1

روايات النظام لإحباط المحتجين… لماذا تقتل إيران الأطفال؟

المصدر: النهار العربي

الطفل كيان بير فلك.

الطفل كيان بير فلك.

في إيران، قائمة القتلى من الأطفال آخذة في الاتساع، والمعدّل هو طفل  كلّ يوم، فوفق وكالة هرانا لحقوق الإنسان قُتل 63 طفلاً خلال أيام  الاحتجاجات المندلعة منذ وفاة الشابة مهسا أميني، وكذلك تقرير اليونيسف المنشور يوم الأحد 27 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي والذي أكّد مقتل ما لا يقل عن خمسين طفلاً خلال الأيام الماضية على يد قوات النظام في إيران. التقرير وصف ما يحصل في إيران بالواقع المُرعب والذي ينبغي أن يتوقف في أسرع وقت. وفي رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة وصف عدد من المحامين والحقوقيين البارزين أبعاد ما يحصل بحق الأطفال في إيران بـ”الكارثية”، وأنّ النظام لم يتخذ بعد أي إجراء لمحاكمة الجناة أو القيام بما يحول دون تكرار الكوارث بحق الأطفال في هذا البلد الملتهب. الطفل محمد رضا سروي (14 عاماً)، قُتل في مدينة زهدان، فغرّد محاميه على حسابه في “تويتر” “أنّ محمّد قُتل برصاصة أصابت قلبه أثناء الاحتجاجات. لا تصدقوا من يقول أنّ محمد انتحر أو مات بسبب مرض مزمن أو أصيب بأزمة قلبية”. إذن هي حرب الروايات بين النظام من جانب والمحتجين في شوارع المدن الإيرانية من جانب آخر. 

 بعد قتل الطفل كيان بير فلك، انتشر مقطع فيديو يبدأه بعبارة “باسم ربّ القوس والقزح” والتي تحولت لاحقاً إلى إحدى أهم أيقونات الثورة التي طالت أيامها ومعها قائمة القتلى من الأطفال. المقاطع المصورة من هؤلاء الضحايا، غناؤهم، ورقصهم وبهجتهم زادت من شجن الإيرانيين، فتحولت المطالبة بوقف قتل الأطفال إلى أحد أبرز العناوين في أدبيات الثورة القائمة في إيران. حديث ذو شجونأمّ الطفل المقتول كيان بير فلك تقدمت آلاف المشيعين لجثمان طفلها جاهرة بصوتها: “قتلوا طفلي، فبينما نحن كنا في السيارة فتح عناصر من الشرطة نيران أسلحتهم علينا، فمات إبني ذو العاشرة، وأُصيب زوجي بجراح بليغة. من يخبركم بغير هذا فهو كذاب”، علماً أنّ النظام الإيراني حمّل تنظيم “داعش” مسؤولية قتل هذا الطفل من دون أنّ يزيد في الشرح.  وفي مدينة بيرانشهر الكردية قُتل الطفل كومار در أُفتاده، فخرج والده المفجوع بمقطع مُصور يعاتب فيه عناصر الشرطة ويسأل الشرطي الذي قتل ابنه “هل من أجل حفظ النظام تقتل الأطفال؟ أليس لديك أطفال؟ هل تستطيع شراء لعبة لطفلك بعدما قتلت طفلي؟ هل تسمح لنفسك بعد اليوم باحتضان أطفالك؟ كيف تدخل بيتك وتشاهد بهجتهم؟ كيف سولت لك نفسك قتل هذا الطفل البريء؟ يا رجال شرطة النظام، هل ما زال لديكم بقايا من الضمير؟ وفي مدينة مشهد قتلت الشرطة الطفل أبو الفضل آدينه زاده، فحضر الآلاف من المحتجين الغاضبين جنازته، وعندها كسر معلّمه الصمت بقوله: “قُتل أبو الفضل بخمسة وعشرين رصاصة أصابت بطنه وصدره، أي قساوة هذه؟ ماذا كان بوسع هذا الطفل أن يصنع بكم؟ ما الذي يخيفكم من هؤلاء الأبرياء؟ ضع سلاحك أرضاً أيها العسكري، فنحن أبناء وطن واحد”. 

