (وكانت النتيجة حينها اثنين مقابل واحد، وهي أكثر حسماً من استفتاء عام 2016). لم ييأس “مناهضو السوق” البارزون مثل توني بن في حملتهم غير الرسمية ضد بروكسل. بل إن بن تمكن من إدراج تعهد بترك المفوضية الأوروبية – من دون استفتاء – في البيان الانتخابي لحزب العمال عام 1983.
لكن الآن لا يبدو أن أي حزب يقدم حتى طريقاً مبدئية ومشروطة للعودة إلى الاتحاد الأوروبي. فالحزب القومي الاسكتلندي SNP يعد باسكتلندا مستقلة في أوروبا، لكنه لا يملك وسيلة لتأمين الاستفتاء على الاستقلال الذي قد يكون تمهيداً لمفاوضات في هذا الشأن، ولاستفتاء، على ما يُفترَض، على شروط انضمام اسكتلندا إلى الاتحاد الأوروبي وشروط الخروج من المملكة المتحدة. ويعد الليبراليون الديمقراطيون الأكثر دفئاً في شأن توثيق الروابط مع أوروبا، لكنهم بعدما ناصروا الوحدة الأوروبية في كل انتخابات من عام 1950 إلى عام 2019، يبتعدون عن التزام مطلق.
بالنسبة إلى حزب العمال، تُعَد المسألة مؤلمة ومحرجة في شكل خاص. يدرك الحزب بشدة الضرر الذي خلفه بريكست، وكذلك الانقسامات الاجتماعية والسياسية التي عكسها وفاقمها، عليه في انتخابات عام 2019. لقد فشل العماليون آنذاك في حشد الصوت المهم جداً المؤيد للبقاء في الاتحاد الأوروبي وراء حزبهم، الذي قاده وقتذاك جيريمي كوربين. بدلاً من ذلك توزع هذا الصوت بين أغلب أحزاب المعارضة. وعلى النقيض من هذا، تمكن بوريس جونسون، السيد بريكست نفسه، والمحافظون من التشبث بمعظم أصوات المؤيدين للخروج لعام 2016 (بما في ذلك ناخبون عماليون)، فضلاً عن ناخبين تقليديين ميالين إلى المحافظين والذين لم يبالوا ببريكست لكنهم خشوا كوربين. لن يتكرر هذا تماماً في الانتخابات المقبلة. لقد نأى كير ستارمر بنفسه عن كوربين الذي لا يتولى حتى مقعداً نيابياً عمالياً الآن. لكن قيادة حزب العمال ليست لديها رغبة كبيرة في أن تمر بأي من تجارب عام 2019 مرة أخرى.
بدلاً من ذلك، يتبع حزب العمال نهجاً معتدلاً ومتواضعاً وعملياً يستند إلى وعد بتعاون أوثق في شكل غامض وبعلاقات أكثر ودية مع الاتحاد الأوروبي، بعد سنوات من العداء من قبل جونسون (الذي ربطته علاقات ضعيفة في شكل خاص مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون). وبعد سنوات من سوء الإدارة من قبل المحافظين، يزعم حزب العمال أنه سيعقد تسويات ويجد السبل الكفيلة بتحسين القدرة على الوصول إلى السوق الموحدة، وتسهيل الصادرات، ونزع الفتيل المتمثل في بروتوكول إيرلندا الشمالية، وتسريع عمليات التحقق من جوازات السفر [على الحدود] خلال العطل، وإيجاد السبل للتعامل مع أزمة اللاجئين، ويفضل إحياء “اتفاقية دبلن الثالثة” EU Dublin III القديمة الخاصة بالاتحاد الأوروبي والمتعلق بإعادة المتقدمين بطلبات لجوء فاشلة. قد يكون ذلك غير واقعي، لكنه يبدو أشبه بما قد ينصت إليه الناخب البريطاني العملي، ولا سيما في ضوء حالة الاقتصاد.
هو في الحقيقة يشبه إلى حد كبير النبرة التي استخدمها توني بلير قبل انتخابات عام 1997 – تجنب في ذلك الوقت أي نفحة تتعلق بالانضمام إلى العملة الموحدة من دون استفتاء، لكنه قضى أيضاً على المرارة التي خلفتها سنوات [حكم رئيس الوزراء المحافظ] جون ميجور. قد يكون كافياً تمكين حزب العمال من تجاوز السنتين المقبلتين.
العامل الرئيسي الذي من شأنه في نهاية المطاف أن يدفع المملكة المتحدة إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي هو على وجه التحديد العامل الذي حض الحكومات البريطانية على التقدم بطلب العضوية عام 1961، وعام 1967، وعام 1970 قبل الانضمام عام 1973: الإدراك والواقع المتزايدان حول أن الاقتصاد البريطاني سيستفيد من القدرة على الوصول إلى أسواق الاتحاد الضخمة المزدهرة (وإن لم تكن في الأغلب تنمو الآن بالسرعة نفسها كما في الستينيات). لقد انتهت أحلام عام 2016 بقيام “بريطانيا العالمية” Global Britain المتينة التي تفتح أسواقاً ديناميكية جديدة من خلال اتفاقيات تجارية طموحة مع بلدان مثل الولايات المتحدة والصين، فحتى الاتفاق المحتمل مع الهند سيكون “بتكلفة” (في وجه مؤيدي بريكست) تتمثل في زيادة التأشيرات لسكان شبه القارة والهجرة منها.
كما حدث في العقود التي أعقبت الحرب العالمية الثانية مباشرة، سيمر بعض الوقت قبل أن يفهم البريطانيون ما يحدث لاقتصادهم، لكن في نهاية المطاف تميل الأوضاع الاقتصادية إلى التعبير عن نفسها بعد عقد أو عقدين من الانحدار النسبي الخطير. وبطبيعة الحال، تصب العوامل الديموغرافية في مصلحة الاتحاد الأوروبي إلى حد كبير، إذ أيّد بريكست وبشكل غير متناسب الناخبون الأكبر سناً. ومن المرجح أن تعود المملكة المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي بحلول الذكرى السنوية العشرين لبريكست. وقد يكون جونسون ومايكل غوف ونايجل فاراج موجودين لرؤية ذلك.