درسٌ من المستشفيات لإدارات العالم
د. محمّد النغيمش كاتب كويتي
وقعت حادثة عنف مؤسفة في أحد المستشفيات الخاصة استدعت تدخل رجال الشرطة. هرع أحد كبار المسؤولين إلى المدير العام ليخبره بالحادثة، لكنه صدم عندما عرف أن المدير كان على علم بما حدث وآثر عدم التدخل في مجريات الحادثة. استغرب المسؤول وسأله عن السبب فقال المدير العام: إننا وضعنا ثمانية إجراءات عمل واضحة للتعامل مع كل حادثة يمكن أن تحدث في المستشفى أو خارج أسواره، ومهمتي كمدير عام أن يأتيني التقرير ليشرح لي نتائج التحقيق في كل حادثة، حينها أستطيع توجيه أصابع النقد لأي شخص لم يطبق اللوائح والإجراءات.
ما كان يقصده المدير العام أن في المستشفى بروتوكولاً عملياً عبارة عن قائمة فيها كود ملون code لكل واقعة (رموز). فإذا ما أصيب شخص بسكتة قلبية سوف يعلن في الإذاعة الداخلية أن المستشفى يواجه الحالة الزرقاء (وهي إشارة خفية) إلى إصابة أحدهم بسكتة قلبية، ثم يتم تحديد الدور المقصود والغرفة المعنية. وبمجرد ذكر لون الحالة سوف يعرف جميع الطاقم الطبي والهيئة التمريضية طبيعة التعامل مع الألوان الثمانية. ولا يتم ذكر طبيعة الحالة حتى لا يدب الهلع في نفوس المرضى.
على سبيل المثال يعتبر الإعلان عن حالة اللون الوردي وقوع حالة اختطاف لطفل أو رضيع فيهرع المعنيون بإغلاق بوابات المستشفى وغرف محددة في محاولة للسيطرة على الخاطف وإلقاء القبض عليه. وإذا ما أعلن عن اللون الأحمر فهذا يعني نشوب حريق يستدعي اتصال قسم محدد في خدمات الإسعاف والطوارئ وإخلاء المستشفى من المرضى في منهجية واضحة تقلل الأضرار. وإذا ما أعلن عن اللون الأصفر فهذا دليل على خلل في الكهرباء. ولحسن الحظ تعمل المستشفيات المهنية عبر مولدات كهرباء احتياطية تعمل في غضون ثانية واحدة من توقف التيار الكهربائي أو المياه كإجراء احترازي.
ويعرف اللون البرتقالي بأنه إعلان عن وقوع كارثة خارجية. واللون الأخضر هو إشارة إلى تسرب أو سكب مواد خطرة قابلة للاشتعال في مكان محدد. ويدل اللون الأسود على ضرورة الإخلاء الفوري، واللون البني يشير إلى أن هناك حادثة عنف قد وقعت في مكان محدد. عندما يعلن عن هذه «الأكواد» الثمانية يعرف جميع العاملين في المستشفيات ما الذي يتوجب عليهم فعله، حيث إنهم يخضعون إلى تدريب وتذكير متكرر حتى لا ينسى أحد دوره.
وفي هذا درس بليغ من المستشفيات إلى إدارات العالم في شتى القطاعات إلى أنه يمكن للمنظمات القيام بعمل مؤسسي وممنهج ينقذ العاملين من الحوادث والأزمات والفوضى، إذا ما أحسن المسؤولون توضيح إجراءات العمل، وحددوا بدقة متناهية من يجب عليه فعله حتى لا يختلط الحابل بالنابل. ما نراه من فوضى ليس مقصوراً على الأزمات بل يحدث في شتى القطاعات، حيث نراه يقع بصورة مستمرة في المؤسسات العامة والخاصة، وهو ينم عن شيء من تداخل الاختصاصات أو ضبابية المسؤوليات وإجراءات العمل.
روعة هذا العمل الإداري المنظم الذي نتعلمه من المستشفيات أنه قابل للتطبيق. فيمكن أن يقرر مدير عام أو وزير كيفية التصرف في الأحداث المهمة والخطيرة. فلا يكفي أن تكون هناك لوائح مكتوبة فما أكثرها وما أجملها! ولكن ينبغي أن يكون هناك تدريب مستمر ليس فقط على الإخلاء وقت الحريق، ولكن ينبغي أن يكون هناك تدريب متواصل على كل الحالات المتوقع حدوثها. إذا ما وصلنا إلى هذا المستوى فإننا نستطيع القول بأننا نمارس عملاً مؤسسياً واضح المعالم، لا يستند إلى فرد واحد حتى إن كان هو في نظر البعض «عمود الخيمة».