قتال معقد شمالي والعراق وسوريا.. أكراد في مواجهة ساخنة مع تركيا وإيران
الحرة – واشنطن22 نوفمبر 2022
تنقسم “كردستان الكبرى” وهي منطقة جبلية وعرة تسكنها أغلبية من الكرد بين دول العراق، وتركيا، وسوريا، وإيران. وعلى مدى عقود، كانت المنطقة مسرحا لصراعات عميقة وطويلة الأمد بين الكرد والدول التي تسيطر على هذه الأراضي، وأحيانا بين الكرد وأنفسهم.
وباستثناء الكرد في العراق، لا يملك الكرد الإيرانيون والأتراك والسوريون مؤسسات رسمية معترف بها، لكن الكرد في سوريا تمكنوا من تغيير هذه المعادلة نسبيا بعد انخراطهم في القتال ضد تنظيم داعش بدعم من الولايات المتحدة.
وحصلت قوات حماية الشعب الكردية YPG على إشادات دولية بسبب أدائها المثير للإعجاب في قتال داعش، وهي تسيطر حاليا على مناطق واسعة من سوريا، في واقع حال تفرضه الحرب المستمرة في البلاد منذ 11 عاما.
الكرد الإيرانيون والأتراك من جهة أخرى لهم وضع مختلف، حيث يعاملون من تلك الدول كمتمردين وأعضاء في حركات مسلحة، يحكم على من يعتقل منهم بالإعدام غالبا، وتجري الدولتان ممارسات أمنية مستمرة تصل إلى حد الاجتياح العسكري والقصف بالطائرات والصواريخ على معسكرات الحركات الكردية المعارضة.
وبسبب طبيعة المنطقة الجبلية، وكونها جزء من دولة أخرى، لجأ الكرد الإيرانيون والأتراك إلى إقليم كردستان في شمالي العراق، لكن هذا لم يمنع طهران وأنقرة من استهدافهما بشكل متكرر.
الأحزاب الكردية الإيرانية
يعتبر الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني PDKI أحد أهم أحزاب المعارضة الإيرانية التي تمتلك مقرات عسكرية ومقاتلين يتمركزون قريبا من الحدود الإيرانية العراقية، وهم يتعرضون للاستهداف بشكل مكثف خلال الشهرين الماضيين.
وقصفت إيران، الأحد، مقرات للحزب في مناطق باحركا وكويسنجق التابعتين لأربيل، على بعد عشرات الكيلومترات داخل الحدود العراقية، وتتهم إيران الحزب بالمسؤولية عن تأجيج الاحتجاجات المستمرة في البلاد منذ نحو شهرين، كما تقول إنه يقوم بتهريب الأسلحة والمقاتلين إلى الداخل، وهو ما ينفيه الحزب.
وبحسب معهد السلام الأميركي، فإن PDKI يسعى إلى الحصول على حق تقرير المصير وحقوق الوطنية داخل إيران فيدرالية وديمقراطية، بمعنى أن الحزب لا يسعى إلى الانفصال عن إيران.
وتأسس الحزب الديمقراطي الكردستاني في عام 1945، وأعدم مؤسسه قاضي محمد في عام 1947 وتعرض لحملات قمع شديدة من قبل نظام الشاه، باستثناء فترة سلام قصيرة خلال حكومة مصدق بين عامي 1951 و 1953.
وشارك الحزب الديمقراطي الكردستاني في ثورة عام 1979 لكنه فشل في تأمين حق تقرير المصير للمناطق الكردية في إيران.
وأطلقت الجماعة التمرد الكردي الفاشل عام 1979 في مارس قبل شهر واحد من التأسيس الرسمي للجمهورية الإسلامية.
وأصدر الخميني، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية السابق، فتوى دينية ضد قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني في أغسطس 1979 وأجبر معظم الجماعة على اللجوء لى المنفى في كردستان العراق بحلول عام 1984.
وفي الثمانينيات والتسعينيات نفذت المجموعة هجمات متمردة متفرقة عبر الحدود. واغتيل اثنان من قادة الحزب أحدهما في فيينا عام 1989 والآخر في برلين عام 1992 ؛ وألقت الحركة باللوم على طهران.
وفي عام 1996، أعلن الحزب الديمقراطي الكردستاني وقف إطلاق النار من جانب واحد. على مدى عقدين من الزمان، كان الحزب خاملا إلى حد كبير. وفي عام 2006، شن PDKI هجمات صغيرة النطاق على القوات الحكومية على طول الحدود مع العراق استمرت بشكل متقطع حتى عام 2020.
