العراق: مقاطعة شكلية من منظمة بدر وتيار الحكمة لحكومة السوداني
تقارير عربيةبغداد
عادل النواب
على الرغم من إعلانهما الرسمي قرار عدم المشاركة في الحكومة الجديدة، التي تولى رئاستها محمد شياع السوداني، إلا أن كلا من “تيار الحكمة” بزعامة عمار الحكيم، ومنظمة “بدر” بزعامة هادي العامري، قد حصلا فعلياً، من خلال أعضاء وشخصيات فاعلة فيهما، على مناصب وزارية وإدارية مهمة في الحكومة الجديدة.
وسبق لزعيم “تيار الحكمة”، عمار الحكيم، أن أعلن عدة مرات وفي أكثر من مناسبة على مدى عُمر الأزمة السياسية، التي اندلعت على خلفية نتائج الانتخابات التشريعية المبكرة التي أُجريت في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021، عدم مشاركته بأي دور في الحكومة الجديدة.
وفسّر البعض ذلك بأنه عائد إلى فشل “تحالف قوى الدولة” (يضمّ تيار الحكمة وائتلاف تيار النصر بزعامة رئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي) في نيل مقاعد مهمة في البرلمان المكوّن من 329 نائباً. فقد نال هذا التحالف 4 مقاعد في الانتخابات، غير أنه بعد استقالة نواب “التيار الصدري” (كسب 73 مقعداً في الانتخابات التشريعية) من البرلمان في يونيو/حزيران الماضي، أُعيد توزيع مقاعدهم على مختلف الكتل السياسية، وبموجب ذلك حصل التحالف على 7 مقاعد إضافية، رافعاً رصيده إلى 11 مقعداً برلمانياً.
حصل الحكيم على هيئتين ومنصب وكيل وزارة الثقافة
وأكد مسؤولون وسياسيون ببغداد، أن الحكيم حصل على منصبين، هما رئاسة هيئة الإعلام والاتصالات، التي أُسندت للعضو في “تيار الحكمة” علي المؤيد، ورئاسة الهيئة العليا للتنسيق بين المحافظات، التي تولاها العضو الآخر في التيار علي الفتلاوي، مع تثبيت أحد أعضاء التيار البارزين في منصب وكيل وزارة الثقافة، وهو نوفل أبو رغيف.
في المقابل، حصلت منظمة “بدر” على حقيبتين وزاريتين، هما وزارة النقل، التي تسلمها القيادي في المنظمة رزاق محيبس، ووزارة الداخلية، التي تسلّمها عبد الأمير الشمري، فضلاً عن تسمية المقرّب من العامري، حيدر حنون، رئيساً لهيئة النزاهة العراقية.
مع العلم أن العامري أعلن في يوليو/تموز الماضي رفضه المشاركة في الحكومة الجديدة، تأكيداً لموقفه بضرورة الخروج من الأزمة السياسية.
إقرار “الإطار التنسيقي” بتوزيع الحصص
وأقرّ عضو بارز في تحالف “الإطار التنسيقي” عن محافظة بابل جنوبي بغداد، في حديث مع “العربي الجديد”، بحصول العامري والحكيم على ما وصفه بـ”حصص بالحكومة الجديدة”.
وأضاف، طالباً عدم الكشف عن اسمه، أن شخصية محسوبة على رئيس “ائتلاف النصر”، حيدر العبادي، ستحصل على منصب رئاسة هيئة مهمة في الأيام المقبلة، علماً أن العبادي قال هو الآخر إنه لن يشارك في الحكومة.تقارير عربية
مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية: قوى سياسية تحدد شروطها
وتحدث العضو في “الإطار” عن “خضوع مناصب غير مرئية داخل الحكومة الجديدة مثل المستشارين والمسؤولين الإداريين بمكتب رئيس الوزراء (وهو نفسه القائد العام للقوات المسلحة)، لمعادلة الحصص داخل تحالف الإطار التنسيقي، فالسوداني يحاول إرضاء كل كتل التحالف”. وأشار إلى أنه “لم يقاطع الحكومة الحالية سوى التيار الصدري والمدنيين (حركة امتداد وجيل جديد)، فيما شارك البقية”.
وحول مشاركة “بدر” في الحكومة، أوضح القيادي في المنظمة، محمود الحياني، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “مشاركة منظمة بدر في حكومة السوداني هي من أجل إعطاء القوة والدعم له، وكانت هناك ضغوط على العامري من أجل المشاركة”.
ولفت إلى أن “منظمة بدر شاركت في حكومة السوداني وفق الاستحقاق الانتخابي لها، وهي لم تفرض عليه أي شخصية لأي منصب، بل تركت له الحرية الكاملة في من يراه مناسباً لأي منصب”.
وشدّد الحياني على أن “حكومة السوداني ليست حكومة الإطار التنسيقي، فجميع الكتل والأحزاب مشاركة فيها، ونجاح الحكومة نجاح لهذه الكتل والأحزاب، أما فشلها فتتحمله كل الأطراف السياسية وليس الشيعية فقط”.
