أردوغان يجدد السعي لطي صفحة التوترات مع مصر
أشار إلى اجتماعات مرتقبة على مستوى وزراء البلدين بهدف تطور العلاقات الثنائية
مصافحة المونديال بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي في قطر (أ ف ب)
بعد مصافحة المونديال على هامش افتتاح تصفيات كأس العالم في قطر قبل نحو أسبوع، التي جمعت بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، وصفها الأخير بأنها “خطوة أولى نحو مزيد من التطبيع في العلاقات بين البلدين”، فيما اعتبرها بيان للرئاسة المصرية “بداية جديدة في العلاقات الثنائية بينهما”، جدد الرئيس التركي، الأحد 27 نوفمبر (تشرين الثاني)، “أهمية المصافحة” في إحداث اختراق على مستوى تطبيع العلاقات بين القاهرة وأنقرة بعد أعوام من التوتر بين البلدين.
وقال أردوغان في تصريحات أذيعت اليوم إن “عملية بناء العلاقات مع مصر ستبدأ باجتماع وزراء من البلدين وإن المحادثات ستتطور انطلاقاً من ذلك”، مضيفاً أنه تحدث إلى نظيره المصري خلال ذلك الاجتماع لمدة تراوحت بين 30 و45 دقيقة وأن الرئيس السيسي “كان سعيداً للغاية إثر لقائهما في قطر”، على حد وصفه.
وأحيت المصافحة النادرة بين الرئيسين، الأحد 20 نوفمبر، آمال استعادة مسار التطبيع المتعثر بين البلدين بعدما خيم عليه التباعد أخيراً بسبب تباين المواقف تجاه ملفات تعد “مصيرية” للطرفين.
تحسن مرتقب للعلاقات
ووفق التصريحات التي أذاعتها وسائل إعلام تركية، الأحد، قال أردوغان إن “العلاقات مع القاهرة دخلت في طريق التحسن”، وهو الأمر الذي ربما يحدث كذلك في علاقات بلاده مع سوريا، موضحاً “لا مكان للقطيعة في السياسة” وأعرب عن اعتقاده بأن “تطورات إيجابية ستحصل مع مصر”.
وذكر أردوغان من دون أن يسمي دولاً بعينها، “هناك من أرادوا الاستفادة من القطيعة في فترة ما مع دول الخليج لكن خططهم فشلت عندما أزلنا هذه القطيعة”، مشيراً إلى أن “علاقات شعبي تركيا ومصر قوية جداً وعلينا ألا نخسرها لمصلحة الآخرين فتسلل اليونان إلى المنطقة لن يكون جيداً”.
وتأتي تصريحات أردوغان بعد يومين من تصريحات مماثلة لنائبه فؤاد أوقطاي قال فيها إن تطبيع العلاقات بين بلاده ومصر “مستمر في إطار الإرادة المشتركة للجانبين والمصالح والاحترام المتبادل”.
وذكر أقطاي في كلمة أمام لجنة الموازنة بالبرلمان التركي أن “التحولات الجيوسياسية الأخيرة في الشرق الأوسط انعكست على مقاربات دول المنطقة أيضاً”، وفقاً لوكالة “الأناضول” التركية، وتابع أن “الموقف التركي المتمثل في إعطاء الأولوية للتعاون الإقليمي أثمر عن فتح حقبة جديدة في العلاقات الثنائية مع الإمارات والسعودية وإسرائيل”، مضيفاً “تستمر اتصالاتنا مع مصر لتطبيع العلاقات في إطار الإرادة المشتركة للجانبين والمصالح المشتركة والاحترام المتبادل، وقمنا وسنواصل القيام بكل ما تتطلبه مصالح بلدنا وشعبنا”.
“مصافحة المونديال”
وتأتي التطورات الأخيرة بعد أول مصافحة جمعت بين أردوغان والسيسي، في أعقاب أعوام من التوتر على خلفية إطاحة نظام جماعة الإخوان من حكم مصر إثر ثورة شعبية، إذ أظهرت الصورة التي نشرتها الرئاسة التركية تبادل السيسي وأردوغان الحديث، فيما كان يتوسطهما أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني.