وتشير التقديرات إلى أن لدى الحزب ما بين 1000 و 2000 مقاتل ينتشرون عبر المناطق الحدودية العراقية الإيرانية النائية.
وبدأت إيران بقصف مقرات الحزب منذ عام 1993، وفقا للموقع، ما أجبر الحزب على التخلي عن قواعده في جبال قنديل في شمال كردستان العراق وتحرك جنوبا.
ومنذ منتصف التسعينات، كان مقر الحزب في المقام الأول في منطقة كويسنجق في محافظة أربيل – على بعد حوالي 40 ميلا من الحدود الإيرانية.
نسور زاغروس
تمثل هذه المنظمة واحدة من أكثر الحلقات غموضا في الجماعات الكردية المقاتلة لإيران، حيث تنفذ هجمات محدودة لكن في الداخل الإيراني.
وأعلنت الجماعة في أغسطس من عام 2021 قتل عنصر في استخبارات الحرس الثوري الإيراني في مدينة مهاباد.
وعلى الرغم من التقارير عن انتماء المجموعة إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني إلا أن الحزب ينفي بشدة أي علاقة له بالمجموعة.
وبين عامي 2016 و2018 نفذت المجموعة هجمات ضد القوات الإيرانية بالتزامن مع “حملة رسان” التي شنها الحزب الديمقراطي، وقتلت ثمانية جنود على الأقل، لكن الحزب بقي يقول إن عمليات نسور زاغروس لا علاقة لها به.
ونفى الحزب الديمقراطي الكردستاني أي علاقة مع نسور زاغروس وهو فصيل كردي متشدد على الرغم من تقارير منشورة تلقي الضوء على علاقات محتملة.
نفذت نسور زاغروس عمليات هجومية ضد القوات الإيرانية بين عامي 2016 و 2018 أسفرت عن مقتل ثمانية جنود على الأقل. وأبلغ الحزب الديمقراطي الكردستاني عن هذه الهجمات لكنه قال إنها منفصلة عن حملته للمقاومة الدفاعية في رسان .
منذ 1990s ، كان المقر الرئيسي ل PDKI في منطقة كوي سنجق في محافظة أربيل في العراق. تقع كوي سنجق على بعد حوالي 40 ميلا من الحدود الإيرانية.
حزب كوملة الكردستاني الإيراني
وبالإضافة إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، ينشط في كردستان العراق أيضا حزب كوملة (المجلس)، وتقول الأمم المتحدة إنه “الفرع الكردي من الحزب الشيوعي الإيراني، وهو يهدف إلى إقامة فيدرالية ومنح الكرد حق تقرير المصير في إيران.
وتأسس الحزب في عام 1969 وحارب نظام الشاه واشترك في الثورة الإيرانية لكن بعد نجاحها أصدر الخميني فتوى لمقاتلة الحزب واعتباره خارجا عن الدولة. ويقول الحزب إنه خسر 2000 من أعضائه نتيجة الصراع.
وفي موقع الأمم المتحدة، يقول تقرير لمجلس الهجرة واللاجئين الكندي إن كوملة يحتفظ بقوة عسكرية تسمى “قوة بيشمركة كومالا”.
وبحسب معارضين كرد فإن مقرات حزب كوملة تقع قريبا من السليمانية، وقد تعرضت أيضا للقصف، الأحد.
ويمتلك حزب كوملة قناة تلفزيونية تبث لعدة ساعات كل يوم، وله مجلة سياسية تسمى بيشرو ومجلة أدبية تسمى بيشانج.
الأحزاب الكردية التركية
حزب العمال الكردستاني هو أهم الأحزاب الكردية – التركية العاملة في شمال العراق، ويتركز مقاتلو الحزب في مناطق جبال قنديل وهو واحد من أكبر المنظمات العسكرية الكردية خارج سيطرة الدولة.
أسس عبد الله أوجلان، وهو زعيم سياسي كردي يساري الحزب عام 1978، وهو يهدف إلى إنشاء دولة كردية مستقلة على أراضي ما يعرف بكردستان الكبرى.
وتقول الموسوعة البريطانية Britannica إن أعضاء الحزب عرفوا منذ تأسيسه بكونهم من الطبقات الاجتماعية الدنيا، وكذلك بتطرفهم.