أصناف الموت“تعدّدت الأسباب والموت واحد”… إنّها مقولة تصدق حقاً على القتلى من الأطفال في إيران خلال الأيام الماضية، فبينما قُتل الطفل محمد إقبال نائب زهي بعد إصابته برصاصة في صدره وهذا بحسب ما أكده شقيقه في مقطع فيديو نشره لاحقاً، قُتلت الطفلة، هستي ناروئي، ذات السابعة من عمرها مختنقة بالغاز المسيل للدموع أثناء المجزرة التي تلت صلاة يوم الجمعة في مدينة دزاب (زهدان). أما انتحار المعتقلين من الأطفال، فهو سبب آخر يذهب ضحيته الصغار في إيران. تقول الإعلامية ليلا سعادتي: “نلحظ في هذه الأيام انتشار ظاهرة انتحار المعتقلين بعد أيام قليلة فقط من إطلاق سراحهم، إذ إنّه خلال الأسبوع الماضي تحديداً وثّقنا ثلاث حالات انتحار منتهية بالوفاة، كان اثنان منهم دون الـ18. نحن لا نعلم ما الذي يحصل لهؤلاء الأطفال في المعتقلات فيحملهم ذلك على الانتحار بعد إطلاق سراحهم”. وطالب اتحاد أطباء إيران، المنظمات الدولية بإجراء تحقيقات مستقلة في هذه الوفيات خصوصاً الأطفال منها، لا سيما أنّ للنظام الإيراني سجلاً حافلاً بقتل السجناء من خلال حقن مادة البوتاسيوم. ومن أبرز هذه الحالات كانت وفاة الشاعر الأحوازي الشاب حسن حيدري الذي لقي حتفه بعد أيام قليلة من إطلاق سراحه، الأمر الذي تسبب باندلاع احتجاجات عارمة في الأحواز قبل ثلاثة أعوام. الديدن القديمواقع الأطفال في إيران مأسوي عموماً، إذ شهدت إيران خلال عام 2022 أكبر نسبة لإعدام الأطفال بين كل دول العالم. وقد أكد مدير منظمة الرعاية الاجتماعية في بلدية طهران، رضا قديمي أنّ 90 في المئة من الأطفال العاملين في إيران يتعرضون إلى اعتداء جنسي أثناء عملهم، فضلاً عن انتشار ظواهر كالانتحار وزواج القاصرات في مختلف المحافظات الإيرانية. الإعلامي والكاتب عمار تاسائي، قال في حديث لـ”النهار العربي” إنّ “النظام منذ أيامه الأولى وعند الحرب الإيرانية – العراقية قام بتجنيد الأطفال وإرسالهم إلى جبهات القتال، واستمر بعد ذلك بتدريس مادة التعليم العسكري في المدارس حيث يمارس الطفل استخدام الأسلحة والرصاص الحيّ في الميدان. وكذلك في القضاء تتم معاملة الطفل كما الكبار في إيران، إذ إن الطفل عند ارتكابه أي جريمة يواجه عقوبة السجن فيقبع لشهور أو سنوات في سجون غير مؤهلة تُدعى مراكز إعادة التأهيل، وبحسب ما رصدناه يصاب الطفل المسجون في الأغلب بأزمات نفسية تدفع به إلى الانتحار أو تحوّله لاحقاً إلى مجرم، أو مدمن و… فالعارف بديدن النظام لا يستغرب إطلاق شرطته الرصاص الحيّ على الأطفال المحتجين في الشوارع”. الوصفة الخائبةويقول الباحث في الشأن الإيراني، وجدان عبد الرحمن إن وصفة النظام الأولى في التصدي للاحتجاجات تتلخص بالقمع والصفعة الحديدية، وجاء قتل الأطفال وسجنهم ضمن هذه الوصفة، إلا أن سحر النظام انقلب على ساحره وجاءت الوصفة بنتيجة عكسية تماماً، فالحضور الجماهيري الحاشد في تشييع هؤلاء الأطفال في مختلف المدن الإيرانية، واستمرار الثورة رغم المئات من القتلى هو خير دليل على خيبة وصفة النظام الأولى حتى الآن”.

التعليقات معطلة.