عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
أخطاء القيادات الكردية لم تتوقف
على مدى عدة عقود، ومنذ أن بدأت صراعها مع الأنظمة السياسية في الدول التي تعيش فيها الأقلية الكردية، وتحديدا في سوريا والعراق وإيران وتركيا، فإن الفصائل الكردية المسلحة لم تتعلم من أخطائها الفادحة التي تسببت في إلحاق الأذى والضرر الفادح بأبناء جلدتها، فطوال تلك العقود وخلال ذلك الصراع عمدت القيادات الكردية إلى رهن قراراتها للقوى الخارجية ذات المصلحة الجيوسياسية إضرارا بمصالح أوطانها التي تعيش على أرضها، كما حدث مثلا حين تحالفت القيادات الكردية العراقية مع شاه إيران الراحل محمد رضا بهلوي ضد النظام السياسي في العراق ومع الغزاة الأمريكان والقوى الخارجية الأخرى، وعلى حساب المصلحة الوطنية العراقية والتي يفترض أن تكون هي نفسها مصلحة الأقلية الكردية أيضا باعتبارهم مواطنين عراقيين، والأمر نفسه نجده الآن جليا بالنسبة إلى القيادات الكردية السورية اتي وضعت بيضها بأكمله في السلة الأمريكية والأوروبية التي تسعى ليس فقط إلى الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد، وإنما تفتيت سوريا.
تعويل القيادات الكردية على القوى الخارجية، لا يمكن أن يحقق لهذه القيادات الأهداف التي في جعبتها، ذلك أن تلك القوى لا تهمها سوى مصالحها الجيوسياسية، كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية حين خططت ونفذت جريمة غزو العراق وإسقاط نظام الرئيس الراحل صدام حسين حيث وفرت «الأمن» و«الحماية» للمناطق الكردية الواقعة في إقليم كردستان العراق، لكنها، أي واشنطن، «توخت» حين أقدمت القيادات الكردية العراقية على إجراء استفتاء الاستقلال في سبتمبر عام 2017 بعد أن أدركت أمريكا أن تأييد مثل هذه الخطوة لن يحقق للأكراد مبتغاهم إذ لا يمكن لدولة في مثل هذا الموقع الجغرافي أن تعيش في ظل الرفض القاطع من الدول الأربع المحيطة بها (العراق إيران سوريا تركيا)، لمثل هذه الخطوة.
الخطأ الذي ارتكبه الأكراد في العراق، سواء بتحالفهم مع نظام شاه إيران وسعيهم إلى فصل إقليم كردستان عن الوطن الأم، أو من خلال ارتمائهم في أحضان القوى التي غزت العراق بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وذهابهم إلى استفتاء الانفصال، مثل هذا الخطأ الفادح، يكرره أشقاؤهم في سوريا، فالقيادات الكردية السورية استغلت الأوضاع الأمنية الخطيرة التي تعرضت لها سوريا منذ عام 2011 حين حولتها بعض الدول الإقليمية والدولية إلى مرتع لمختلف الجماعات الإرهابية تحت ذريعة دعم «ثورة الشعب السوري»، واستهدفت إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، عملت على دغدغة مشاعر الأكراد السوريين وتشجيعهم على الانخراط في التوجهات الانفصالية مدعومة من قوات الاحتلال الأمريكي في سوريا.
فالقيادات الكردية في سوريا التي وضعت بيضها في السلة الأمريكية وتحالفت مع واشنطن والقوى الغربية الأخرى، واتكأت على دعمهم لها، أوقعت نفسها بين فكي النظامين في سوريا وتركيا حيث تعتبرهم دمشق عملاء لقوات الاحتلال الأمريكي، فيما أنقرة تنظر إليهم على أنهم جزء مكمل لما تراه مشروعا انفصاليا يقوده حزب العمال الكردستاني التركي وهو مصنف من قبل أنقرة، كما هي الفصائل الكردية السورية، على أنها جماعات إرهابية وهي تتعرض بين الحين والآخر لهجمات تركية آخرها التي جاءت بعد العملية الإرهابية التي شهدتها مدينة إسطنبول التركية ووجهت أنقرة الاتهام إلى حزب العمال الكردستاني التركي.
بمجرد أن شرعت أنقرة في تنفيذ عمليتها العسكرية الأخيرة في الشمال السوري ضد الفصائل الكردية المسلحة المتحالفة مع واشنطن والدول الغربية التي تحتل أجزاء من الأرض السورية، سارعت واشنطن إلى إعلان «تفهمها» «للهواجس الأمنية التركية وبأن الأمن القومي التركي يتعرض لتهديدات خطيرة»، من دون أن تظهر أي شكل من أشكال التعاطف أو تأكيد دعمها لهذه الفصائل، في مؤشر على أنها، أي واشنطن وحلفائها أيضا، على استعداد للتضحية بهذه الفصائل كلما اقتضت مصالحهم ذلك، وهذه المصالح موجودة في علاقات هذه الدول مع تركيا، كونها قوى إقليمية ذات تأثير كبير وعضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
لم يتعلم قادة الفصائل الكردية، خاصة في كل من العراق وسوريا، أن الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الخارجية الأخرى تستخدمهم كأوراق في حساباتها الجيوسياسية، ثبت ذلك إبان حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ويثبت الآن في سوريا، حيث تلعب الولايات المتحدة الأمريكية بالورقة الكردية بهدف تفتيت الجغرافيا السياسية لسوريا، وما يسمى بالتحالف ضد «داعش»، لا يعدو أن يكون غطاء لهذه الأهداف الخبيثة، وأن قبول القيادات الكردية السورية بالانخراط في هذا التحالف «ضد» «داعش»، هو مشاركة مباشرة في جريمة التفتيت للوطن السوري، على ما يبدو فإن القيادات الكردية لم تستوعب الدروس ولم تستفد من تجارب تحالفاتها المتعددة مع الغرباء وأعداء أوطانها؟!