في المقابل، ردّ عضو الهيئة العامة لـ”تيار الحكمة”، أحمد العيساوي، في حديثٍ مع “العربي الجديد”، بالقول إن “موقف تيار الحكمة ثابت بعدم الاشتراك في الحكومة، وهذا الموقف أُعلن بعد صدور نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة، ولا تغيير بهذا الموقف إطلاقاً”.
واعتبر أنه يجب التفريق بين “إدارة الحكومة وإدارة الدولة، فإدارة الحكومة تكون بالمشاركة في الوزارات، وإدارة الدولة تكون من خلال الهيئات المستقلة والمناصب غير الوزارية، مثل وكيل وزير أو مدير عام”، مشيراً إلى أنه “حتى التيار الصدري، المعارض لحكومة السوداني، تسلّم مناصب مهمة في الهيئات المستقلة ووكلاء الوزراء والمدراء العامين وغيرها”.
وأضاف العيساوي أن “تكليف اثنين من الشخصيات المقرّبة أو المنتمية لتيار الحكمة للهيئات المستقلة، تم باختيار رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، والتيار لم يضغط عليه إطلاقاً، بل هو من منح لهما المنصبين، لامتلاكهما كفاءة ومهنية”.
وأكد: “لا نقوم بأي ضغط أو حوار أو تفاوض مع أي جهة وشخص من أجل الحصول على أي منصب في الدولة، ونحن منحنا كامل الحرية لرئيس الوزراء لاختيار أي شخصية لأي منصب، مهما كان توجهه السياسي”.
نال العامري وزارتي الداخلية والنقل وهيئة النزاهة
ويصل عدد الهيئات المستقلة في العراق إلى أكثر من 25 هيئة، أبرزها: هيئة الحج والعمرة، البنك المركزي، مؤسسة الشهداء، مؤسسة السجناء السياسيين، هيئة الاستثمار، ديوان الرقابة المالية، بيت الحكمة (مؤسسة ثقافية)، هيئة الأقاليم، أمانة بغداد، مجلس الإعمار، هيئة النزاهة، هيئة المساءلة والعدالة، هيئة الإعلام، هيئة الإيرادات الاتحادية، هيئة الأوراق المالية، المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، هيئة الاتصالات، والمفوضية العليا لحقوق الإنسان، وهيئة الحشد الشعبي.
ووفق نظام المحاصصة في العراق، فإن 12 هيئة مخصصة للمكون الشيعي، في مقابل 7 للمكون السني، و6 للقوى الكردية. وتُدار غالبية هذه الهيئات عن طريق الوكالة وليس بالأصالة، إذ لم يصوت البرلمان على تعيين أي شخصية بشكل أصيل لرئاسة أي هيئة منذ سنوات طويلة.
ادّعاء عدم المشاركة غير حقيقي
وبرأي مدير “المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية” غازي فيصل، فإن “ادّعاء الكتل والأحزاب السياسية المتنفذة عدم المشاركة في الحكومة أو التنافس للحصول على المناصب مكرر وغير حقيقي، وكل الأطراف تعمل وتضغط، بل وتهدد في بعض الأحيان، من أجل الحصول على المناصب المهمة في الدولة العراقية”.
ورأى، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “هذه الكتل والأحزاب تدرك جيداً أن عدم وجود نفوذها لها في الدولة، ربما يؤثر على وضعها السياسي والانتخابي، ولهذا تعمل وتسعى لتقوية نفوذها داخل الدولة، بل وإنشاء دولة عميقة لها داخل الدولة الفعلية، حتى تستغل كل موارد الدولة لصالحها السياسي والانتخابي”.
وأضاف فيصل أنه “بعد تشكيل حكومة محمد شياع السوداني وتقاسم المناصب بين الكتل والأحزاب بالوزارات أو الهيئات المستقلة وغيرها من المناصب المهمة، تبين أن كل القوى المتنفذة والتي تحكم العراق منذ 19 عاماً ما زالت داخل الدولة وتشارك بقوة في الحكومة الحالية”.
واعتمدت الحكومات العراقية المتعاقبة بعد عام 2003 مبدأ المحاصصة الطائفية والحزبية في توزيع المناصب الحكومية، وسط انتقادات لوصول شخصيات حزبية غير كفؤة لإدارة المناصب، وتفشي الفساد في مؤسسات الدولة. ومنح مجلس النواب العراقي، في 27 أكتوبر الماضي، الثقة للحكومة الجديدة، برئاسة محمد شياع السوداني مرشح “الإطار التنسيقي”.
وعانت العملية السياسية في العراق من أزمة سياسية غير مسبوقة استمرت نحو 13 شهراً، بعد انتخابات أكتوبر 2021، وأدت إلى انسحاب “الكتلة الأكبر” (الكتلة الصدرية) من العملية السياسية في البلاد، عقب عدم تمكنها من تشكيل حكومة أغلبية وطنية برفقة الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف “السيادة”، ضمن تحالف “إنقاذ وطن”، وذلك بعد تفعيل القوى الحليفة لطهران ما عُرف لاحقاً بـ “الثلث المعطل” في البرلمان.