وأظهر الحزب في وقت مبكر استعدادا لاستخدام القوة ضد الحكومة التركية وأيضا ضد الكرد الذين يتهمهم بالتعاون مع الحكومة.
وفي البداية سمحت العلاقات الجيدة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني (العراقي) بدخول أعضاء PKK إلى جبال قنديل في الثمانينات، ونفذ الحزب عمليات حرب عصابات ضد تركيا.
وخلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، أدت هجمات حزب العمال الكردستاني والأعمال الانتقامية من قبل الحكومة التركية إلى حالة حرب فعلية في شرق تركيا. في التسعينيات هاجمت القوات التركية أيضًا قواعد حزب العمال الكردستاني في ما يسمى بالملاذات الآمنة في كردستان العراق، أولاً من الجو ثم بالقوات البرية.
وفي فبراير 1999، تم القبض على أوجلان في نيروبي وتم نقله جواً إلى تركيا، حيث أدين في يونيو بالخيانة وحكم عليه بالإعدام.
وفي أعقاب إلغاء تركيا لعقوبة الإعدام في أغسطس 2002، خُففت العقوبة إلى السجن المؤبد.
وتصنف الولايات المتحدة حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية.
حرب مستمرة
يطمح أغلبية الكرد إلى تأسيس دولة كردية في المناطق التي ينتشرون فيها، لكن هذا الحلم طويل الأمد لم يتحقق على الرغم من سنوات الصراع.
بعد الحرب العالمية الأولى وتقسيم الدولة العثمانية، تقسمت أراضي الدولة في المناطق ذات الأغلبية الكردية بين الدول التي تشكلت حديثا وهي تركيا والعراق، بالإضافة إلى أراضي تحت سيطرة إيران مما جعل الكرد أقلية عرقية كبيرة في هذه البلدان الثلاثة.
وتعرضت الحركات الكردية للقمع من قبل تركيا والعراق حيث خشيت الحكومتان فيهما من تقسيم أراضيها وانفصال المناطق الكردية.
وشهد القرن العشرين محاولات لإقامة دولة كردية لكنها باءت جميعا بالفشل، منها مملكة كردستان التي أسسها الشيخ مصطفى الحفيد في العشرينات بمحافظة السليمانية قبل أن تسحق من قبل القوات العراقية والبريطانية، وكردستان الحمراء التي أعلنها الكرد الأذريون في ناغورنو قره باغ بين أرمينيا وأذربيجان عام 1923 وجمهورية آرارات عام 1930 في المنطقة الجبلية التركية.
وفي عام 2017 صوتت أغلبية كرد العراق بالموافقة على استفتاء للانفصال عن العراق، لكن الاستفتاء اعتبر غير رسمي وأدى إلى دخول القوات العراقية لمدينة كركوك لأول مرة منذ أعوام.
وتعتبر المناطق الكردية – باستثناء إقليم كردستان العراق – مناطق غير مستقرة تشهد باستمرار أعمالا عسكرية وعمليات أمنية.
وفي إيران تجري السلطات الأمنية باستمرار عمليات في محافظة كردستان، وتحتفظ بوجود أمني كبير فيها، كما تضيق – مثل تركيا – استخدام اللغة الكردية وحتى الأسماء الكردية.
ويمتلك الكرد تمثيلا سياسيا في البرلمان التركي، لكن حزب الشعوب الكردي المعارض تعرض للتضييق عليه باستمرار ولوحقت قياداته.
وفي العراق، تهدد العمليات العسكرية استقرار البلاد المضطرب أصلا، كما تثير استياء واسعا بسبب انتهاك السيادة المستمر لأراضي العراق.
وتعتبر العلاقات بين الأحزاب الكردستانية غير العراقية ونظيراتها العراقية معقدة بشكل كبير، ففي حين يتبادل حزب العمال الكردستاني العداء مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بشكل وصل إلى الصدام المسلح، يتمتع الحزب بعلاقات أفضل مع وحدات مقاومة سنجار المنتشرة في سنجار والتي انضم بعضها إلى الحزب الشعبي، كما إنه يشيع وجود علاقة بين الحزب وبين بعض الفصائل المسلحة العراقية.
في المقابل تتمتع الأحزاب الكردستانية الإيرانية بعلاقات ودية مع الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في أربيل، بينما تتسم علاقاتها بالعداء مع الفصائل العراقية المسلحة.الحرة – واشنطن