وبعدها اعتبر الرئيس التركي المصافحة النادرة “خطوة أولى نحو مزيد من التطبيع في العلاقات بين البلدين”. وقال في تصريحات أدلى بها على متن الطائرة في رحلة عودته من قطر إن “تحركات أخرى ستلي تلك الخطوة الأولى من أجل تطبيع العلاقات مع القاهرة”.
وذكر أردوغان أن “طلب أنقرة الوحيد من مصر هو تغيير أسلوبها تجاه وضع تركيا في البحر المتوسط”، مضيفاً أن بلاده تأمل في أن “تمضي بالمرحلة التي بدأت بين وزرائنا إلى نقطة جيدة لاحقاً عبر محادثات رفيعة المستوى”.
في المقابل وبحسب بيان نشرته الرئاسة المصرية، قال المتحدث باسمها بسام راضي إن “الرئيس السيسي تصافح مع نظيره التركي أردوغان، إذ تم التأكيد المتبادل على عمق الروابط التاريخية التي تربط البلدين والشعبين المصري والتركي”، مضيفاً “تم التوافق على أن تكون تلك بداية لتطوير العلاقات الثنائية بين الجانبين”.
وأشارت مصادر رسمية مصرية لـ”اندبندنت عربية” إلى أن المصافحة الأولى بين السيسي وأردوغان “كان لأمير قطر دور فيها”، لافتة إلى محاولات تقودها الدوحة لتقريب وجهات النظر بين البلدين منذ اتفاق مصالحة العلا في يناير (كانون الثاني) العام الماضي الذي أنهى مقاطعة استمرت نحو أربعة أعوام بين قطر وكل من مصر والسعودية والإمارات والبحرين.
ورجحت تلك المصادر حينها أن “تقود تلك المصافحة إلى انفراجة قريبة على صعيد مسار تطبيع العلاقات خلال الفترة المقبلة”، مشيرة إلى احتمالات عودة المحادثات الاستكشافية الدبلوماسية والأمنية التي كانت بدأت في مايو (أيار) من العام الماضي. وبحسب تلك المصادر كذلك، “فإن القاهرة ستتحرك باتجاه اختبار جدية النوايا التركية عبر استعادة قنوات التشاور معها بحثاً عن حلحلة القضايا العالقة، لا سيما على صعيد الملف الليبي الذي يمثل لمصر امتداداً لأمنها القومي بشكل مباشر”.
أعوام من التوتر
وكان الرئيس التركي أكد في أكثر من مناسبة منذ إطاحة نظام الإخوان من الحكم في مصر أنه لن يقبل المصالحة مطلقاً مع الرئيس السيسي، إلا أنه ومع بداية عام 2021 شهدت العلاقات بين البلدين بعض التحسن، وكانت أولى بوادره تصريحات أردوغان في مارس (آذار) من العام ذاته بأن البلدين أجريا اتصالات استخباراتية ودبلوماسية واقتصادية وبأنه يرغب في علاقات قوية مع القاهرة.
وبعد ذلك بأسبوع طلبت الحكومة التركية من ثلاث قنوات مصرية مقرها إسطنبول وتقول القاهرة إنها مرتبطة بجماعة الإخوان المصنفة إرهابية في مصر، وقف بعض برامجها السياسية وخطابها المعادي للسلطات المصرية، كما تحدثت وسائل إعلام عربية عن إغلاق تركيا ما وصفته بمقار الإخوان في البلاد.
وبالتوازي مع ذلك بدأ البلدان خلال مايو من العام الماضي “محادثات استكشافية” لتطبيع العلاقات، بدأت على مستوى كبار المسؤولين في وزارتي خارجية البلدين، غير أنه سرعان ما تباطأت وتيرة تحسين العلاقات إثر حجم التباينات في مواقف البلدين تجاه بعض الملفات وعلى رأسها الملف الليبي وغاز المتوسط واستضافة تركيا عناصر تابعة لتنظيم الإخوان.
وعاد التوتر ليخيم على علاقات البلدين مرة أخرى بسبب الملف الليبي، إذ ترفض القاهرة الوجود العسكري لتركيا في ليبيا ضمن منطقة تعتبرها عمقاً استراتيجياً لأمنها الوطني، فضلاً عن عودة الخلافات بين الجانبين حول حقوق التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط.