1

الدعوة إلى انعقاد مجلس الوزراء في لبنان والتفسير “المسيس” للدستور

فريق عون يبدي معارضة شديدة فيما يرفع ميقاتي لواء “تسيير شؤون المواطنين”

بشير مصطفى  صحافي 

ميقاتي مستقبلاً وزير الإعلام زياد مكاري في السراي الحكومي، الجمعة 2 ديسمبر الحالي (دالاتي ونهرا)

“الطبيعة لا تقبل الفراغ” حجة منطقية بالنسبة إلى داعمي انعقاد جلسات حكومة تصريف الأعمال في لبنان، التي يرأسها نجيب ميقاتي، في ظل الانهيار المالي المتسارع والوضع الاقتصادي المأزوم، ولكن هذا الطرح لا يمكن أن يمر مرور الكرام في ظل معارضة شديدة من قبل فريق رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، الذي استنفد كل صلاحياته، حتى أنه تجاوز عرفاً قديماً عندما أصدر مرسوم قبول استقالة الحكومة بصورة منفصلة عن مرسوم تشكيل حكومة جديدة (درجت العادة في لبنان على أن يتم توقيع المرسومين في وقت واحد)، وكانت هذه الخطوة كافية للتعبير عن التباينات العميقة في وجهات النظر بين الأطراف السياسية، التي تتجسد أسبوعياً في معرض “الجلسات الفلكلورية” لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، حيث اعتاد اللبنانيون على مشهد تطيير النصاب منعاً لانتخاب رئيس “غير توافقي” من وجهة نظر فريق “الثامن من آذار” (حزب الله، وحركة أمل، والتيار الوطني الحر وحلفائهم) الذي يعول على زيادة أصواته مع دخول النائبين فيصل عمر كرامي، وحيدر آصف ناصر تحت قبة البرلمان من بوابة قبول الطعن بنيابة رامي فنج وفراس السلوم عن دائرة الشمال الثانية – طرابلس.

جلسة للضرورة أم للتحدي؟

ولا يمكن أن يمر انعقاد جلسة لمجلس الوزراء في ظل فراغ رئاسي مرور الكرام في لبنان، فمنذ خروج عون من قصر بعبدا في 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أي تاريخ انتهاء ولايته، يتم تسيير عجلة الدولة اللبنانية دون رئيس للجمهورية، وفي كل مناسبة كان فريق “التيار الوطني الحر” يعبر عن تشكيكه في إمكانية الحكومة المستقيلة ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية التي تتنقل دستورياً إلى “مجلس الوزراء مجتمعاً” في حال شغور سدة الرئاسة.
من هنا، يتخذ الصراع الدستوري في لبنان أبعاداً عدة، منها ما هو ناجم عن الاختلاف في تفسير النصوص وفهمها، ومنها ما يتعلق بالخلاف السياسي بين المحاور، وبالتأكيد لا يمكن إغفال مسألة التسوية استجابةً لإشكالية، “من يكون رئيس لبنان المقبل؟”.
وتلقى فريق عون بسلبية كبيرة ما يشاع عن احتمال عقد جلسة جديدة لمجلس وزراء تصريف الأعمال، وعبر عن ذلك مباشرةً النائب السابق أمل أبو زيد (مستشار الرئيس عون للشؤون الروسية) الذي غرد، “يبدو أن الرئيس ميقاتي بصدد الانقلاب على تعهداته أمام مجلس النواب بعدم دعوة مجلس الوزراء إلى الإنعقاد… إن محاولات التذاكي ومنح حكومة تصريف الأعمال صلاحيات لا تملكها يسبب إشكالات دستورية وسياسية في غير أوانها وننصح ميقاتي بالإقلاع عن أي استفزاز أو ابتزاز”.
من جهته، أكد علي درويش (نائب سابق مقرب من ميقاتي) على أن “حاجات الناس لا تنتظر، وهناك بنود كثيرة تتطلب انعقاد مجلس الوزراء واتخاذ قرارات في شأنها، لافتاً إلى أن ميقاتي تشاور مع مختلف الأفرقاء السياسيين “من أجل الوقوف عند وجهات نظرهم لتقدير مدى إلحاح هكذا جلسة”، وتطرق درويش إلى “ملفات طارئة عدة تتطلب تحركاً حكومياً عاجلاً، فمن ناحية، هناك ملف معاناة مرضى الكلى والسرطان، وتحويل مبالغ مالية من أجل تأمين استمرارية عمل المستشفيات وغيرها من القضايا ذات البعد المالي التي تحتاج إلى مرسوم من مجلس الوزراء، ناهيك عن ملف الاتصالات وحاجات الناس”.
وأقر درويش بوجود اعتراضات على انعقاد الجلسة الحكومية، ولكنه كرر أن “على حكومة تصريف الأعمال التحرك من أجل تخفيف الأعباء عن الناس، ولكن إن كان هناك من يريد استخدامها في السياسة فهذا شأنه، ولا يمكن تفسيره ضمن الاصطفافات”.

ورداً على تحفظات لا يخفيها “التيار الوطني الحر” كان قد صرح بها حتى قبل نهاية ولاية عون، حين أعلن وزراء محسوبون على التيار بأنهم لن يحضروا أي جلسة للحكومة المستقيلة في ظل الفراغ الرئاسي، وصف علي درويش ما يحصل ضمن “خلط الأمور ببعضها بعضاً”، لأن الحديث عن المرحلة السابقة على الشغور الرئاسي وإمكان تشكيل الحكومة وإدارة البلاد في ظل الفراغ أمور مختلفة وتحتمل وجهات نظر متباينة”، ملتزماً موقف ميقاتي “الذي أكد أن لديه النية لتشكيل الحكومة ولم يكن هو من عرقل ولادتها، لكنه في المقابل يشير إلى أن إدارة البلاد لا تحتمل الفراغ، وترك شؤون الناس على غاربها، ولا بد من استمرارية الحكم”.
ودعا النائب السابق المقرب من ميقاتي “الفرقاء الذين يتمسكون بتسيير الحكم وشؤون المواطنين دون انعقاد مجلس الوزراء إلى تقديم الحلول المتاحة لديهم، وهو أمر مرحب به”، أما قول، لن نشارك ونقطة على السطر، فهذا يفتح الباب على علامات استفهام”.

ويلفت إلى أنه “لا يمكن تحويل الأموال دون مرسوم صادر عن مجلس الوزراء”. أما في ما يتعلق بالمرسوم الجوال الذي ينتقل بين الوزراء لتوقيعه، فيطالب درويش بتقديم فتوى دستورية حوله، “وعلى هذا الأساس يمكن أن يكون المخرج”. 

وخلص درويش إلى أن “انعقاد المجلس لا يتعامل معه من زاوية الحتمية بقدر ما هو ضرورة لتسيير شؤون البلاد، والبت فيه يعود إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال”، مشدداً على أن “فريق رئيس الحكومة يجعل من تسيير شؤون الناس أولوية وفق مندرجات تصريف الأعمال والصلاحية الدستورية إلى حين انتخاب رئيس الجمهورية، ومرسوم قبول استقالة الحكومة كان لزوم ما لا يلزم، وفي حال اقتضى تصريف الأعمال انعقاد الحكومة فستنعقد اجتماعاتها. ومجلس الوزراء هو لحل مشكلات الناس وليس لخلقها”، متوجهاً إلى النواب “لننتخب رئيساً جديداً للجمهورية، ولنعف الجميع من السجالات واللغط، وليتقدم الفرقاء بمرشحيهم الجديين إلى المجلس لانتخاب رئيس للبلاد”. 


ممارسة الدستور بحدود حسن النية

وتثير مسألة تصريف الأعمال سجالاً دستورياً وسياسياً بين الفرقاء في لبنان، ولكن من وجهة نظر رجال القانون فإن “الممارسة الواقعية هي من تسيء تفسير الدستور”، ولجأ أستاذ قانون، الدكتور جاد طعمة إلى قواعد القانون الإداري التي تتحدث عن “الظروف الاستثنائية والطارئة” التي تفتح المجال لكل وزير لاتخاذ قرارات وتوقيع عقود في نطاق صلاحياته على أن يعود مجلس الوزراء إلى تبني هذا الالتزام لاحقاً على سبيل “التسوية”، ولفت إلى أن “هذا الإجراء اعتمده وزير التربية في تعامله مع أساتذة الملاك الرسمي، كما يمكن لوزارة الصحة تنفيذه لتفادي تهديدات المستشفيات الخاصة، وبناءً لهذا المسار لا تعود هناك ذريعة لتأخير بت أمور الناس بحجة عدم انعقاد مجلس الوزراء”.

عقد اجتماعات مجلس الوزراء في ظل تصريف الأعمال

وعبر طعمة عن اعتقاده بأن “السجال حول انعقاد جلسات لمجلس الوزراء في ظل تصريف الأعمال مسألة ذات بعد سياسي أكثر منه قانوني، لأن هناك مخارج قانونية لحل المشكلات القائمة حالياً”، محملاً “أعضاء النادي السياسي” (الأحزاب المكونة للحكومة السابقة) “مسؤولية عدم تشكيل حكومة بسبب الخلاف على الحصص، على رغم أن النظرة المستقبلية كانت تنذر بطول فترة الفراغ الرئاسي”.

وتطرق طعمة إلى النص الدستوري الذي يتحدث عن انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء مجتمعاً في حال الشغور دون ذكر صفة تلك الحكومة، وأسف لأنه “في ظل الديمقراطية التوافقية هناك تكريس للمحاصصة في تشكيل مجلس الوزراء”.
ويؤدي الشغور المتكرر لموقع رئاسة الجمهورية إشكالات دستورية، وهنا أوضح طعمة أنه “عند وضع دساتير الدول يفترض المشرع ممارسة الصلاحيات وفق مبادئ حسن النية واستمرارية المرفق العام ومنع الفراغ في السلطة، وعليه، ما يجري في لبنان غريب عن العلم الدستوري، وهي هرطقات على الطريقة اللبنانية، لأن قلة من دول العالم ينعقد مجلس النواب فيها لثماني مرات دون أن ينتخب رئيساً للجمهورية وهذا نتيجة سوء النية وإساءة استعمال النصوص الدستورية”.
وتابع طعمة أن “التجربة أثبتت الحاجة القصوى إلى تعديل النصوص الدستورية لوضع قيود على ممارسة السلطة لمنع الفراغ الرئاسي عند انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، وعند استقالة رئيس الحكومة سواء على مستوى التكليف والتأليف وهدر الوقت في ظل الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة”، أما في ما يتصل بدستورية المراسيم الجوالة، فقال إنه “في السابق استخدمت هذه المراسيم، ولكن حبذا لو يستخدم الإبداع القانوني لحل المشكلات، وانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة مكتملة الصلاحية، وتأمين انتظام عمل المؤسسات عوض إطالة أمد الفراغ”، معبراً عن أسفه حيال أن “المشكل دائماً يقع على توزيع الحصص وليس لتقديم الأفضل للدولة واللبنانيين”.

التعليقات معطلة.